English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

موقع الأستاذ حسن فيلالي
رحاب المحاماة الجديد

البحث السابع





 

 

التأطير القانوني والنظري

لحق الولوج

إلى مهنة المحاماة

المقدمة:

كيف تصبح محاميا ؟

كثيرا ما نسمع أو نقرا هذه العبارات تتكرر إما في مقالات وإما في مناسبات وإما في مواقع الكرتونية مختلفة. إلا أن الإجابة علي مختلف الإشكاليات التي تطرح بمناسبتها تختلف من مقال لأخر ومن موقع لأخر وكذلك من مناسبة لأخرى.

ولعل أن هذا الاختلاف يعزى إلى اختلاف الزاوية التي ينظر منها إلى مهنة المحاماة و إلى تعدد القوانين والأنظمة التي تحكمها بتعدد دول العالم والى اختلافها والى تباينها من مجتمع لآخر ومن دولة لأخرى.

والغالب في حل مثل هذه الإشكاليات هو الرجوع إلى القانون المنظم لمهنة المحاماة في البلد الذي يراد فيه مزاولتها. إلا أن النظر إلى هذه الإشكالية من زاوية واحدة لا يمكنه إعطاء النظرة أو الإجابة الكافية لها . لدى وجب البحث في الإطار أو المعيار الذي يتم على أساسه اختيار الشخص المناسب لهذه المهنة ’علما أن مختلف التشريعات في العالم لابد لها من تبني تيار آو نظرية تؤسس عليها القاعدة القانونية. وهذا الإطار آو المعيار غالبا ما يكون مستوحى من النظام السياسي والاقتصادي للبلد آو من أصول تاريخية أو فلسفية أو قانونية معينة.

وبالرجوع إلى القانون المقارن نجده حافلا بالنصوص التي تنظم مهنة المحاماة وتفرد لها أحكاما غالبا ما تتوافق ونظام البلد الذي تسري فيه أو مستوى تقدمه ووعيه بالدور المنوط بمهنة المحاماة داخل المجتمع وداخل مرفق العدالة. أما إذا رجعنا إلى التاريخ فإن الملاحظ هو تعدد الأعراف والقوانين و والأنظمة التي كانت تحكم مهنة المحاماة مع ملاحظة قلة الاختلاف والتباين في أحكامها وكذلك تعدد الفلسفات التي ظهرت تبرر وجودها أو قيامها دون إغفال الجانب الديني في هذا المجال [1] ’ وكل ذلك على مر العصور و منذ أول تجمع بشري منظم إلى الألفية الثالثة بعد الميلاد .[2]

وأمام هذا الزخم من الأعراف و النصوص والفلسفات والمعتقدات الدينية ’كان لابد من أن يبرز التساؤل عن إمكانية الكلام في الإطار النظري الذي يحكم مختلف القواعد المنظمة لحق الولوج إلى مهنة المحاماة ومدى تطور هذا الإطار عبر العصور بتطور الفكر والمجتمع البشري على حد سواء.

ولأجل الإجابة عن كل هذه التساؤلات لابد من أن يجرنا الفضول إلى الكلام عن كيفية الولوج إلى مهنة المحاماة في بضع فصول وذلك على النحو التالي:

الفصل الأول

التأطير القانوني

لحق الولوج إلى مهنة المحاماة

إن المقصود بالتأطير القانوني في هذا الجانب من جوانب مهنة المحاماة هو معرفة رأي التشريعات المختلفة في كيفية ممارسة الحق في الولوج إلى هذه المهنة ’وما هي الشروط التي يتعين توافرها في كل المرشحين لذلك ’وما إن كانت هذه الشروط تلاءم العصر أم تسير على عكس ما تصمم له مختلف التجمعات والمؤتمرات الدولية في هذا المجال . إلا أن ما يلاحظ في هذا الصدد ’هو تعدد التشريعات التي تحكم هذا الحق بتعدد دول العالم واختلافها باختلاف مستويات النضج والوعي لديها بدور هذه المهنة في تحقيق العدالة المنشودة في ضل المحاكمة العادلة والمنصفة ’ وكذلك بتعدد الأنظمة القانونية واختلافها عن بعض ’ كاختلاف التيار اللاتيني عن التيار الأنجلوسكسونية واختلافهما عن التيار الإسلامي واختلاف المذهب الفردي عن المذهب الجماعي واختلافهما عما سبق واختلاف الكل عن التيار الجرماني وهكذا دواليك . إلا أن هذا الكلام لا يقصد به أن الصلة بين مختلف هذه التيارات منعدمة’ ولكن هناك تداخل وتقاطع وتفاعل فيما بينها .فإذا كانت معظم التشريعات الأوربية لاسيما منها اللاتينية جاءت متأثرة بالتشريعات الرومانية في معظمها ’فان هذا لا يعني أنها لم تأت متأثرة بالتشريعات المعاصرة لها مثل التشريع الإسلامي’ وكذلك التشريع الإسلامي وبالرغم من أنه تشريع سماوي متكامل ومستقل فانه جاء بدوره متأثر بغيره من التشريعات الأخرى ’لاسيما ما كان سماوي منها ’بدليل قول الله تعالى في القران الكريم " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى ".[3]

ولئن كان الكلام في هذا الباب لن يتأتى إلا إذا تم إتيانه من زاويته العريضة ’والتي تعطي نظرة شمولية عن مختلف تشريعات العالم من منطلقات مذاهب أو نظم معينة في علم القانون’ وهذه المذاهب أو النظم هي ما يصطلح عليه عادة بالنظم القانونية الكبرى ومحددها خمس نظم وهي :النظام القانوني الروماني النظام القانوني اللاتيني ’النظام القانوني الانكلوسكسوني ’النظام القانوني الإسلامي وأخيرا النظام القانوني الجرماني ’ فان الدخول إلى دراسة هذه النظم بشكل مباشر لن يتم في هذا البحث’ لان لذلك مقامه الخاص به ’ولكن ما سوف يتم التركيز عليه في هذه الدراسة هو دراسة الإشكالية من عينات تشريعية مأخوذة من ذات النظم المذكورة قصد إعطاء نظرة مقارنة عن هذا الموضوع في مختلف تشريعات العالم المعاصر.

إلا انه وقبل الشروع في الوفاء بهذا الالتزام ’ فان المقتضيات المنهجية والعلمية تقتضي الرجوع إلى الوراء قصد إلقاء بعض الضوء على مختلف التشريعات التي قننت هذا الحق منذ أقدم العصور إلى نهاية العصر الحديث وبداية العصر المعاصر ومدى تأثيرها على التشريعات المعاصرة في تنظيم وتحديد كيفية الولوج إلى مهنة المحاماة . وعليه سوف يقسم هذا البحث إلى مبحثين على أن يخصص الأول للكلام عن عصور حق الولوج إلى مهنة المحاماة والثاني للكلام عن هذا الحق في أهم التشريعات المعاصرة.  

المبحث الأول

عصور حق الولوج

إلى مهنة المحاماة

وإذا أردنا العودة من حيث كان المبتدأ’ وهو التساؤل عن كيفية الولوج إلى مهنة المحاماة وماهي المعايير التي يمكن اعتمادها في تقرير الحق في هذا الولوج وما إن كانت معايير مادية صرفة أم معايير شخصية أم معايير تجمع بين ما هو مادي وبين ما هو شخصي ’ فان الكلام سوف يكون منشؤه من حيث يتعين النظر إلى الأمور ومن زاوية من يريد الوصول إلى منبع الارتواء. وان هذا المنبع هو الجذور التاريخية والأصول الفلسفية والقواعد الاجتماعية والنظريات الاقتصادية و التيارات السياسية وكل ما يمكن اعتماده في صياغة أي قاعدة قانونية منظمة لسلوك الأفراد والجماعات داخل الجماعة ’[4] والتي على ضوئها سارت الشعوب والمجتمعات في وضع تشريعاتها وتقنيناتها لمهنة المحاماة منذ أول ظهور لها على وجه الأرض إلى اليوم . وان كان مثل هذا العمل لن يتحقق إلا إذ جلس له ذوي الخبرات والأيادي الطويلة في هذا المجال وعقدوا له ما يعقد لمثل هذه الموضوعات لما تتميز به من أهمية ودقة واتساع وتشعب واختلاف في الرأي ’فانه مع ذلك سوف يتم التطرق إلى بعض من جوانبه بشيء من الاقتضاب والاقتصار على جذوره التاريخية كما يلي :

  عرفت البشرية المحاماة منذ أقدم العصور. ولعل الرأي الصائب هو أن ذلك كان قبل القضاء’ إلا أن النظام أو التنظيم لا محالة سابق له. بدليل أن الإنسان لا يمكنه العيش إلا داخل الجماعة وان الجماعة لا تقوم إلا إذا توفر لها نظام.

وهكذا فقد مر الإنسان منذ بداية تطوره’ من مراحل متعددة أهمها عهد الثار الخاص ثم عهد العدالة الخاصة ثم عهد العدالة العامة أو العدالة.  وفي كل هذه المراحل وبكل تأكيد كانت المحاماة متواجدة وحاضرة لان المحاماة توجد حيث توجد الخصومة ولا تكتمل الخصومة إلا بوجود المحاماة.

وهكذا ومنذ عشرات الآلاف من السنين  وقبل ظهور الإنسان الجليدي والعصر الحجري الأول كانت هناك أنماط مختلفة من أنماط العيش ولم تكن هناك أية جماعة على الإطلاق ’ إذ كان الإنسان وقته شبيه بالحيوان البري يعيش على الطبيعة ومما تلتقطه أو تقتنصه يداه بوسائله البدائية ويقاتل ليقتل من اجل أن يعيش إذ كان العرف السائد آنئذ هو "اقتل أو تقتل" ’ "والبقاء للأقوى" ’ "والقوة هي الحكم" .

ولما تقدم الزمان وتغير سطح الأرض بفعل المناخ وتغيرت الطبيعة وتطورت البشرية شيئا ما وبدت الحاجة ملحة للإنسان للعيش في جماعة، سواء كان ذلك راجع إلى عامل التوالد وأواصر العاطفة والقرابة التي تشده بعضا إلى بعض’ أو كان راجع إلى الحاجة إلى التضامن والتآزر من اجل الانتصار على الطبيعة وقسوتها  أو على غيره من الكائنات الأخرى والمنافسة له على البقاء ’ومن اجل أن يحافظ الإنسان على جنسه ونوعه سعى إلى إقامة أنماط متعددة من التنظيم تتلخص من وجهة نظر أنصار المنهج العلمي القانوني في عصور التاريخ[5] ’في ثلاث مراحل وهي:

1.    مرحلة الثار الخاص

2.    مرحلة العدالة الخاصة

3.    مرحلة العدالة العامة أو العدالة.

وسنخلص في دراسة هذه المراحل الثلاثة في هذا البحث على النحو التالي:

أولا: مرحلة الثار الخاص

 والثأر الخاص، مفاده أن يأخذ المدين أو المتضرر حقه من غريمه بنفسه من منطلقات قانونية تنظيمية داخل الجماعة التي يعيش فيها دون حاجة إلى انتظار تدخل الغير أو أي جهاز آخر يمكنه ذلك ’كما هو الأمر في الوقت الحاضر’ وان كان الجزاء الذي يتبع وقوع الجريمة لا يمكن اعتباره اليوم انتقاما ولكن ما يمكن وصفه به هو إعادة إدماج أو تقويم اعوجاج فقط . [6] وهو عهد أو مرحلة مر بها تاريخ البشرية ويبتدئ منذ أن عرف البشر أول نظام للجماعة وهو في حد ذاته نظام قائم ومستقل ويختلف عن عهد إنسان البراري الذي يعتقد البعض أن فترة وجوده هي ما يشكل نظام الثار الخاص ويعتبر فترة العصور الجليدية هي ذات عصور الإنسان الوحشي أو إنسان البراري’ إلا إن عهد العصور الجليدية ’الذي يقال عنه عهد مورس فيه نظام الثار الخاص ’يختلف عن مرحلة إنسان البراري ويمكن وصفه بعهد النظام أو عهد الثار الخاص وذلك لان التاريخ اثبت قيام بعض العادات النظامية خلاله كنظام الزواج ونظام الأبوةوهو بهذا المعنى لا يمكن وصفه بعهد الوحشية لان الوحشية حتما هي ما يعرف بحياة البراري وان إنسان هذا العهد لم يكن يعيش حياة البراري وإنما بدأ يعرف نوعا من الاستقرار بإقامة نوعا من الخيام والحواجز الواقية من الرياح والبرد وتجفيف اللحوم ودبغ الجلود و الصناعة الحجرية البدائية الأولى وتدجين بعض الحيوانات كالكلب مثلا الذي تم تدجينه منذ ما يزيد على 12000 سنة قبل الميلاد’[7] و كان قوته آنذاك لم يكن إلا  من القنص وما تجود به الطبيعة ’ وهذه هي نقطة الاشتباه وصعوبة التمييز بينه وبين إنسان الوحشية أو البراري’ولكن ما يمكن وصفه به هو إنسان بداية التنظيم وتبعا لذلك فان مصطلح الثار الخاص لا يقصد به نظام الوحشية أو البراري أو نظام الصاع بصاعين أو شريعة الغاب’ وإنما يراد به نمط من التنظيمات كأن يقال نظام الديمقراطية ونظام الليبرالية ونظام الاشتراكية وهكذا دواليك. إلا انه وان كان هذا القول يتوافق والنظريات الوضعية فان الأخذ بالنظريات السماوية والنظريات الغيبية أو الدينية التي تفيد أن الإنسان عرف الزراعة وتربية الماشية وإقامة المساكن والمزارع منذ أول ظهور له على وجه الأرض’ المتمثل في هبوط ادم عليه السلام وزوجته حواء من الجنة ’وما تلاه من أحدات حصلت بين ابنيه قابيل وهابيل’ وان ادم كان متعلما [8] قبل هبوطه إلى الأرض بدليل قول الله تعالى :"وعلم ادم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبؤني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين "[9] وكذلك فيما يخص الخصام وعلى اثر ما حدث بين ابني ادم من نزاع وحول عرض هذا النزاع على ادم وحول طريقة فض هذا النزاع الذي تمثل في تقديم القربان والغلبة لمن يتقبل منه بدليل قوله تعالى: "واتل عليهم نبا ابني ادم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من احدهما ولم يتقبل من الأخر.قال لأقلتنك .قال إنما يتقبل الله من المتقين " ’[10]  سوف يشد عنه بكثير وسوف يكون الأخذ بالنظرية الخماسية[11] في التقسيم التاريخي ’التي يرفضها المنطق المعاصر وأغلبية المؤرخون’هو الأقرب إلى الصواب.

ولما كان الثار هذا بدوره عقاب أو أداء أو  تعويض يلزم به الطرف الخاسر في النزاع فانه حتما كان لا يمكن إقامته إلا بعد سلوك مساطر خاصة وإجراءات لاحقة’ طبعا لا يمكن وصفها بالوصف الحالي لها ولكنها كانت تلاءم العصر وتتمشى وروحه ’ وهذه المساطر هي ما يعرف اليوم بالمخاصمة والتثبت من وقوع موضوع النزاع’ سواء كان جرما أو مداينة أو التزام شخصي أو نحوه’ ومثاله كما جاء بذلك الدكتور سلمان العبيدي في كتابه تاريخ المؤسسات والوقائع الاجتماعية’ ما مفاده أنه إذا تعاقد شخص مع بناء من اجل أن يبني له منزلا يسكنه وأفراد عائلته وقام البناء فعلا بهذا العمل وبعد أن أقام الطالب وأسرته بالسكن المذكور وقع البناء وقتل ابن صاحب المنزل’ فان القبيلة أو العشيرة أو الجماعة تخول الحق لأب الضحية في قتل ولد البناء انتقاما منه وكذلك إذا اصطدمت رجل إنسان بحجر  في الطريق فان القبيلة تجتمع’بعد رفع الدعوى إليها ’ وتقرر حق ذلك الإنسان في تفتيت الحجر عقابا له وانتقاما منه على ما أحدثه من الم للمتضرر وكذلك إذا جامع ثور امرأة فان القبيلة أو الجماعة تحكم وتقرر قتل ذلك الثور انتقاما منه لأنه خرق قواعد الطبقية وهو الأمر نفسه الذي كان يفعل بالعبد الذي يضاجع الحرة ’ولو برضاها ’و إلى وقت قريب’[12] لهذا سمي بنظام الثار الخاص .وهو وإن كان  يشبه نظام القصاص في الإسلام إلى حد ما فإنه يختلف عنه في جوانب كثيرة منها  مبدأ شخصية العقاب وشروط قواعد التكليف والتي من جملتها العقل والبلوغ والأهلية والمساواة.. . الخ.

ولما كانت المخاصمة لا تقوم إلا أمام من يبث فيها وإن أطرافها حثما سوف يحتاجون إلى أدلة وتعبير أو ما يسمى وفق عرف اللغة العربية بفصاحة اللسان’ وان جل الناس قد يتوفر على كل الأدلة التي تثبت له حقه ويكون صاحب حق ولكن لا يتوفر على لسان يمكنه من هذا الحق فيضطر معها إلى انتداب أو تكليف من يساعده في دعواه. بالإضافة إلى الخوف من ذوي الجاه والنفوذ مما يضطر الطرف الضعيف غالبا إلى الاستعانة بغيره في مثل هذه الأمور. وقد تبث مثل هذا الأمر بعدة سنين قبل الميلاد وبالتأكيد في عهد الفراعنة عندما أمر الله سبحانه وتعلى نبيه موسى بالتوجه إلى فرعون ومخاطبته بأمر الدين والإيمان بالله’ فما كان من موسى وخوفا من فرعون إلا أن يطلب من الله سبحانه وتعالى مده بمن يؤازره أمام فرعون بقوله الذي جاء في القران الكريم :" اذهب إلى فرعون انه طغى. قال ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا انك كنت بنا بصيرا ".[13]وكذلك قوله في سورة الشعراء: "وإذ نادى ربك موسى أن ايت القوم الظالمين قوم فرعون ألا يتقون قال رب إني أخاف أن يكذبون ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون".[14]وكذلك ما توصل إليه العلماء من حقائق تاريخية ومخطوطات تؤكد تقنين وتنظيم عمل الدفاع والمؤازرة أمام الأشراف وذوي النفوذ والجاه وأمام المحاكم . ومن أمثلة هده المخطوطات مخطوطات ديودور[15] والتي جاء فيها ما يفيد أن القضاء عند الفراعنة كان يقوم أساسا  على مبدأ الكتابة ورفض المشافهة في الترافع وتقديم الدعوى وذلك ضمانا لحسن سير المحاكمة و أبعادها عن كل المؤثرات و الشبهات التي من شانها أن تؤثر عليها أو على القضاة أنفسهم بدوافع مختلفة كالتعاطف والخداع ومكر المتقاضين أو براعة المحامين.إلا أن ما ينبغي الإشارة إليه هو أن الفراعنة إنما التجؤوا إلى مثل هذه التقنينات ليس إحسانا منهم ولكن كان ذالك استبدادا منهم وطغيانا بالأقوام التي كانت مستضعفة من طرفهم كالكندانيين وبنوا إسرائيل واليهود و المشلينيوم والعبيد وغيرهم خاصة وان العهد الفرعوني عرف بعهد الاستبداد والطغيان والأدلة على ذلك في القران والتاريخ كثيرة ("اذهب إلى فرعون انه طغى"[16] ) إذ كيف يعقل أن يلجا من عرف بما عرف به الفراعنة إلى البحث عن إقامة محاكمة أكثر عدالة إن لم تكن هذه العدالة لخدمة مصالحهم على حساب الشعوب المستضعفة ناهيك عما في إقرار مثل هذه المحاكمات من مس بمبادئ القضاء لاسيما المعروفة حاليا مثل علنية الجلسات والحرية في الدفاع واختيار أساليبه وإلزامية بناء المقررات على ما يروج أمام المحاكم من مناقشات ومرافعات وغيره تجنبا لكل حيف يمكن أن يلحق أيا من المتقاضين .

 وكذلك ما تبث في التاريخ وجود جماعة من اليهود تمارس فعل الدفاع والمؤازرة أمام المحاكم. وقبلهم اليونان الذين كانوا يسيرون في الاتجاه المعاكس لما كان عليه الحال لدى الفراعنة بإقرارهم لفن الخطابة والترافع نيابة عن الخصوم وإذا رجعنا إلى عهودهم القديمة نجدهم بدورهم قد كرسوا هذه المسالة في مختلف كتاباتهم الأدبية و الدينية الكلاسيكية قبل الميلادوقد جاءت في الترجمة السبعينية لديهم ما يفيد وجود مصطلح محام لديهم إذ كان يعرف آنئذ بالمستدعى للمساعدة أي مساعد في المحكمة وهو ما يفيد محام أو شفيع أو وسيط .[17] وفي القانون اليوناني لسنة 1954 فان التعريف اللغوي والديني لكلمة محام جاءت تعني المستعان به استخراجا من قول رجال الدين المشار إليهم في كتاباتهم المذكورة في وصف الأصحاب الذين جاءوا وقت المحنة: " معززون متعبون كلكم ". بمعنى انتم مدعوون أو مستدعون بضم الحرف الأول للمساعدة وبمعنى أدق فان كلمة متعبون جاءت تفيد في هذا المقام معنى 'سوف تؤدون لنا خدمة' لان التعب عادة يأتي بعد أداء الخدمة والعمل  وكلمة معززون تفيد حتما ما سوف نجازيكم به من أجر على ذلك وهو ما يمكن الاصطلاح عليه في وقتنا هذا بالأتعاب أو المكافئات التي تؤدى مقابل ما يسديه المحامي من خدمات لموكله.  وهذا إن دل على شيء إنما يدل على تقديس اليونان لمهنة المحاماة ونظرتهم إليها كرسالة أراد الإله تكريسها في الأرض منذ عهود ما قبل الميلاد إلى اليوم. وهو الأمر الذي سوف نلاحظه في الأنظمة الإسلامية المتعلقة بهذا المجال .و الكلدانيون الذين جاء صراحة في قوانينهم ما يفيد اهتمامهم بالمحامين ووصفهم بالعقلاء’وقد سار على هذا المنحى الرومان الذين اقروا فن الخطابة خلافا للفراعنة ومسايرة لليونان ’وقد اشتهر منهم خطيبهم شيشرون’ والذين اهتموا بالمحاماة وجمعوا بين الأشخاص المنتمين لها وسووا بينهم وبين الجيش الذي يتولى الدفاع عن الأرض وسنوا لذلك قوانين خاصة وأناطوا الانتماء إلى مهنة المحاماة بشروط تدخل في صميم ما هو شخصي و منها من لزال العمل جاريا به إلى الآن في دول كثيرة ومثاله السن والمستوى العلمي واجتياز امتحان الولوج .

وهكذا يتجلى أن حقبة الثار الخاص والتي  قد عرفت المؤازرة والاستعانة بالغير وحق الدفاع وكان الخصوم يلجؤن إلى من يؤازرهم لتوافره على سمات وشروط لا تتوفر لديهم كقول موسى عليه السلام "هو أفصح مني لسانا ..." وكقول اليونان السابق ذكره والذي يستفاد منه أن معنى الصاحب الوارد فيه يفيد الصديق والصديق كانت تعني عند الرومان المحام وكذلك بأمريكا قبيل الحرب الكونية الأولى ومن دساتيرها من لزال يستعمل هذا المفهوم لحد الآن  ’ وكل هذه عبارات تفيد الاختيار والانتقاء بين الشخص والآخر’ وهذا بطبيعة الحال يحتاج إلى معايير ودقة في الأوصاف هذه المعايير أو هاته الأوصاف التي لا تبتعد كثير عن النظرية الشخصية التي أسست عليها كل الدول  تشريعاتها منذ القرون الوسطى  إلى الآن كما سيأتي بيان ذلك. 

ثانيا: العدالة الخاصة

وتلا عهد الثأر الخاص عهد العدالة الخاصة والذي كان من المفروض أن يأتي أكثر تقدما وتحضرا من سابقه جاء أسوأ حال منه’ ومفاده أن يختار المدين آو المتضرر الطريقة التي يريد أن يحاكم بها غريمه وكذلك العقاب. ومثاله أسلوب المحنة في المحاكمة والذي مفاده أنه إذا اتهم شخص بجرم ما يعطي القانون الحق للضحية أو ذوي حقوقه في عرض المتهم على محنة إذا نجي منها صار في نظر الجميع بريئا.وتتخذ هذه المحنة أساليب مختلفة منها الإلقاء في نهر جارف أو الإلقاء من مكان مرتفع أو الإلقاء في النار ...الخ. وكذلك أسلوب المبارزة كأن يبارز المتهم شخصا أو أكثر ممن يعرفون بالقوة والإلمام بفنون القتال أو حيوانا مفترسا أو هائجا الخ’ فإذا انتصر اخلي سبيله وهكذا. والمعتقد وان كان من الشائع أن لا احد يستطيع تحديد تواريخ كل من المراحل الثلاث هو أن مثل هذه الأساليب كانت معروفة لدى الشعوب القديمة[18] مثل الفراعنة و الكلدانيون السومريون والبابليون قبل مسلة حمو رابي التي كان الهدف منها توحيد القوانين وتعميم العدالة بين الناس بدليل أن البابليون لقبوا حمو رابي وقته بالبطل مخلص المدينة والبطل مخلص المدينة عند البابليون هو كل أمير أو حاكم اخرج شعبه من المآزق وسواء كان هذا المأزق حربا أو وباءا أو كارثة طبيعية أو ظلما كما هو الحال بالنسبة لحمورابي ’ بل امتدت هذه الإجراءات أيضا في عهد الرومان إبان عهد الإمبراطورية الرومانية السفلى وظهور فكرة القانون الطبيعي [19] التي جعلت من كل الناس سواسية  بحكم طبيعتهم البشرية  والتي أعطت للقانون نطاقا أوسعا عما كان عليه إبان قانون الشعوب الذي كان يقوم على أساس التفرقة بين الرعايا الرومانيون الأصليون والرعايا الرومانيون المستعمرون إلا أنها بدأت بالاختفاء تدريجيا انطلاقا من بداية التفكير في وضع قانون الألواح الاثنى عشر إلى تاريخ مدونة جستنيان’ إبان عهد الإمبراطورية الرومانية السفلى وسقوط آخر الإمبراطوريات الرومانية نهائيا وبداية العصر الوسيط.’ هذا العهد والذي كما يعتقد البعض كان بمثابة الإعلان عن بداية عهد الانحطاط والجمود التشريعي والقانوني الروماني بعد أن كانت العصور الرومانية السابقة تعرف بأوج الحضارة القانونية والتشريعية الرومانية لقيامها على العادات والتقاليد وأعمال الكهنة’

إن الملاحظة الجديرة بالاهتمام هو أن كل من عدالة الثار الخاص وعدالة العدالة الخاصة مورس على وجه التخمين ما بين الفترة الممتدة من تاريخ اكتشاف الزراعة بحوالي 8000 سنة قبل الميلاد إلى تاريخ سقوط الإمبراطورية الرومانية وبداية العصر الوسيط سنة 476 للميلاد وتزامن ذلك مع الفترة التي ظهر فيها أضخم تشريع في تاريخ البشرية منذ أول ظهور للإنسان على وجه الأرض بحوالي ثلاث مليون سنة قبل الميلاد إلى تاريخ البعثة النبوية الشريفة وبداية الرسالة الإسلامية سنة 610 للميلاد . ولعل واقعة اكتشاف الزراعة’ التي يعتبرها العلماء إحدى المحطات الكبرى في دراسة عصور التاريخ ’كانت من جملة دوافع ظهور أول جماعة بشرية والتي كانت بمثابة الإيذان بظهور أول قاعدة قانونية ’كما يتفق على ذلك علماء القانون وقواعد السلوك البشري ’[20] وان ظهور القانون بطبيعة الحال’ يقتضي وجود جهاز يسهر على تطبيقه وتنفيذه .وهذا الجهاز طبعا في البداية كان موكولا أمر تسييره لسلطة الأب ثم لرؤساء القبائل وساداتها ’[21] هؤلاء الذين كانوا يقرروا نوعية الحكم الذي ينبغي تطبيقه عند كل نزاع ’انطلاقا من مختلف العادات والأعراف الأسرية القبلية السائدة لديهم وبحسب معتقداتهم الدينية والخلقية وغيرها.  ومن هنا كان الحد الفاصل بين ما هو من قبيل عدالة الثار الخاص وبين ما هو من قبيل عدالة العدالة الخاصة يظهر جليا للعيان ’ بحيث أن كل أسرة أو قبيلة كانت تحكم بما تبيحه عاداتها وتقاليدها وأعرافها ومعتقداتها الدينية .أما إذا وقع الاستقرار على الرأي الآخذ بوجود فرق زمني بين عهد عدالة الثار الخاص وبين عدالة عهد العدالة الخاصة فان الوضع سوف يوقف حتما عند مخالفة الواقع التاريخي ’ ذلك وانه بحكم التاريخ والمنطق فان عهد العدالة الخاصة لم يبدأ في الظهور إلا بعد ما قطعت البشرية أشواطا من التطور والتقدم النسبي ’وهو الأمر الذي يجعل منه تاليا من الناحية الزمنية لتاريخ عدالة الثار الخاص ’إلا انه وبالرجوع إلى بعض المجتمعات القديمة والتي عاشت قبيل انتهاء العصر القديم وبداية عصر الشريعة الإسلامية يلاحظ أنها كانت تمارس نوعا من نظام الثار الخاص رغم انه كان من المفروض أن لا تمارس خلال هده الحقبة إلا عدالة العدالة الخاصة . ومن قبيل هذه الشعوب مثلا عرب الجاهلية والذين وبحكم الطبيعة الصحراوية لشبه الجزيرة العربية كانوا يعيشون داخل مجتمع متباعد ومتفكك الأوصال بحيث يصعب والحالة تلك إقامة نظام سياسي أو اجتماعي أو قانوني عام وموحد ’ وكانت القبيلة هي الوحدة السياسية أو الاجتماعية التي توحدهم وكانت تقوم هذه الوحدة على روابط الدم والقرابة والأصل المشترك كالجد الأعلى مثلا وكان يرأسها سيد أو شيخ ينتخب من طرف أعضاءها وكان يساعده في عمله مجلس خاص يتكون من ذوي الرأي والمشورة في القبيلة من رجالها دون النساء وكانت تحتكم في جميع أمورها إلى ترسانة[22] من التقاليد والعادات والأعراف ’ وكان من جملة هاته العادات والأعراف عادة أو نظام الأخذ بالثار ومن جملة مقتضياتها التزام أقارب القتيل مثلا بالأخذ بثار قريبهم المقتول من القاتل أو احد أفراد قبيلته تحت طائلة التبرؤ منهم من طرف القبيلة وطردهم خارجها في بعض الحالات .

وإذا كان مما سبق يتضح أن ضرورة إقامة العدالة’ بصرف النظر عن نوعها’ مسالة لا تظهر إلا مع الخصومة وان الخصومة تتوقف على أدلة وبراهين ودراية بفصول الخصام وطلاقة في اللسان وانه تبعا لذلك عرفت الخصومة على مراحل التاريخ إلى الآن أنواعا مختلفة من أنواع المؤازرة إلا أنها تدخل جميعا ضمن تسمية واحدة وهي تمثيل الخصوم والدفاع عنهم أمام القضاء أو الجهة التي تتكفل بإدارة مهامه كرؤساء القبائل والرهبان ورجال الدين و المحكمين وغيرهم وأنه في كل هذه الأحوال كان الأمر يتطلب دراية ومهارة وسلوكا بما في ذلك القدرة على الجهر بالحق والإعلان عن الباطل .

وإذا كانت كل القوانين القديمة قد اشترطت في من يرغب في ولوج مهنة المحاماة التوفر على سلوك ودراية ’مثل ما كان عليه الحال في عهد الكلدانيين السومريين والبابليين والفراعنة وطائفة من اليهود التي كانت في عهدهم وكذلك ما جاء على لسان نبي الله موسى عليه السلام حول ما يتعلق بفصاحة لسان أخيه هارون ومدى لياقته للدفاع عنه ومؤازرته أمام فرعون وأمام القبطيين الذين كان لهم ثار عليه وأيضا ما جاء عن تاريخ اليونان والإغريق والرومان’ وكل هذه شعوب عرفت المحاماة بشكل أو بآخر وتفننت في تقنينها ووضع الشروط اللازمة لممارستها .فان القول والحالة هاته أن مهنة المحاماة مهنة تقوم على أسس من الطبيعة البشرية المتأصلة من نزعته الفردية والخلقية والجماعية والنمطية ’ هاته النزعة التي كانت نقطة الاهتداء لمختلف المفكرين والفلاسفة الأوائل الذين وضعوا مبادئ أصيلة على أساسها تم بناء مختلف القواعد المنظمة لحق الولوج موضوع هذا البحث.

 أما العرب في الجاهلية فإنهم وبالرغم من كونهم لم يضعوا أية قوانين مكتوبة كما كان في عهد البابليين والرومان وغيرهم وذلك راجع إلى مناخ أراضيهم والى نوعية النظام الذي كان سائد عندهم آنذاك فإنهم مع ذالك كانت لهم أعراف غزيرة وكثيرة وكان من جملة هذه الأعراف ’أنصر أخاك ظالما أو مظلوما ومقارعة الحجة بالحجة وانتداب من يتولاها ’ وكان هذا الانتداب عادة يسند إلى أشخاص معروفين داخل القبيلة بالجرأة والفطنة والذكاء إن لم نقل الدهاء وأحيانا بالراوية الشعرية لاسيما إذا تعلق الأمر بنزاع أو حرب بين قبيلتين أو يكتسي طابع قبلي ’فوجد إلى جانب الشعراء أشخاص يطلق عليهم لقب الحجاج أو الحجيج ’بصيغة المبالغة ’للدلالة على غزارة ووفرة الدراية بأصول الخصام وفصوله وعلى سرعة البديهة لديهم ’وربما إلى كثرة الدخول في الخصومات وسواء كان ذلك بالأصالة أو بالنيابة ’ وهو الأمر الذي يستدعي تبادل الحجج أثناءها ’والإكثار فيه’ إذ لم يكونوا بحاجة إلى طلب الوقت أو الإمهال للرد على حجج خصوم موكليهم في غالب الأحيان ’وإنما كان الرد عندهم فوري وفي الحال .ويقال أن الحجاج بن يوسف ’الذي كان من رجال العصر الأموي’ إنما لقب بلفظ الحجاج لان جده وربما والده كان حجاجا من بين هؤلاء الأشخاص وكذلك الجهم بن صفوان الذي كان ممن تفلسف من المسلمين والذي عرف بكثرة خصوماته ووفرة حججه وقدراته الفائقة على الإقناع لغاية أن اتهم بالسفسطائية.[23] وقد ورد في صحيح البخاري ومسلم أن النواس بن سمعان قال :"ذكر رسول الله ص الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل فلما رجعنا إليه عرف ذلك فينا فقال :" ما شانكم "قلنا "يا رسول الله ذكرت الدجال فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل فقال غير الدجال أخوفني عليكم أن يخرج و أنا فيكم فانا حجيجه دونكم وان يخرج ولست فيكم فأمرؤحجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم انه شاب قطط...الحديث"

وعلى مقربة من البعثة النبوية الشريفة ’وبعد أن صار عليه الصلاة والسلام طفلا في سن التمييز’تأسس حلف بدار عبد الله بن جذعان يقال له حلف الفضول بتعاهد بين خيرة من أبناء قريش وساداتها وعلى رأسهم أعمام رسول الله ’عليه الصلاة والسلام’ كان من أغراضه نصرة المظلوم والدفاع على الحق بعد ما بلغ الظلم في شبه الجزيرة العربية مبلغه ’وأصبح الضعيف بعده يستجير بالفضل منهم كلما عرض له أمر يستلزم المؤازرة والدفاع ’كما لو حل اجل الدفع على المدين وجاء الدائن لاسترقاقه فيهرع المدين إلى الفضل الأقرب منه فتحصل المؤازرة ويمهل الدائن إلى حين القدرة على الدفع. ومن هنا بدا مبدأ الميسرة المعروف حاليا في الشريعة الإسلامية وكثير من القوانين الوضعية الأخرى في الظهور. والواضح من ذالك هو انه سواء تعلق الأمر بالحجاج أو الحجيج أو الفضل أو الشعراء أو أصحاب الأنفة وذوي الأريحية من القبيلة أو القبائل التي لها صلات أو قرابة مع من يقف للخصومة أو النزال أو الفلاسفة أنفسهم’ فان الأمر كان يتطلب توفر المهارة والإلمام بفصول الخصام والأخلاق الملائمة كالشجاعة والعدل والجرأة والفصاحة والروية الشعرية وحسن الهندام وحسن المنظر وربما في بعض الحالات حسن الوجه[24] وغير ذلك من الصفات التي كانت تدل على الوقار والاحترام والملائمة للوقوف أمام الأشراف وأصحاب الجاه والنفوذ وأهل السلطة وغيرها ’وكل هذه صفات تتعلق بذات الشخص وتكتسي طابع الشخصية ولا يمكن اعتبارها من قبيل العينية .[25] وهو الأمر الذي يتأكد معه قيام المعايير الشخصية في تحديد حق الولوج إلى مهنة المحاماة منذ القدم وليس فحسب منذ العصر الوسيط وازدهار الحركة التشريعية بأوروبا ’وبمعنى أخر فان بناء القاعدة القانونية المنظمة لمهنة المحاماة على أساس شخصي مسالة ظهرت إلى الوجود قبل اعتماد هذه النظرية في القانون الأوروبي.وأعتقد أن لمناقشة هذه المسالة آثارها الخاصة في دراسة مهنة المحاماة دراسة نظرية .وان أهمية هذه الدراسة تكمن ’ لاسيما وان فترة التدريب على مهنة المحاماة في كل بقاع العالم تفتقر إلى كثير من التأطير ’ في المساعدة على بناء مدرسة خاصة بمهنة المحاماة. تساعد على التكوين الأمثل والتطوير الحسن لهذه المهنة عبر الزمن .

وبعد انتهاء فترة العدالة الخاصة بشكل نسبي إلى حد ما وانتهاء عهد الفوضى والاضطرابات السياسية والعسكرية بسقوط الإمبراطورية الرومانية وتفككها إلى دويلات لا تملك السطوة التي كانت للرومان في السابق والتي كانت وراء سن قوانين تتلاءم وطبيعة الدولة العسكرية الحربية التي لا تعرف إلا القمع والسطوة على حقوق الشعوب المستضعفة والاضطهاد ’كما كان الحال في عهد الفراعنة الذين لم يكن يهمهم من الحكم إلا جمع اكبر قدر من الجيش والعتاد بهدف توفير اكبر جانب من القوة في العالم دون العبث بالقيم أو المبادئ الإنسانية أو الحضارية التي كان من المفروض أن يسعى مثل هذا الحشد من البشر إلى إرساء قواعدها وأسسها تخليدا لتاريخ بشري حافل بالأمجاد والقيم بدلا من تاريخ بشري حافل بالدماء وقهر الشعوب . بدأ فجر عصر جديد يلوح في الأفق وهو فجر العصر الوسيط ’[26] الذي حل وحلت معه حضارتين متزامنتين ومتداخلتين إلى حد ما وهما الحضارة الإسلامية [27] والحضارة الأوربية ’ وكلاهما جاء بقواعد جديدة لها جذور في العراقة والقدم والدقة في تنظيم السلوك البشري كان طبيعيا أن يتولد عنها نظام أو أنظمة للقضاء تتلاءم وروح العصر فكان نظام القضاء على الشاكلة التي نراه عليها اليوم وهو الأمر الذي تمخض عنه ظهور نوع جديد من العدالة وهو العدالة العامة أو العدالة.[28]

ثالثا: العدالة العامة (العدالة)

والعدالة العامة أو العدالة هي مجموع المبادئ والقيم المتعارف عليها بين أفراد جماعة معينة تسمى المجتمع والراسخة في شعورهم والتي من شان الإخلال بها إحداث اضطراب في المجتمع وتوازنه’ والتي وضع للسهر على تطبيقها وحسن تسييرها أجهزة مختلفة أهما القضاء.

 والراجح هو أنه أول ما عرفت هده العدالة عرفت في المجتمع الإسلامي ثم تلاه بعد ذلك المجتمع الأوروبي بعد انتهاء كل الأنقاض المتبقية من الإمبراطورية الرومانية تماما ودخول الإسلام إلى أوربا وظهور الحركة التشريعية الأوربية التي تمخض عنها بدورها ظهور الثورة الفرنسية سنة 1789م كما سيأتي توضيح ذلك في معرض الكلام عن نشأة النظرية الشخصية وظهور أول قانون مهني باوربى في الفصل الثاني من هذا البحث .

*    القضاء في العالم الإسلامي:

ومن البديهي أن الرسول الأعظم لم يلبي داعي ربه إلا بعد ما وطد عليه الصلاة والسلام كل الركائز والدعائم الضرورية لقيام مجتمع إسلامي يسوده العدل والسلام ’ فكان من جملة ما أقام "ص" نظام للقضاء يتولى أمر البث بين الناس فيما يشجر بينهم .وقرر’ عليه الصلاة والسلام ’أن يقوم هذا القضاء على أسس من الشريعة ’ فجعل أحكام القران ونصوصه في طليعة القواعد والمبادئ التي ينبغي أن يقوم عليها هذا الجهاز ثم السنة النبوية الشريفة ثم اجتهاد القضاة والعلماء من الأمة بدليل حديثه ص مع معاد ابن جبل في هذا الموضوع.[29]

وفي العهد الراشدي استمر الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم في توطيد دعائم الدولة الإسلامية وبناءها على قيم الحق والعدل والمساواة بين الناس إذ أصبح لا فرق بين العبد والحر ولا الأبيض ولا الأسود ولا الذكر ولا الأنثى ولا العربي ولا الأعجمي ولا المسلم ولا غير المسلم إلا بما يقتضيه الحق والعدل. ولقد اشتهر من بين هؤلاء الخلفاء رضوان الله عليهم عمر بن الخطاب بلقب الفاروق لإقامته العدل بين الناس بالقسط والإنصاف الذي لا يحتمل بقاء الظلم معه. 

وأيضا في عهد الخلافة الأموية عرف القضاء وهو الأمر نفسه في عهد الخلافة العباسية و الأدارسة[30] بمنطقة المغرب ومن تلاهم من الدول التي حكمته  وكذلك الأمر في عهد الحكم العثماني وفي كل البقاع التي دخل إليها الإسلام وعلى رأسها جنوب أوربا من ايطاليا شرقا إلى حدود البرتغال غربا والى بلاد الغال شمالا .

ولقد عرف القضاء بهذه المناطق خلال العصر الوسيط أوج نضجه واكتماله واشتهر به قضاة عرب ومسلمون منهم القاضي ابن أبي داود الجهمي وكان قاضيا للقضاة والقاضي الفقيه التونسي القيرواني عبد السلام سحنون صاحب كتاب المدونة الكبرى والقاضي عياض الذي يعود أصله إلى شبه جزيرة العرب والذي اشتهر بغزارة علمه ووفرة مؤلفاته والتي لزالت معروفة بكثير من دول العالم ومتداولة بين القراء لحد الآن .[31]

وكان أمر طبيعي أن يواكب التطور الذي حصل على مستوى الجهاز الذي كان يبث في النوازل قبل مجيء الإسلام’ تطور آخر ولكن على مستوى الأجهزة الأخرى التي كانت تقف إلى جانبه في حل مختلف الإشكالات التي كانت تعرض عليه ومنها جهاز المؤازرة أو الدفاع أو الاستعانة أو المساعدة على حسب التسمية التي كان يسمى بها في كل عصر من العصور التي مر بها  ’ وكان من جملة هذا التطور أن ظهر نظام جديد في المؤازرة من منطلقات مبادئ الشريعة الإسلامية وهو نظام الوكالة ثم نظام وكالة الخصومة.

والوكالة في أبسط تعريف لها [32] هي عقد بمقتضاه يتعهد شخص يدعى الوكيل بتمثيل شخص آخر يدعى الموكل أمام القضاء وبإسداء النصيحة والمشورة له وفق مبادئ الشريعة الإسلامية ’ وينقسم هذا العقد إلى نوعان وكالة اختيار ووكالة انتداب ويشترط في من يرغب القيام بأعباءها أو ينتدب لها أن يكون عدلا حافظا للكتاب والسنة وعالما بالأحكام الشرعية وقواعد التكليف[33] وهذه الشروط كما يبدو لاتبتعد كثيرا عن ذات الشروط التي واكبتنا منذ بداية هذه الدراسة وعبر كل العصور التي مررنا بها إلى الآن وهي المتمحورة حول ثلاث نقط أساسية وهي :

1/حسن الخلق والسلوك ( أن يكون عدلا )

2/ المستوى العلمي والملكة القانونية ( حافظا لكتاب الله وسنة رسوله وملما بالأحكام الشرعية )

3/ التمرس على العمل أو التمرين عليه ( معروفا لدى الناس بما سبق )

والملاحظ هو أن الفقه الإسلامي كما يعرف فقه عملي تطبيقي على عكس غيره من أنواع الفقه الأخرى التي لا تعتبر إلا فقها نظريا يمهد للممارسة والعمل فقط ولا يمكن البدء في العمل به إلا بعد الخوض في التجربة والعمل فعلا’ لذا فإن شرط التمرس في عقد الوكالة يكاد يكون شرطا مختفيا إلا انه مع ذلك فالراجح أن لا يبدأ الوكيل عمله إلا بعد مجالسته لغيره وإخضاعه للاختبار و معرفته من طرف الجميع والإذن له بالإفتاء وغير ذلك .

وبالرجوع إلى هذه الشروط يلاحظ أنها شروطا تعتمد في تحديدها على مبادئ ومعايير شخصية وهو الأمر الذي يجعل من القواعد التي تحكم  عقد الوكالة في الفقه الإسلامي قواعد تعتمد في تأسيسها على معطيات شخصية مما يجعلها تندرج ضمن التشريعات المسايرة للنظرية الكلاسيكية القديمة التي ظهرت قبل ظهورها عند الرومان بعد ظهور فكرة الطبيعة البشرية والقانون الطبيعي لدى اليونان وغيرها من الشعوب الأخرى .[34]

وإذا كان هذا هو مختصر الوضع بالنسبة للعالم الإسلامي فما هو الوضع إذا بالنسبة للعالم الأوروبي ؟

*    القضاء في العالم الأوروبي:

بطبيعة الحال خلال العصر الوسيط لم يكن معروفا من بقاع العالم إلا بلاد الإسلام وبلاد أوروبا ’ وأن أوربا في بداية هدا العصر كانت تغط في ظلام الجاهلية والتخلف والمعتقدات الكنسية المنبثقة عن تحريف الديانة المسيحية الحقة بحيث كان الإقطاع والكنيسة هما العقل المسيطر على الرعايا الأوربيين والخيرات الأوربية في حين كان باقي الناس يعانون من تعدد الإقطاعيات وتعدد الأنظمة ومن جشع الرهبان ورجال الدين . إلا أنه وبعد مجيء الإسلام وفتح الأندلس ودخول المسلمين إلى أوربا تسرب مع كل ذلك كتلة من القوانين والتشريعات لم تكن معروفة من قبل وهذه الكتلة هي قواعد ومبادئ الشريعة الإسلامية التي جاءت منظمة لكل مناحي الحياة البشرية بما فيها القضاء .

وإذا كانت القوانين الأوربية منذ العهد الروماني إلى الآن كلها قوانين أما موضوعة من طرف الرومان. وإما مستوحاة من القانون الروماني ومعظم الفلسفات السابقة للعهد الروماني نفسه والتي تعود في اغلبها للفلسفة اليونانية.آو قوانين كنسية موغلة في التدخل في سلطة الحاكم ومنزوية ناحية جمع النفوذ والخيرات’ فان ما ينبغي التأكيد عليه هو أن الحركة التشريعية الأوربية لم تظهر إلى الوجود إلا بعد الفتح الإسلامي لبعض دول أوربا ’ هذا الفتح الذي حمل معه حضارة جديدة إلى بلاد لم تكن تعرف من الحضارة إلا الفيودالية و المسيدات والإقطاع والاستبداد منذ القضاء على آخر الأنقاض الرومانية إلى حين دخول الإسلام ’أما العدالة أو القضاء فلم يكن منها إبانه إلا عدالة الأقوى على الضعيف بحيث كان الإقطاعي يضم تحت لواءه مجموعة من العملة الذين لم يكن لهم أدنى حماية من بطشه وجشعه إذ كان هو الخصم وهو الحكم ولا شريعة له إزاءهم إلا شريعة لا تناسب إلا العبيد ’ وكان هؤلاء العملة وفيهم النساء والأطفال يشتغلون في ظروف مزرية وفي وسط من الأمراض والأوبئة .أما المحاكم أو القضاء أو العدالة فلم يكن هناك أي مجال لذكرها إذ كان الحكم في البداية والنهاية يعود للفيودالي والنبيل ثم الإقطاعي وبالتالي فان مهنة المحاماة لم يكن لها أي تنظيم يذكر’ بالرغم من تواجدها آنذاك ’ إلا ما كان من باب تعاليم الكنيسة والقرارات التحكمية لبعض الهيئات الحاكمة.[35]

وإذا كان من أهم سمات القرون الوسطى’ ظهور الحضارة الإسلامية ’التي بعد انتشار الإسلام في كل من دول أسيا كالصين والهند ودول إفريقيا كالمغرب ومصر وليبيا ودول أوربا كالأندلس وايطاليا وبلاد الغال. أعطت فكرا قانونيا إسلاميا عربيا يعتبر عن حق عصارة الفكر في النظام والتنظيم وضبط الأمور, ولما كانت الحضارة الإسلامية تقوم بالأساس على مبادئ عملية منظمة ولا تترك مجالا إلا ونظمته وكان من أهم سمات المعاملات فيها هو التبادل التجاري وان هذا الميدان يحتاج إلى مبادئ عملية ومرنة . وبدخول الإسلام إلى أوروبا ودخول التجارة إليها بدخوله وتحول الفكر الأوربي معه من الفكر الروماني القديم’ المعتمد على الفلاحة بالأساس’ إلى الفكر الأوربي المتأثر بالفكر الإسلامي. تمثل في ظهور تشريعات ونظريات قانونية قوية حولت أوربا من دولة نائمة إلى دولة ديناميكية متحركة’ وهو الأمر الذي أدى بدوره إلى ظهور نظام الطوائف المهنية ’ الذي تمخض عنه كذلك ظهور طبقة مهنية كبيرة وهي طبقة التجار هذه الطبقة التي سيطرت على كل المجالات بما في ذلك المجال السياسي ودواليب الحكم مما سهل لها تدوين القوانين وجعلها في لوائح .كما سارعت إلى جمع المبادئ والعادات والتقاليد والأعراف وكونت منها ما يعرف منذ ذلك الوقت إلى الآن بقانون التجارة وهو أول قانون مهني عرفته أوربي [36] كما أنشأت كذلك المحاكم والمجالس التجارية وأنشأت معها مهنة جديدة وهي مهنة المدافعون التجاريون معلنة بذلك عن عهد جديد لمهنة المحاماة لاسيما بفرنسا التي لزالت تعرف هذا النوع من المحامين لحد الآن ’ وكذلك هو الأمر الذي أدى إلى قيام الثورة الفرنسية سنة 1789 م وصدور قانون تشابوليي بتاريخ 17 يونيه 1791م الذي أتم فكرة تدوين القوانين وتوحيدها هذه الفكرة التي سبقه إليها الوزير كولبيرColbert في عهد الملك لويس الرابع عشر وسن قانونا موحدا لا يبتعد عن صميم النظرية الطبيعية القديمة ثم تلاه بعد ذلك مدونة نابليون سنة 1807م التي لم يبدأ العمل بها إلا بفاتح يناير لسنة 1808م  معلنة عن نهاية مراحل تطور القانون الأوربي ومنع نظام الطوائف المهنية لاسيما بفرنسا’ واستمر العمل بهذا المنع إلى أن صدر قانون 1884م المتعلق بحق إنشاء النقابات المهنية للدفاع عن مصالح المهن والحرف والصناعة والتجارة .   

ومع قيام الثورة الفرنسية وصدور قانون تشابوليه المنوه عنه أعلاه كان الإعلان عن نهاية العصر الوسيط ’عصر الازدهار بالنسبة للمسلمين وعصر الظلمات بالنسبة للأوربيين ’وبداية عصر جديد سماه الجميع بالعصر الحديث هذا العصر الذي يعتبر عصر بداية الازدهار لأوروبا في كل الميادين بما فيها قطاع العدالة ومهنة المحاماة.[37] وظهور حركة تشريعية واسعة النطاق شملت كل الميادين بأوربا وأسست محاكم من نوع جديد مخالف للنوع الذي كان سائد إبان عهد الإقطاع وهو الأمر الذي مهد لظهور قانون جديد لمهنة المحاماة .هذا القانون الذي تقاسمه منذ ذلك الوقت إلى الآن تياران قانونيان أوربيان هما القانون اللاتيني والقانون الأنجلوسكسونى الذي يعتبر كلاهما مستمدين من القانون الروماني والفلسفات اليونانية القديمة ومتأثرا بقواعد ومبادئ الشريعة الإسلامية الواردة في هذا الصدد.

وبالرجوع إلى السمات الأساسية التي تطبع كلا منهما نجدها هي السمات الشخصية الواجب توافرها فيمن يمارس العمل المهني أي تلك التي تقوم على معايير شخصية في تحديد شروط الانتساب إلى هذا العمل أو ذاك.فالقانون اللاتيني يذهب في معظمه ومنذ 1790م تقريبا إلى تطوير الرقابة التي كانت مفروضة على المحامين خلال القرون الوسطى وتخويل الحق في ممارستها إلى القضاء ’ بعد أن كانت في عهد لويس التاسع عشر تخضع لقيود صارمة ومتحيزة قائمة على تعاليم الكنيسة آنذاك ومتروكة للبرلمان أو مجلس الدولة ليحدد اللائحة بإرادته المنفردة وبناءا على تعليمات مسبقة لا تخضع لأدنى ضوابط القاعدة القانونية التي وجب فيها التميز بالعمومية والتجرد’[38]  ودون مراعاة لشرط الكفاءة أو المساواة في تقلد المناصب أو الانتماء إلى الطائفة أو لمبدأ تكافئ الفرص .وبعده توالت جملة من التعديلات على هذا القانون إلى غاية صدور قانون 1971م الذي قضى على كل الفوارق التي كانت بين المحامين ووكلاء الخصومة والمدافعين أمام المحاكم التجارية وحدد شروطا عامة ومجردة لضمان حق الولوج إلى مهنة المحاماة.

اما القانون الأنجلوسكسونى وفي انجلترا مثلا و منذ سنة 1894م يوجد مجلس عام للمحامين لتدبير الشأن المهني لمهنة المحاماة استطاع أن يزيل الصراع الذي كان قائما بين متخرجوا كلية الحقوق حول كيفية الولوج إلى مهنة المحاماة وطريقة الممارسة المهنية لها ووزع الاختصاص المهني لمهنة المحاماة بين فئتين من المدافعين وهم المحامون ووكلاء الدعوى. والمحامون هم ما يطلق عليه بالانجليزية " بار يستر " وهو نوعان  بار يستر عادي وبار يستر " مستشار الملكة " ’وكلمة بار يستر هذه مشتقة من كلمة بار" Inn"[39] التي تعني بالانجليزية حانة أي مكان للتجمع والحوار ومعاقرة الخمر ويعتبر لدى الانجليز منذ القدم بمثابة المنتدى الذي كان يستعمل لكل شيء بما في ذلك سن الدستور وعقد جلسة للمحاكمة وأصبح في الوقت الحاضر مقر للتدريب على مهنة المحاماة يرأسه قاض من القضاة .[40] أما وكلاء الدعوى فهم ما يطلق عليه اسم " السوليسيتور" وهو أدنى مرتبة من المحامي البار يستر بالرغم من أنهما خريجا كلية واحدة ’ويعتبر أول من يدرس القضية قبل إحالتها على البار يستر ولا يمكن لأي متقاض المرور إلى الاستفادة من خدمات البار يستر إلا إذا رخص له السوليسيتور بذلك ولا يتعدى دوره في المحكمة دور المساعد للبار يستر أو القيام بالدفاع في بعض القضايا البسيطة والتي لا تحتاج إلى خبرة أو مهارة كبيرة . أما كيفية ولوج السوليسيتور فتتلخص في المستوى العلمي وامتحان القبول وفترة التدريب وكذلك الشأن بالنسبة للبار يستر الذي يتعين عليه بالإضافة إلى ذلك الحصول على الموافقة بالولوج إلى البار المذكور سلفا وحضور مختلف التكوينات المبرمجة هناك بعد حصوله على شهادة أكاديمية معينة وهي المتمثلة في شهادة كلية المحامون بانجلترا.  

والخلاصة هي أن المحاماة باوربى مرت عبر ثلاث عصور’ وهي العصر القديم وهو  الذي كانت تنظم فيه بالطريقة الرومانية في بعض بلدانها والتي وصلها المد الروماني .والعصر الوسيط وعرفت خلاله تنظيمات غير مستقرة ولا مستقلة إذ كانت تحتكم خلاله اما إلى تعاليم الكنيسة المحرفة أو استبداد الهيئة الحاكمة والإقطاع أو إلى الفيودالية [41] التي كان يتعين خلالها على المحامي أن يكون من الفرسان الملمين بفنون القتال إذ كان الحكم إبانه للسيف والمنتصر’[42] إلى أن تم القضاء عليها تماما في مطلع القرن الثاني عشر الميلادي واللجوء إلى ما يعرف في الوقت الحالي بضابط الصف أو المراقب أو ما يصطلح عليه بالانجليزية ب sergeant وان كان هذا العهد قد سبقه عهد آخر وهو عهد السينيور أي المسيدات وهي مناطق تخضع للأسياد إلى أن تم استبداله بالسوليسيتور ثم الباريستر و الباريستر المستشار الملكي. والعصر الحديث وهو الذي ظهرت فيه أول مبادرة أوربية لجمع شتات القوانين والأعراف المتفرقة والتي كانت تشكل فوضى بالنسبة لأنصار الثورة تمثلت في قانون1791م وظهور أول قانون لمهنة المحاماة وهو المتمثل في القانون المنشأ للمحاكم التجارية و ممثلوا الدفاع أمامها والقانون المرخص بإنشاء النقابات المهنية والحرفية والصناعية و القانون المنشأ للمجلس العام للمحامين بانجلترا وقانون إلغاء التفرقة بين الأصناف الثلاثة للمحامين بفرنسا سنة 1971م وكل هذه القوانين استفادة من النظرية الطبيعية الكلاسيكية اليونانية القديمة التي لا تميز بين الإنسان و الإنسان ’إلا وفق قواعد العدالة ’ومن الحضارة الإسلامية التي كانت بمثابة الشحنة التي حولت أوربا من الدولة النائمة إلى الدولة الدينامكية المتحركة.

المبحث الثاني

حق الولوج إلى مهنة المحاماة

في أهم التشريعات المعاصرة

ليس من السهل معرفة كيفية الولوج إلى مهنة المحاماة وإعطاء نظرة محددة عن ذلك بمجرد التساؤل عنه .ولكن ذلك أمر يقتضي الدخول في دراسات متعددة ومتشعبة ’ تتباين نتائجها من تشريع لآخر بتباين الأنظمة السائدة في مختلف دول العالم ودرجة تدخل الدولة في احتكار مختلف الميادين في المجتمع. وإذا اعتبرنا قطاع القضاء’ الذي يعتبر الأرضية الأولى التي تزاول عليها مهنة المحاماة ’من القطاعات التقليدية التي حظيت باهتمام كبير من طرف الدولة’ سواء من حيث التنظيم أومن حيث الاحتكار وعدم تركه للخواص كغيره من المرافق الأخرى ’[43] فان قطاع المحاماة لا محالة سوف لن يشد عن هذه القاعدة كثيرا وبالرغم من كونه قطاع حر ومستقل ’وذلك وان كانت مهنة المحاماة توصف بأنها مهنة ’ لأنها حرة ومستقلة ’ فإنها توصف أيضا بأنها وظيفة ’ لأنها تساعد في إدارة مرفق عام ألا وهو مرفق العدالة ’ وقد اعتبرها مجلس الدولة الفرنسي سنة 1948م مرفقا عاما تخلت عنه الدولة لأفراده، وكذلك قرار محكمة النقض المصرية الذي سار على هذا النسق واعتبرها ترعى الصالح العام وتحقق الصالح الخاص وكذلك في عهد ستالين في الاتحاد السفياتي حيث كانت المحاماة الحرة أمر مرفوض وكانت الدولة الاتحادية تعين من يتولى مهمة الدفاع عن المتقاضين قي بعض الحالات وكان هؤلاء المحامون يمنع عليهم تقاضي أية أتعاب من موكليهم وكانت الدولة هي من يتولى أمر هذه المكافئات . وهي وظيفة كذلك لأنها جزء من أسرة القضاء والقضاء مرفق عام والجزء تابع للكل في أحكامه ومبادئه وقواعده. [44] وهذا غير بعيد عما تبناه المذهب الفردي ’الذي اعتبر من مجموع المصالح الخاصة تتحقق المصالح العامة ’وأقر مبدأ حرية العمل. وعلى هذا النسق توالت الأحداث إلى أن استثنيت مهنة المحاماة من المرفق العام وأدخلت إلى ما يعرف الآن بالقطاع الحر. لدى فان الدولة توليها غالبا في تشريعاتها أهمية بالغة جدا وتسعى دائما إلى تنظيمها تنظيما محكا لا يدع مجالا للتفسير أو التأويل إلا ما كان من باب العمل بالعرف المهني الذي يعتبر المنطلق الرئيسي في مزاولة مهنة المحاماة مزاولة يومية ومرنة تساير المستجدات اليومية للعمل القضائي والإداري على حد سواء .ومن هذا المنطلق كان حري بأن تأتي النصوص المنظمة لحق الولوج إلى مهنة المحاماة’ في مختلف تشريعات العالم’ نصوصا صريحة ومحددة وآمرة لا يمكن الاتفاق على مخالفتها وذلك ضمانا لمبدأ المساواة بين الناس ولمبدأ تكافئ الفرص أمام الجميع. وعلى هذا النسق نجد مختلف هذه التشريعات تركز على شخص المرشح لهذه المهنة وتحتم توافره على جملة من الشروط لايمكن القول بأنها شروطا مجحفة في معظمها ولكنها شروطا تساير الوضع العام للمنظومة الدولية وتحاول إزالة الفوارق والمعوقات الصعبة أمام كل الراغبين في الولوج المذكور.وإلى جانب هذه التشريعات يوجد أيضا مجموعة من القواعد والأحكام التي تنظم المجال المهني لمهنة المحاماة بما في ذلك جانب حق الولوج وتدليل الصعاب أمام كل الراغبين في الولوج إليها وهذا الجانب هو مجموع ما يتفق عليه المعنيون من دول ومنظمات حكومية وغير حكومية ومن جمعيات وهيئات ونقابات عبر العالم من قواعد ومبادئ وتوصيات بشان تدبير الشأن المهني لمهنة المحاماة وكيفية الولوج إليها .وعليه فان الدراسة في هذا البحث سوف تكون وفق مطلبين يخصص الأول للكلام عن أهم التشريعات المعاصرة المنظمة لحق الولوج إلى مهنة المحاماة في العالم والثاني لأهم التوصيات الدولية في هذا المجال.  

المطلب الأول

أهم التشريعات المنظمة

 لحق الولوج إلى مهنة المحاماة

 في العالم المعاصر

لقد خلق الله الأرض وخلق الإنسان وقدر على الإنسان الخطيئة ليخرج من موطنه الأصلي الذي هو الجنة وينزل إلى الأرض لعمارتها كما شاءت إرادة الله ذلك ’[45]  ومنذ أن نزل ادم عليه السلام من الجنة إلى الأرض وزوجه وهو في تكاثر مستمر إلى أن بلغ عدد بنيه الآن إلى ما يناهز الأربعة ملايير من البشر موزعة كلها على مختلف بقاع البسيطة من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها في شكل قارات ودول واتحادات اتخذت على شكل وحدات مناهج تشريعية متباينة كل حسب عقيدته ورؤيته إلى الكون ومصدره.

ولعل المتتبع لتطور العلوم البشرية سوف يلاحظ حتما أن العلماء والباحثون اعتمدوا في علم التأريخ مناهج ونظريات علمية مختلفة تحدد أنماط العيش التي عرفت لدى الإنسان منذ ظهوره إلى الآن ’وهذه المناهج هي المنهج  الاسطوغرافي الذي يتخذ موضوعا له حياة الإنسان وتطوره في حيز منطقة جغرافية معينة على وجه الثبات أو أمد طويل يقترب من الثبات والاستقرار.و بعد أن ازداد عدد الناس على سطح الأرض وبدت لهم الحاجة ملحة في الانتقال من مكان إلى مكان انتقلت إلى التأريخ الجماعي على أمد طويل من الزمن .وبعد أن تطورت الجماعة وازدادت أعدادها وأعداد أفرادها وتطورت الحياة الاقتصادية والاجتماعية انتقلت إلى التأريخ الفردي على أمد قصير والذي يعتمد على المنهج الاقتصادي في التاريخ’وسمي بالمنهج الفردي لأنه يعتمد على الفرد في التاريخ وتطور مستوى المعيشة لديه أو بمعنى اصح لأنه يؤرخ للفرد بعد ما كان المذهب الجماعي يؤرخ للدولة..[46]

وبالرجوع إلى المنهاج الفردي’ باعتباره أحدث هذه المناهج والمنهاج المعول عليه في مثل هذه الدراسة لدقته وشموليته ’ نجد أن العالم اليوم مقسم إلى مذاهب اقتصادية واجتماعية محددة ومصنفة من وجهات عريضة وهي المذهب الفردي الرأسمالي والمذهب الفردي الليبرالي والمذهب الجماعي الاشتراكي والمذهب العربي الإسلامي. وانطلاقا من هذا المنهاج سيتم التطرق إلى مختلف التشريعات المنظمة لحق الولوج إلى مهنة المحاماة من وجهة اقتصادية محددة وهذه الوجهة هي تشريعات الدول الرأسمالية وتشريعات الدول الاشتراكية وتشريعات الدول العربية.

ولعل المتتبع لتاريخ القانون’من هذه الوجهة ’ سوف يلاحظ أن مراحل التشريع مرت عبر مراحل متعددة إلى أن وصلت إلى ما هي عليه الآن فإذا كان القانون بناءا فوقيا لنمط اجتماعي معين فان هذا البناء كان لزاما عليه أن يتطور ويتغير بتغير هذا النمط وهكذا ففي عصور المجتمعات التي كانت تقر بأنظمة للعبودية كان القانون فيها يسن أصلا لحماية العلاقة الاجتماعية القائمة على نظام العبودية ودعم الأساس الاقتصادي لاستغلال العبيد .[47]

وفي عهد الإقطاع الذي قام على انقسام طبقي كبير تمثل في ملاك الأرض وعبيد الأرض والفلاحين و أسلوب للإنتاج يقوم على أساس الملكية الكاملة للأرض والملكية الجزئية للعبيد والفلاحين كان القانون يقوم أساسا لتنظيم وحماية العلاقة الاجتماعية الإقطاعية. [48]  

وفي عهد الكنيسة حوالي القرن الثالث عشر الميلادي أصبحت هذه الأخيرة تملك ثلث الأراضي الزراعية الأوربية وأصبحت الحياة الفكرية كلها تحت إشرافها مما جعل القانون برمته يتحول إبانه إلى قانون كنسي شكلا ومضمونا فزاد معه عدد جرائم الأموال وجرائم السحر والشعوذة وجرائم الزنا الأمر الذي نتج عنه كذلك التشديد في العقوبات المخصصة لها لغاية الإعدام. [49]  

وفي عهد الثورة الصناعية وظهور الطبقة البرجوازية وظهور الحركة الفكرية الفلسفية وفكرة العقد الاجتماعي ظهر مبدأ الحرية الشخصية والمالية كضمانة لفتح الباب أمام الازدهار والتطور الرأسمالي فكان أن تركزت وظيفة القانون عقب الثورة الفرنسية على حماية الملكية الخاصة وحرية انتقال رؤوس الأموال وتوظيفها فكان بذلك الإعلان عن نشأة نظام اقتصادي متطور وهو النظام الرأسمالي .[50]  

وفي المجتمعات الاشتراكية وعندما تحولت ملكية وسائل الإنتاج إلى الدولة تحولت وظيفة القانون إلى حماية الملكية العامة لوسائل الإنتاج .وأصبحت تعتبر الجرائم الماسة بهذه الملكية من الجرائم التي يعاقب عليها بعقوبات قد تصل إلى الإعدام .[51]  

وهكذا أصبحت القاعدة القانونية تقوم أساسا على حماية المصلحة الاقتصادية للدولة فكان أن اتخذ التشريع المعاصر في العالم اتجاهين اثنين هما الاتجاه الرأسمالي والاتجاه الاشتراكي’وسنحاول في هذا البحث تسليط الضوء على أهم التشريعات التي تنظم حق الولوج إلى مهنة المحاماة من خلال هاتين الوجهتين لما لمهنة المحاماة من علاقة وطيدة بمختلف ميادين الحياة البشرية بما فيها الحياة الاقتصادية وذلك كما يلي :

1.    تشريعات الدول الرأسمالية في تنظيم حق الولوج إلى مهنة المحاماة.

2.    تشريعات الدول الاشتراكية في تنظيم حق الولوج إلى مهنة المحاماة.

3.    تشريعات الدول العربية في تنظيم حق الولوج إلى مهنة المحاماة.

وذلك كما يلي :

 

1 . التشريعات الرأسمالية في تنظيم حق الولوج إلى مهنة المحاماة:

وتنقسم هده التشريعات إلى زمرتين الأولى هي تلك الأخذة عن التيار اللاتيني مثل فرنسا وبولندة واليونان والثانية هي الآخذة عن التيار الانكلوسكسوني مثل انجلترا وارلاندا و سكوتلاندا وأمريكا . وعليه سوف ندرس في هذه الفقرة عينات من كل من هذه التشريعات كما يلي:

أولا أهم التشريعات اللاتينية:

*    مهنة المحاماة في التشريع الفرنسي :

عرف التشريع الفرنسي منذ بداية العصور الوسطى إلى الآن عدة تطورات أثرت بدورها على ظهور وتطور قانون مهني جديد منبثق بدوره عن قانون مهني آخر ألا وهو قانون مهنة التجارة وهذا القانون المهني هو قانون مهنة  المحاماة الذي بمجرد الإعلان عن إلغاء نظام الطوائف المهنية وتوحيد الأعراف التي كان معمولا بها إبانه في صيغة قوانين مدونة ومكتوبة انطلاقا من قانون تشابلييه إلى مدونة نابليون إلى قانون رفع الحضر عن إنشاء النقابات المهنية والحرفية والصناعية سنة 1884م . ومنذ ذلك الحين وفرنسا تعرف محاماة مقننة ومنظمة تمارس في شخص ثلاث فئات من المحامين وهم المدافعون أو المدافعون التجاريون ووكلاء الدعاوى والمحامون إلا أن الصراع والاحتدام بين هاته الفئات الثلاث ظل قائما من حيث المهام والتخصص النوعي والترابي وشروط الممارسة و حق الولوج إلى غاية صدور قانون 1971 م هذا القانون الذي ألغى كل أنواع الميز بين فئات المحامين المذكورة واعتبر حق الممارسة المهنية حق لكل هذه الفئات الثلاثة دون قيد أو استثناء إلا ما كان من ناحية الحيز الإقليمي للممارسة المهنية إذ وعلى عكس ما كان عليه في السابق يبيح لكل المحامين بفرنسا مزاولة مهامهم بكل التراب الفرنسي أصبح يقيد شرط الممارسة بالحيز الترب لنفوذ هيئة النقابة المسجل بها مع مراعاة استثناء واحد وهو المتمثل في الممارسة المهنية للمحامين الفرنسيين خارج التراب الفرنسي والممارسة المهنية للمحامين الأجانب داخل التراب الفرنسي كما سيأتي توضيحه في باب التوصيات الدولية من هذا البحث .[52]

ولعل المهم من هذه الدراسة هو معرفة الكيفية التي يمكن بها لكل راغب الولوج إلى مهنة المحاماة بفرنسا وان هذه الكيفية باستقراء عام لمختلف النصوص الفرنسية في هذا الباب ’[53] سوف يلاحظ أنها تتلخص في وجوب الحصول على شهادة علمية وهي شهادة الإجازة من كلية الحقوق أو ما يعادلها و اجتياز امتحان الالتحاق بمركز الإعداد المهني الجهوي و الالتحاق بمدرسة الإعداد المهني التابعة للنقابة المراد التسجيل بها ثم أخيرا قضاء سنتين من التدريب بإحدى المكاتب التي تتوفر لديها شروط قبول المتدربين على مهنة المحاماة بفرنسا. إلا أن هذا الشرط الأخير ألغي بمقتضى القانون الصادر بتاريخ 2004م والذي أحل محله إلزامية المشاركة في برامج التكوين المستمر لمهنة المحاماة هذا التكوين الذي عهد بمهمة القيام به إلى مراكز تكوين المحامين التابعة للنقابة المسجل بها.

وعليه فان ما يلاحظ بشأنه هو أن القانون الفرنسي لا يخرج عن مبادئ ثلاث سبق وان صادفناه في مختلف التشريعات السابقة إلى تنظيم مهنة المحاماة وهذه المبادئ هي :

1.    الاستقامة وحسن الخلق .[54]

2.    المستوى العلمي.

3.    فترة التدريب.

و أن هذه الشروط هي الشروط العامة والمنصوص عليه في معظم تشريعات العالم في العصور السابقة والمتطابقة مع مختلف التوصيات والمؤتمرات الدولية المعاصرة في هذا المجال والتي على ضوءها يمكن تحديد كيفية صريحة وواضحة للولوج إلى مهنة المحاماة بفرنسا.

*    مهنة المحاماة في التشريع اليوناني:

والذي لا يغيب عن كل باحث هو أن التشريع اليوناني تشريع عريق وضارب في القدم’ لاسيما في ميدان المحاماة ’ لغاية أن بعض من تكلم بصدده قال أن أول ما عرفت مهنة المحاماة عرفت بأثينا وان أول تقنين لمهنة المحاماة كان هو التقنين اليوناني .[55] ولعل الأسطورة اليونانية تروي قصة بداية المحاماة باليونان هذه الأسطورة التي تعتبر بحق المرجع الديني لقانون مهنة المحاماة باليونان والصادر بتاريخ 1954م والتي اعتبرت مهنة المحاماة مهنة مقدسة كما سبق توضيح ذلك في هذا البحث.

وعموما فانه بالرجوع إلى قانون 1954م المذكور نجده يحدد شروط الولوج إلى مهنة المحاماة كما يلي:

o      الولوج إلى إحدى مدارس القانون واجتياز كل امتحاناتها بنجاح.

 وتستمر الدراسة في هذه المدارس مدة أربع سنوات يمكن تمديدها إلى خمس عند الضرورة.

o      الخضوع لامتحانات المعادلة بالنسبة للأشخاص الذين أحرزوا على شواهد علمية من مدارس قانونية أجنبية. حتي تصبح شواهدهم شواهد معترف بها في اليونان .

o      فترة التدريب وهي فترة تبتدئ مباشرة بعد أن يحرز الراغب في الولوج إلى مهنة المحاماة على شهادة التعلم القانوني أو ما يعادلها ,

 ومدة هذه الفترة ثمانية عشرة شهرا’ يقضيها المتدرب في مكتب أحد المحامين المقيدين و يتعين عليه خلالها الحضور في الجلسات العلنية أمام المحكمة بمعدل ثلاثين جلسة على الأقل طول المدة , ويكون خلالها ملزم ومقيد بقواعد مهنة المحاماة والقانون المنظم لها في اليونان .

o      وعند نهاية فترة التدريب يكون المحامي المتمرن ملزم باجتياز امتحانين للحصول على حق التسجيل بهيئات المحامين, أحدهما شفوي يتمثل في مرافعة أمام محكمة الاستيناف بعد تلاوة مذكرة السيد وزير العدل . والثاني كتابيا يتمثل في تحرير مذكرة لا ينبغي أن يكون مجموع النقط المحصل عليها فيها أقل من نقطة 6/10. وذلك بعد اجتياز الامتحان الشفوي .

o      يتعين أن لا يتجاوز سن المتقدم لهذه الامتحانات 35 سنة  .

o      وبعد النجاح النهائي في هذه الامتحانات ونشر قرار وزير العدل القاضي بتعيينه يلحق المحامي بعد أداء يمين قانونية تسمى يمين الخادم العام المكلف بخدمة عامة وهي رتبة شرفية تمنح له إلى جانب تسجيله بنقابة أو جمعية المحامين باليونان لمزاولة نشاطه المهني على مستوى محكمة الدرجة الأولى التي تدخل في نطاق نفوذ دائرة عمله  .[56]

*    مهنة المحاماة في تشريع بولندا:

وفي بولندة و بصدور قانون مهنة المحاماة بتاريخ 30/6/2005 لم تعد مهنة المحاماة أو التعلم القانوني حكرا على فئة دون أخرى كما كان في السابق حيث لم يكن من حظ الدخول إلى كليات القانون إلا لمن كان ينتسب إلى أسرة قانونية معروفة داخل المجتمع البولندي . وإنما أصبح من حق كل راغب في الدخول إلى كليات القانون ويتوفر على شروط ذلك الالتحاق بها دون قيد الانتساب المشار إليه أعلاه.

وهكذا أصبح الانتساب إلى مهنة المحاماة منظم بكيفية سهلة وواضحة بعيدة عن الالتواء إذ أصبح المرشح لهذه المهنة يمر بمراحل نذكر منها:

o      اجتياز امتحان منظم لهذه الغاية

o      قضاء مدة تتراوح ما بين ثلاث سنوات وثلاث سنوات ونصف في التدريب وذلك حسب الطائفة المرغوب الانتماء إليها من الطوائف التي تتكون منها نقابة هيئة المحامين ببولندة وهذه الطوائف محددها خمس طوائف هي أعضاء لنقابة هيئة المحامين البولندية.

o      اجتياز امتحانين للولوج إلى إحدى الطوائف الخمس التي تتكون منها نقابة المحامين ببولندي احدهما عند الدخول والثاني عند إنهاء فترة التدريب وينصب هذا الامتحان على مواد مأخوذة من قوانين خمس شعب مستخرجة بدورها من قوانين خمس طوائف.

وتتكون هذه الطوائف عادة من:

o      طائفة الادعاء العام ومهمتها الإشراف على الادعاء العام وأعمال الشرطة.

o      القاضي وطبعا تنحصر مهمته في إصدار الأحكام والبث في النوازل.

o      الموثقون وهم طائفة من المنتسبين لنقابة المحامين ببولندة يعملون وفق قواعد ومبادئ القانون المدني وأعمال التكاليف والواجبات العامة.

o      المستشارون القانونيون وهم طائفة من رجال القانون مهمتها تقديم الاستشارة القانونية اللازمة عند الاقتضاء

o      وأخيرا المحامون والكلام في تعريفهم يطول إلا أن القانون البولندي حددها في تمثيل الأشخاص أمام المحاكم المدنية والجزائية.[57]

والواضح أن بولندة في إصدارها لقانون 30/6/2005 اعتمدت على نظرية هامة ومتطورة في التاريخ لزال العمل جاريا بها في كثير من التشريعات لحد الآن.[58] وهذه النظرية كما يبدو هي تلك المستنبطة من النظرية الكلاسيكية’ التي تطورت خلال العصر الوسيط ’ وسيتم التطرق إليها بشيء من التفصيل في الفصل الأخير من هذا البحث.

والى جانب هذه الطرق و الكيفيات التي يمكن بواسطتها للراغبين في ولوج أسلاك المحاماة ببولندة هناك طرق و كيفيات أخرى وهي المتعلقة بالأشخاص الحاصلين على شواهد معينة من القانون أعلى من المشار إليها أعلاه والأشخاص الذين لهم تجربة خمس سنوات في العمل القانوني بالمؤسسات الخاصة أو العامة والذين سبق لهم ممارسة اعمل الاستشارة القانونية لمدة خمس سنوات كذلك .

 ثانيا أهم التشريعات الانكلوساكسونية:

*    مهنة المحاماة في تشريع انجلترا:

ويتقاسم مهنة المحاماة بانجلترا فئتين من المحامون الأولى هي فئة السوليسيتور أو المحامي الاستشاري كما يلقب بذلك في سكوتلاندا والثانية هي فئة الباريستر التي تنقسم بدورها إلى بار يستر والى بار يستر مستشار ملكي وهو الذي يلقب في سكوتلاندا بلقب الرائد وتختلف شروط الفئة الأولى عن شروط الفئة الثانية في أن شروط الفئة الأولى تنحصر فيما يلي :

o      التخرج من إحدى كليات القانون الانجليزية.

o      اجتياز امتحان القبول في المجتمع القانوني بنجاح .

o      التدريب بإحدى المكاتب المتوفرة على شروط قبول المتدرب لمدة عامين وذلك بعد النجاح في الامتحان الأخير للمجتمع القانوني.[59]  

أما بالنسبة لشروط الفئة الثانية فهي كما يلي :

بالإضافة إلى الشروط السابقة يتعين على من يرغب في أن يصبح بار يستر بانجلترا أن :

o      يلتحق بمعهد التكوين. 

o      قضاء مدة سنة كاملة تحت التدريب بهذا المعهد مقسمة على 12 حلقة تدريبية يتلقى خلالها المرشح تدريبات على اللياقة واللباقة وحسن المجالسة والكلام.

o      اجتياز الامتحان النهائي بنجاح .

o      قضاء فترة سنة أخرى تحت التمرين بإحدى المكاتب المرخص لها بذلك.

أما بالنسبة للبار يستر المستشار الملكي فبالإضافة إلى كل الشروط التي سبق ذكرها يتعين عليه التوفر على تجربة و أقدمية معينة تتحدد بمقياس زمني معين .

وهكذا فان شروط حق الولوج إلى مهنة المحاماة بانجلترا بدورها  تنحصر في المستوى العلمي و اللياقة الخلقية وإجبارية التدريب ولا تخرج عن مجمل الشروط الواردة في القوانين والتشريعات الأخرى إلا ما كان من باب بعض الجزئيات والمتعلقة بالعادات والتقاليد التي تختلف من مجتمع إلى آخر كما تتسم بالمساواة والانتقاء المبني على مميزات شخصية تحدد من له الحق في التمتع بامتيازات مهنة المحاماة والخضوع لواجباتها محققة بذلك مبدأ الاحتكار والتقنين والاستقلالية لمهنة المحاماة .

*    مهنة المحاماة في تشريع أمريكا:

وبالرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر من الدول الآخذة بالنظام الانكلوسكسوني والتابعة للمملكة المتحدة فإنها تعرف كيفية مخالفة لتلك المعروفة في انجلترا فيما يخص تنظيم كيفية الولوج إلى مهنة المحاماة ’ إذ في الوقت الذي تسير فيه انجلترا نحو تطبيق نظام فردي رأسمالي في مختلف قوانينها ومعاملتها وتشريعاتها مسايرة لما آل إليه الوضع عقب انتهاء عهد الصراعات الايديلوجية والطائفية وإقرارها لمبدأ حرية العمل والحق في تأسيس النقابات والهيئات الطائفية والمهنية ’ نجد أمريكا تذهب إلى ابعد من ذلك لتحد من هذه الظاهرة وتجعل المهنة حكرا على فئة مميزة داخل المجتمع الأمريكي معتمدة في ذلك على مذهب اقتصادي موغل في الفردية وهو النظام الليبرالي الذي تعتبر بموجبه مهنة المحاماة مهنة المؤسسات والشركات الكبرى إن لم نقل العملاقة التي تسيطر على كل الخدمات القانونية مخالفة بذلك معظم التشريعات الفردية الرأسمالية التي لا تخضع مهنة المحاماة لمبادئ ومعاير لا تتوافق وطبيعة الهدف المتوخى منها .

وإذا رجعنا إلى نظام المؤسسات القانونية بأمريكا نلاحظ أن هذا النظام يلزم بتأسيس مهنة المحاماة’ لاسيما من حيث شروط الولوج إليها ’عل مقتضيات وشروط قانونية مجحفة في حق المساواة في الانتساب إلى مهنة المحاماة والولوج إليها. إذ غالبا ما تتنافس مختلف هذه المؤسسات على جمع اكبر قدر من الأسهم[60] التي تمكنها من تحقيق اكبر قدر من التوسع على مختلف المجالات القانونية والمهنية.وتنقسم عادة إلى مؤسسات قانونية صغرى أو فردية Sole proprietorship  يديرها محام واحد وبصورة منفردة ويكون فيها هو المسؤل عما تحققه هذه المؤسسة من أرباح أو خسائر وله الحق في الاستعانة بغيره من المحامين كموظفين وليس كمسؤلين عن المؤسسة وتتخصص في القضايا المحلية والوطنية لدولة أمريكا والى مؤسسات قانونية كبرى أو عامة General Partnership ويطلق عليها في بعض الولايات اسم شركات الخدمات المتكاملة ويديرها عدد من المحامون قد يتجاوز الألف أو الألفين في بعض الحالات وتنظم نفسها بنفسها وتؤسس فروع لها داخل دولة أمريكا وخارجها لتمثيلها على كل المستويات القضائية والإدارية على حد سواء . وأيضا هناك أنواع أخرى من مثل هذه الشركات كالتعاونية الاحترافية والشركات الاحترافية وشركة المحامين المحدودة المسؤولية ..ولأجل هذا الغرض تحرس مختلف هذه المؤسسات على انتقاء محامون متجدرون في الأوساط القانونية والحقوقية مما يجعل النقابات المعنية بتنظيم امتحانات الولوج إلى مهنة المحاماة تلجئ إلى أساليب اختبارية عالية جدا وملتوية وهو الأمر الذي يجعل من مهنة المحاماة في أمريكا مهنة أريستوقراطية و بعيدة عن المبادئ والقواعد المتعارف عليها في مختلف دول المعمور في هذا المجال والمتمشية مع طبيعة مهنة المحاماة التي تجعل منها مهنة لما تقدمه من خدمات ووظيفة لما تقدمه من مساعدات للقضاء ورسالة لما تحمله في مهامها ومعانيها من نبل عبر الزمان.[61]   

وهكذا فان طرق و كيفيات الولوج إلى مهنة المحاماة لزالت شبيهة بتلك التي كانت سائدة ببولندة قبل صدور قانون 30/6/2005 ولزال التعلم القانوني بها متعثر ويسوده كثير من الغموض والصعوبات  بقياسه مع مختلف الاتجاهات الدولية الجاري بها العمل في ميدان الخدمات القانونية والتعلم القانوني بوجه عام . وهو بهذا النهج وكما يبدو يخالف التشريع البولندي والتشريع المغربي وغيرهما من الدول الآخذة بالمبادئ الفردية الرأسمالية و الرأسمالية  المعتدلة  في أساس بناء القاعدة القانونية المنظمة للمهنة إذ يجعل أساس بناء هذه القاعدة هو المعيار الليبرالي الذي من شانه أن يحقق اكبر قدر من الربح  دون الانتباه إلى الشخص الذي تتوفر فيه شروط ممارسة هذه المهنة’ لدى قيل عنه انه قانون سقراطي ينصرف إلى فئة دون أخرى وهو بذلك مخالف لمختلف القوانين والمواثيق الدولية في هذا المجال والهادفة إلى إرساء قواعد ومبادئ المساواة وتكافئ الفرص أمام جميع شرائح المجتمع’ وكل ذلك ضمانا لتحقيق وتكريس مبدأ المحاكمة العادلة والمنصفة كما ينشدها المجتمع المعاصر. 

والملاحظ هو أن برامج التعلم القانوني في الكليات الأمريكية يشكل نظاما عاليا وسقراطيا. وتستمر فترة التعليم مدة ثلاث سنوات يتعين على المتعلم خلالها الامتثال لقواعد صارمة تتجلى في ضرورة الاهتمام وتعلم فصول ثلاثة من القانون وهي القانون الدستوري والقانون المدني والقانون الجزائي زائد مادة إضافية وهي مادة العقود.وفي السنة الثانية والثالثة يسمح للمتدربين المتقدمين والذين لديهم اهتمامات أكثر اخذ فصول أخرى كالتقنين التجاري الموحد والإجراءات الجنائية والنظرية القانونية وقانون السندات المالية.

أما امتحان القبول في الكلية أو ما يعرف ب ليست L A S T فهو امتحان صعب وعسير إذ يواجه فيه الممتحن 101 سؤال مقسمة إلى خمس فئات وتمر في مدة لا تتعدى 30 دقيقة تنصب في معظمها على قياس مستوى التفكير المنطقي و الفهم والذكاء لدى المرشح ومنها قسم عبارة عن العاب يقاس من خلالها مستوى التحليل المنطقي وآخر عبارة عن قياس تجريبي يخضع له المرشح أيضا. [62]

أما مسالة الولوج إلى مهنة المحاماة أو ما يعرف ب Bar Examفهي أيضا مسالة صعبة وتنقسم إلى نوعان امتحان وطني وآخر جهوي تابع للنقابة التي يريد المرشح الانتماء إليها [63] وتمر في يومين على مستوى وطني يختبر خلالها المرشح في اليوم الأول وطنيا من خلال 200 سؤال موزعة على مختلف فروع القانون والخدمات القانونية المطلوبة من المحامون الممارسون وفي اليوم التالي يختبر فيها المرشح محليا حسب شروط ومقتضيات النقابة المطلوبة من طرفه ويكون خلالها الاختبار أقل حدة وقريب من الاختبار الرمزي آو الشكلي إلى حد ما .

وعليه فان شروط التعلم القانوني والولوج إلى مهنة المحاماة في أمريكا يمكن تلخيصها فيما يلي:

o      الانتماء إلى أسرة حقوقية أو قانونية أو معروفة داخل هذه الأوساط.[64]

o      اجتياز امتحان ولوج المدارس القانونية.

o      اجتياز امتحان النقابة.

o      التوفر على أخلاق حسنة.

o      المرور بفترة التدريب.

o      التمتع بحقوق المواطنة كاملة كحق الترشيح وحق الانتخاب.

والملاحظ هو أن هذا النوع من المؤسسات القانونية ’والذي يضفي على حق الولوج إلى مهنة المحاماة بأمريكا صبغة ملتوية بعيدة عن مختلف الاتجاهات المعروفة في الدول الأخرى والتي تسعى إلى تبسيط القواعد المنظمة للحق المذكور’ يوجد كذلك في بعض من دول أرويا’ وبصرف النظر عما إذا كانت هذه الدول تأخذ بالنظام الانكلوسكسوني أم تأخذ بالنظام اللاتيني ’ومن أمثلة ذلك انجلترا وار لندا و سكوتلاندا وفرنسا .والواضح أن أساس القاعدة المخولة لحق إنشاء مثل هذه المؤسسات لا يعود إلى النظام القانوني المطبق وإنما يعود بالأساس إلى طبيعة النظام الاقتصادي المعتمد الذي هو النظام الاقتصادي الرأسمالي الليبرالي والذي يشكل قمة الأنظمة الرأسمالية في العالم والذي يقوم على أساس عنصر مهم في علم القانون لاسيما المهني منه وهذا العنصر هو عنصر الربح والمضاربة.

2 . التشريعات الاشتراكية في تنظيم حق الولوج إلى مهنة المحاماة:

*    مهنة المحاماة في التشريع الروسي:

كانت المحاماة في ظل الاتحاد السفياتي مهنة التراكمات المالية التي تؤدي إلى الفوارق الطبقية وكانت القوانين الاتحادية تمنع صراحة ممارسة مهنة المحاماة بشكل حر ومستقل وكانت الدولة هي من يتولى توفير المساعدة في الدفاع عند الاقتضاء دون مقابل وكان يعهد بهذه المهمة إلى أشخاص يطلق عليهم اسم خبراء قضائيين وكان يعهد إليهم بمهمة الدفاع أو الاتهام أمام المحكمة وكانت رواتبهم تسحب من الدولة إلى أن أصبحت مهنة المحاماة محل شك وريبة  واعتبرها البعض مجرد ملحقة للاستخبارات ليس إلا.

إلا أن هذا الوضع ما فتئ أن تراجع وأصبح القانون الروسي يبيح ممارسة مهنة المحاماة بشكل حر ومستقل ويجيز تقاضي أتعاب أو عمولة عند كل تكليف ويمنح الحق في تأسيس نقابة لتدبير الشأن المهني لمهنة المحاماة كما هو معروف في كثير من بلدان المنظومة الدولية المعاصرة وذلك بعد أن فشلت الدولة في تحقيق نظام شيوعي يحقق السعادة الأبدية للمواطنين كما كان منشودا ذلك في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وفي عهد ستالين .   

ويعتبر المحامون والقضاة حاليا في روسيا فريقا واحدا مؤتلفا لدراسة كل قضية على حدا ولا يجوز بحال من الأحوال للمحامي وقضاة النيابة العامة الوقوف على طرفي نقيض أمام المحكمة بل يتعين على المحامي التعاون مع جهاز النيابة العامة في كل تحقيق أمام المحكمة . ويعتبر المحامي تبعا لذلك مساعدا للعدالة وخادما للنظام الاشتراكي القائم على حماية الممتلكات العامة للدولة’ ولأجله فان تكليف المحامي من طرف موكله بروسيا محفوفا بضمانات خطيرة تتمثل في وجوب تقديم المعني بالأمر لطلبه أمام نقابة هيئة المحامين هذه الأخيرة التي تعين له المحامي الذي يرغب فيه وتحدد أتعابه بشكل مسبق وصريح وتودع هذه الأتعاب بصندوق خاص إلى أن يتم توزيعها بشكل محدد وفق قانون معد لهذا الغرض وذلك تلافيا لكل تحيز أو شطط من طرف الدفاع في حق المصلحة العامة التي تقوم القوانين الاشتراكية أصلا من اجل حمايتها وتلافيا لكل تكدس في الثروات وهو الأمر المخالف لأهداف النظام الاشتراكي ككل.[65]   

ويشترط القانون الروسي للقيد في نقابة المحامين كغيره من التشريعات الأخرى :   

1.    التوفر على شهادة الإجازة في الحقوق من الكليات المعترف بها داخل روسيا.

2.    القبول من طرف إحدى الجمعيات من جمعيات المحامين بروسيا .

3.    التوفر على الجنسية الروسية أو قيام اتفاقية دولية تعفي من هذا الشرط.

*    مهنة المحاماة في التشريع الياباني:

يعتبر البرلمان الياباني، أعلى سلطة في الدولة و المسؤول عن إعداد التشريع في اليابان.ويتكون من مجلسين الأول هو مجلس النواب - شوغي-إن - والثاني هو مجلس المستشارين ويسمى المجلس التشريعي الأعلى - سانغي-إن- . ونظامه القضائي يتكون من المحكمة العليا وهي المحكمة الدستورية والمحاكم المحلية وأخيرا المحاكم الصغرى وهي التي تتعامل مع بعض القضايا البسيطة كالمخالفات وما يدخل في حكمها وتسمى المحاكم الجزئية.

ومنذ بداية القرن العشرين وبداية الإصلاحات التي تمخض عنها إنهاء عهد الإقطاع القديم باليابان سنة 1868م دخلت اليابان في أنظمة معاصرة كنظام المؤسسات الغربية ونظام الحكم الغربي ونظام القانون والتشريع الغربي ومع بداية سنة 1910م عرف النفوذ الياباني توسعا ملحوظا على كل المستويات مما جعل منها دولة عظمى و جعلها تواصل توسعها العسكري إلى أن قررت مهاجمة القاعدة الأمريكية سنة 1941م ببيرل هاربور فكان بذلك بداية بسط نفوذها وسيادتها على المحيط الهادي .إلا انه وخلال الحرب العالمية الثانية استطاعت أمريكا إخضاع اليابان إلى سيطرتها مما جعل اليابان تمضى على معاهدة دولية سنة 1945م وبقيت بموجبها تحت الاحتلال الأمريكي إلى حدود 1952م.ومع نهاية الحرب العالمية الثانية قام الاتحاد السفياتي بالاستيلاء على جزر الكوريل وبسط نفوذه عليها إلى اليوم .

ويقوم الاقتصاد اليابان على أسس الشراكة بين الدولة والمؤسسات وتمتين العلاقات بين الدولة وشركاءها وتخفيض النفقات العسكرية لمصلحة الأمة مما جعل اقتصادها يحتل المرتبة الثانية في الاقتصاد الدولي .

ولعله من خلال هذه السمات التاريخية يمكن الوقوف على بعض الخصائص المميزة للتشريع في اليابان ’والتي يمكن القول عنها بأنها المميزات والخصائص ذات النزعة السكسونية التي تقوم على أساسها التشريعات الانجلوساكسونة بوجه عام والمتجلية من خلال نظامه البرلماني المتكون من غرفتين وأيضا من مكانة المجلس التشريعي بين السلط وهي المكانة الشبيهة بمجلس اللوردات بانجلترا’ والمتمركزة على نظام اقتصادي جماعي جعل منها تشريعات تقوم أساسا لحماية المصلحة العليا في البلاد وهو الأمر الذي سوف يجعل من تنظيماتها المهنية تنظيمات يعمها طابع العلاقة المتينة بين العملاء والأخلاق المثالية الهادفة إلى تحقيق أحسن قدر من المردودية والخدمات وبالفعل فان هذه السمات هي السمات المميزة لقانون مهنة المحاماة بها .

ويشترط القانون الياباني في كل راغب في الانتماء إلى مهنة المحاماة ما يلي :

1.    أن يكون من جنسية يابانية أو من رعايا دولة تربطها باليابان اتفاقية دولية .

2.    أن يكون حاصلا على شهادة الإجازة في الحقوق أو شهادة تعادلها أو مصادق عليها من طرف السلطات اليابانية المختصة.

3.    اجتياز اختبار نقابة المحامين الذي يعقد مرة واحدة في كل سنة .

وإذا كانت هذه هي أهم الشروط التي يجب توفرها في المرشح للولوج إلى مهنة المحاماة في اليابان ’فان القول بان اليابان لا تخرج عن مجموعة الدول التي تنظم مهنة المحاماة تنظيما مناسبا لطبيعتها كمهنة إنسانية واجتماعية وذات طابع عام إلى جانب طابعها الحر’ بل إنها تساير القوانين الاشتراكية التي تهدف إلى إقامة دولة مثالية في ظل شيوعية تعذر على الاتحاد السفياتي ذاته تحقيقها إبان قيامه’ قول صائب ومحقق في دولة ضربت أطنابا من التقدم والازدهار السياسي و الاجتماعي والاقتصادي متجهة نحو تاريخ بشري حافل بالمنجزات المختلفة .  

*    مهنة المحاماة في التشريع الصيني:

يعتبر القانون الصادر عن جمهورية الصين الشعبية بتاريخ 15/5/1996 هو القانون المنظم لمهنة المحاماة بها بشكل رسمي. و ينص هذا القانون على شروط الانتماء إلى مهنة المحاماة’ باعتبارها مهنة تشكل قوة هامة في بناء القانون والتشريع في الصين’كما يلي:

1.    تنص المادة الثالثة من القانون المذكور على أن المحامين ملزمون بالدستور والقوانين، والأخلاق المهنية والانضباط المهني في سائر أعمالهم.[66]

2.    الحصول على أهلية مزاولة مهنة المحاماة باجتياز امتحان موحد معدا لذلك من طرف الدولة وموافقة الجهات القضائية والإدارية على سلوكه بعد قيامها بكل التحريات اللازمة لذلك وفحص الدوائر.[67]

3.     الحصول على شهادة جامعية عليا في القانون أو ما يعادله من الشواهد المحصل عليها بالمعاهد أو الأكاديميات القانونية المتخصصة وفقا لأحكام المادة السابعة من القانون المذكور.

4.    التدريب لمدة سنة كاملة في مكتب مخول له حق قبول المتدربين .

5.    توفر المرشح على أخلاق لا تتنافى وسلوك مهنة المحاماة بالصين

6.    إدلاء المرشح لما يثبت تمتعه بكافة حقوقه المدنية والوطنية والسياسية وعدم سبق محاكمته من اجل ما يخل بالشرف أو المروءة طبقا للقوانين الجاري بها العمل في الصين.

هذه بإجمال هي أهم شروط ممارسة مهنة المحاماة بالصين و الدول الاشتراكية والتي يغلب عليها عموما طابع التحفظ الخلقي المساير لمبادئ الاشتراكية ومحاربة الطبقية من أجل مجتمع مثالي تسوده السعادة للمواطنين واحترام الملكية المشتركة للجميع المجسدة في ملكية الدولة لوسائل الإنتاج.

 

      3.التشريعات العربية المنظمة لحق الولوج إلى مهنة المحاماة .

*    مهنة المحاماة في التشريع المصري:

عرفت مصر المحاماة ’شأنها في ذلك شان باقي الدول الإسلامية’ منذ أول فجر الإسلام بها. وذلك لان الإسلام نظام كامل ومتكامل حل وحل معه أول قضاء منظم بالطريقة التي نراه عليه اليوم إذ إليه يعود الفضل ’ومنذ العصور الوسطى’ في تأسيس أنظمة قضائية محكمة. وكانت المحاماة في البداية بمصر تسير وفق أحكام الوكالة وبعد نشأة الفقه الإسلامي تطورت وظهر منها فرع آخر لتقنين عمل تمثيل الخصوم أمام القضاء وهذا الفرع هو وكالة الخصومة الذي أصبح ينظم اليوم في كثير من الفروع القانونية الوضعية مثل المادة 731من قانون الالتزامات والعقود المغربي الواردة في الباب الثاني من القانون المذكور والمتعلقة بإجارة الصنعة وإجارة الخدمة والتي تنص على ما يلي :"إلا انه يسوغ للمحامين والوكلاء وغيرهم ممن يقومون بنوازل الخصام أن يعقدوا بأنفسهم أو بواسطة غيرهم مع زبناءهم أي اتفاق على القضايا والحقوق والدعاوى المتنازع عليها أو على الأشياء التي تتعلق بالأشغال المناطة بهم بصفاتهم تلك وكل اتفاق من هذا النوع يقع باطلا بقوة القانون والخسارة إن وقعت تلزم المتسبب فيها ." .

إلا أنه ومع الحركة الامبريالية التي اجتاحت العالم مع مطلع القرن التاسع عشر الميلادي والتي أدت بدخول كثير من الدول العربية والإسلامية اما تحت الحماية الأجنبية أو تحت الاستعمار المباشر ’ تغير نمط العيش بهذه الدول وتغير معه نمط القانون والشريعة التي كان الاحتكام إليها وأصبحت القوانين الوضعية المفروضة عليه هي الواجبة التطبيق في كل الميادين بما في ذلك قطاع المحاماة الذي ضل حكرا في كل الدول المستعمرة على الأجانب والمعمر إلى حدود أن بدأت الحركات الاستقلالية والتحررية في الظهور والمطالبة بحق المشاركة في الحياة العامة من طرف أبناء هذه الشعوب .

وهكذا عرفت مصر أول تقنين وضعي لمهنة المحاماة بتاريخ 1875م وأصبح حق الولوج إليها منوط بشرط الحصول على شهادة جامعية في الحقوق.وفي سنة 1916 م صدر قانون جديد لمهنة المحاماة يصف وكلاء الخصومة لأول مرة بوصف المحامون ويحتم في من يرغب في الولوج إلى مهنة المحاماة شرط حصوله على شهادة العالمية من إحدى المعاهد المتبنية من طرف الأزهر أو على شهادة الدراسة النهائية من المدرسة السلطانية وشرط قضاء الخدمة في القضاء(المحاكم الشرعية ) لمدة أربع سنوات كتجربة في العمل وتوالت التعديلات على قانون مهنة المحاماة بمصر من سنة 1912م إلى سنة 1968م إلى سنة 1970م ثم القانون المصادق عليه من طرف مجلس الشعب بتاريخ31/3/1983حيث أصبحت مهنة المحاماة معروفة بالشكل الحالي لها بمصر وأصبح حق الولوج لمهنة المحاماة بمقتضاه حق لكل من تتوفر لديه شروط ذلك .وهذه الشروط هي :

o      الحصول على شهادة جامعية في الحقوق تثبت قضاء أربع سنوات في التعلم القانوني واجتيازها بنجاح.

o      تكوين ملف خاص يثبت الهوية والوضعية في مواجهة الخدمة العامة المطلوبة وملف السوابق القضائية.

o      أداء يمين قانونية لمزاولة مهنة المحاماة.

o      الدخول تحت التمرين لمدة سنتين.

o      شهادة الجنسية المصرية أو قيام معاهدة دولية تخول الحق في الانتساب للطالب.

وهكذا يلاحظ أن الولوج إلى مهنة المحاماة سهل وبسيط للغاية ومعفى من امتحان الولوج أو القبول في النقابة ويساير التشريعات والتوصيات الدولية في هذا السياق التي تحث على تدليل كل الصعاب أمام الراغبين في مزاولة مهنة المحاماة ويعتمد على شروط لا تخرج عن الشروط الثلاثة التقليدية التي سبق الإشارة إليها والتي لاتخرج عن السلوك الحسن والمستوى العلمي’ إلا أن مسالة الاختبار والحالة هاته تخلفت عن الظهور في قانون مهنة المحاماة بمصر لاسيما وان مهنة المحاماة في العصر الحاضر بدأت تعرف منعطفات متشعبة ومعقدة ومتأثرة بمسار الحياة البشرية العامة التي تسير بوتيرة سريعة وبدافع من التقدم الحاصل في كل الميادين خصوصا العلمي والاقتصادي منها والذي له بدوره انعكاس على مستوى الجريمة والمعاملات ككل .  

*    مهنة المحاماة في التشريع السوري :

دخلت سورية مرحلة التنظيم الوضعي لمهنة المحاماة بدخول الاستعمار إليها سنة 1920م إذ بتاريخ 3/10/1920 وضع أول نظام لمهنة المحاماة ونص على إنشاء نقابة للمحامين بدمشق باعتبارها العاصمة وعلى الانكباب على دراسة طلبات التسجيل والانتماء إلى هذه النقابات بدقة وأخيرا وضع لائحة أو جدولا لمن يمكن اعتبارهم محامون وفقه . وبتاريخ 16/10/1922 صدر قانونا آخر مطابق له بحلب وبتاريخ 1930 صدر قانونا آخرا موحدا للقانونين السابقين وهكذا توالت القوانين في الصدور وفقا للسياسة الاستعمارية المطبقة آنذاك إلى حين صدور قانون 15/8/1981 الذي يعتبر المنظم الرسمي لمهنة المحاماة بسوريا والمتضمن لجملة من الشروط يتعين توافرها في كل راغب في الولوج إلى مهنة المحاماة وهذه الشروط حسب نص المادة التاسعة والثامنة عاشرة منه هي :

المادة التاسعة:

o      أن يكون كامل الأهلية.

o      أن يكون حاصلا على شهادة الإجازة في الحقوق من الجامعة السورية أو ما يعادلها بشرط المصادقة عليها وفق النظام المعمول به بكلية الحقوق التابعة للجامعة السورية.

o      أن يكون ذا سيرة حسنة توحي بالثقة والاحترام الواجبين للمهنة.

o      أن يكون غير محكوم بأية عقوبة جنائية.

o      أن يكون غير محكوم عليه بأية عقوبة من أجل جريمة تتنافى مع واجبات المهنة وكرامتها.

المادة الثامنة عاشرة:

o      يجب تقديم طلب التسجيل إلى مجلس فرع النقابة المختص حسب محل إقامة المعني بالأمر.

o      ضرورة البث في الطلب من طرف الجهة المعنية داخل اجل لايتعدى ثلاثين يوما تحت طائلة اعتبار هذا الطلب مقبولا بقوة القانون.

o      يجب أن لا يتجاوز عمر المرشح لما قدره خمسين سنة ويعفى من هذا الشرط قدماء المحامون ومن سبق له العمل في القضاء.

o      يخضع قرار القبول أو الرفض للطعن أمام مجلس نقابة المحامين الذي يتعين عليه البث فيه داخل اجل لايتعدى ثلاثين يوما .

إن ما ينبغي ملاحظته بشان هذا القانون هو إغفاله لبعض الجوانب التي ينبغي مراعاتها والتي سبق مناقشتها بصدد الكلام عن القانون المصري الموازي له والتي لم تراعي وضع مادة اختبارية تمكن من انتقاء كفاءات تلاءم العصر ومستجدا ته وتسهل معرفة مستوى من يمكن مساعدته على الولوج إلى مهنة المحاماة وفق برامج مدرسية أو أكاديمية معروفة في هذا المجال.

*    مهنة المحاماة في التشريع اللبناني:

في لبنان باعتباره بلد عربي لا ينأى في مختلف تشريعاته عن التشريعات العربية بوجه عام يلاحظ انه يحدد كيفية مزاولة مهنة المحاماة في المواد من 6 إلى 20 من الفصل الأول من الباب الثاني المتعلق بمزاولة مهنة المحاماة من القانون المنظم لها و الصادر بتاريخ 11/3/1970 تحت رقم 8/70 والذي تم تعديله عدة مرات في ما يلي :

o      أن يكون لبنانيا منذ ما لا يقل عن عشر سنوات:

ويعتبر هذا الشرط في التشريع اللبناني شرط مطلق لايرد عليه أي قيد كما هو في كثير من التشريعات العربية والدولية التي تستثني منه كون الراغب في ولوج مهنة المحاماة من رعايا دولة لها اتفاقية ثنائية اومتعددة مع البلد المعني تسمح بمزاولة المهنة هناك.[68] وهو أمر ينأى بالتشريع اللبناني عن المواكبة اللازمة لقوانين ومبادئ المجموعة الدولية السائرة نحو تطوير أنماط وكيفيات الولوج إلى مهنة المحاماة وأساليب مزاولتها سعيا إلى تحقيق نظام للمحاكمة العادلة والمنصفة .

o      أن يكون متمتعا بالأهلية المدنية ويتراوح سنه بين 20 سنة و 65 سنة.

o      أن يكون حائز على شهادة علمية محدد في القانون المذكور مع كل الاستثناءات والقيود الواردة عليها :

وأعتقد أن هذا الشرط فيه بعض الغلو والإضرار بمصلحة الراغب في ولوج مهنة المحاماة سواء بصفته كطالب في كلية القانون أو بصفته كمتدرب على مهنة المحاماة.لأنه في هذه الفترة يكون ملزم بتتبع مواد نيل شهادة كلية القانون وملزم كذلك بتتبع مواد التدريب على مهنة المحاماة’ وهو الأمر الذي قد يجعله أمام صعوبة كبيرة في الدرس والتحصيل ناهيك على انه بإمكانه أن يضعف من مردود يته ومستوى تحصيله و تعميق درايته .والحل في رأيي هو وجوب الفصل بين مرحلة الدراسة الجامعية وبين مرحلة التدرج والسير على النهج الذي سار عليه القانون المغربي[69]  وبعض التشريعات الأخرى الذي لا يسمح بالتمرن على مهنة المحاماة إلا بعد إنهاء الدراسة الجامعية بنجاح والإحراز على شهادة تسمى شهادة الإجازة في الحقوق وهو الأمر الذي يسهل معه على الطالب التفرغ لدراسته الجامعية أولا ثم التفرغ إلى تمرينه ثانيا مما يسهم في تحصيل علمي جيد وفي ظروف مريحة بعيدة عن التعب والإجهاد.

o      أن يكون متوفر على سيرة توحي بالثقة والاحترام. وهذا شرط جوهري ومهم إذ من المبادئ الهامة التي تركز عليها مختلف الاتفاقيات الدولية الآخذة في هذا المضمار وجوب تحلي الراغب في ولوج مهنة المحاماة بسلوك أخلاقي مثالي. وهو أمر طبيعي في مثل هذه المقامات لان مهنة المحاماة هي مهنة النبل والخلق الرفيع والترفع عن الدنايا والدعوة إلى الحق والمساواة ومقاومة الظلم ولا يتسنى للقائمين بمهامها القيام بهذا الدور إلا إذا تحلوا بأخلاق عالية ونبيلة.

و لعل التشريع اللبناني فيما يخص هذا الشرط يكون قد ساير مختلف المبادئ الجاري بها العمل في مختلف بلدان المعمور التي تؤسس أهم شروط ولوج مهنة المحاماة على وجوب تحلي المرشح لها بأخلاق حميدة  وسلوك مثالي  مسايرة للمبادئ والمثل العليا ومواكبة لكل أنواع التطرف أو الميز بين مختلف أجناس البشر وسيأتي الكلام في هذا الباب بشيء من التفصيل .

وتمتد فترة التدريب على مهنة المحاماة في لبنان وفق نص المادة السادسة من القانون المنظم لها المشار إليه أعلاه إلى أربع سنوات يلتحق خلالها المتر شح بكلية الحقوق وهي المدة المحددة لنيل شهادة الحقوق عموما . وخلال هذه المدة توزع مواد نيل أهلية مزاولة مهنة المحاماة وتحدد هذه المواد بقرار صادرعن مجلس الجامعة اللبنانية بعد أخذ موافقة نقابتي المحامين في بيروت وطرابلس وفي حال الاختلاف حول تحديد هذه المواد يفصل مجلس الوزراء في الموضوع بمرسوم.

وتطبيقا لنص المادة 11 من القانون المشار إليه أعلاه يخضع المحامي الذي يسجل اسمه في إحدى نقابتي المحامين للتدرج (للتدريب) مدة ثلاث سنوات في مكتب محام بالاستئناف.ولا يستثنى من هذا النص إلا القاضي الذي أمضى في السلك القضائي مدة تعادل مدة التدريب ولا على الأساتذة الذين تولوا تدريس مواد الحقوق لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا على المحامين في الاستئناف الذين يطلبون إعادة تسجيلهم.

وإذا كانت هذه هي أهم المبادئ التي تحكم كيفية الولوج إلى مهنة المحاماة. بلبنان فان الواقع يفرض التصريح بان هده المبادئ لازالت بعيدة عن الغاية المنشودة والتي هي تسهيل الدخول إلى أداء خدمات مهنة المحاماة بوجه عام. ولا تساير كثيرا من التشريعات العربية والدولية في هذا المضمار والتي يتعين أن تقوم جميعها على مبادئ موحدة ومتكاملة ومتناسقة فيما بينها  تسهيلا لمزاولة مهنة المحاماة في كل البلدان العربية وغيرها دون قيد أو شرط أو معوقات إلا ما كان متعارف عليه ومتفق عليه بين مختلف الهيئات والمنظمات المهنية الدولية.

*    مهنة المحاماة في التشريع المغربي :

وفي المغرب باعتباره بلد التوسط والاعتدال بين مختلف النظريات الفقهية والقانونية والسياسية والاقتصادية. نلاحظ انه في تحديد كيفية الولوج إلى مهنة المحاماة.لم يبتعد كثيرا عن نظيره الأوربي وأسس مختلف تشريعاته على أهم المبادئ والنظريات القانونية المأخوذة عن القرون الوسطى باعتبار أن هذه القرون كانت أوج الحضارة الإنسانية واكتشاف القارة الأمريكية , هذا الحدث الذي أسهم بدوره في بلورة وتطوير العديد من القوانين والأنظمة إلى أن ظهر التيار الليبرالي المعاصر والذي ساهم في انتقال العالم من الحضارة الوسطى إلى الحضارة المعاصرة عبر الحضارة الحديثة .والجدير بالذكر أن العصر الوسيط الذي يعتبر مهد بناء مختلف النظريات والمبادئ القانونية المعاصرة. جاء عقب انتهاء عصر الفوضى والحروب والاضطرابات السياسية والاقتصادية وانتهاء عهد الإمبراطورية الرومانية التي لم تخلف وراءها إلا بعض المبادئ والنظريات التي كانت تخدم الاستعمار كقانون الشعوب والطبقة السائدة والمهيمنة كالقانون المدني الذي لم يكن ينصرف إلا إلى بعض الخدمات كالهندسة المعمارية والمضاربات العقارية والفلاحة.وهي في حد ذاتها موضوعات محدودة ولا تخدم إلا الهيمنة الرومانية دون أن تعبئ بما هو بشري أو حضاري .و عند بداية القرون الوسطى وانتهاء العصر القديم بانهيار الامراطورية المذكورة وتزامن كل ذلك مع ظهور حضارة جديدة غيرت مسار العالم وهذه الحضارة هي الحضارة الإسلامية التي بلغت أوجها خلال هدا العصر. وغزت العالم بقوانين محكمة ومنظمة تنطلق من الجزئيات لتنظم الكليات حتى قيل عنها بأنها " نظام قانوني واسع في توجهاته ومحيط بدقائق المسائل ومتسع ليوصف بالمرونة وعدم الجمود وذلك لقيامه على قواعد كلية لم تترك شيئا إلا ونظمته وأنها مرنة تساير العصور وتبيح في الأصل كل شيء إلى أن يظهر ما يحرمه. وجاءت بفقه مغاير للفقه ذاته. وهذا الفقه هو الفقه الإسلامي الذي يعتبر فقه عملي تطبيقي على خلاف فقه القوانين الأخرى الذي لا يمكن اعتباره إلا فقها نظريا فقط .[70]

ولعل المتتبع للتشريع المغربي سوف يلاحظ حتما انه تشريعي مبني على حضارتين متفاعلتين و متوالدتين في التاريخ’ وهما الحضارة الإسلامية باعتباره بلد عربي إسلامي معتمد في تشريعاته ومعاملاته على جل المذاهب الفقهية الإسلامية وعلى رأسها المذهب المالكي. وهذا هو ما يعرف بالأصالة. والحضارة الأوربية باعتباره بلد عصري متفتح على حضارات وثقافات الشعوب الأخرى واخذ بمبدأ التوسط والاعتدال في كل أموره سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية وهذا هو ما يعرف بالحداثة.والذي هو من المعلوم أن لا احد يجهل أن العصر الوسيط كان عهد انبثاق حضاري متعدد المناهل والمشارب ’ وهذه المناهل أو المشارب هي حضارات الشعوب القديمة مثل مصر القديمة وبابل والفينيقيين والإغريق والرومان.

وبالرغم من أن المؤرخون اجمعوا على أن العصر القديم كان عصر الحروب والاضطرابات السياسية. [71] فانه عهد عرف كثير من القوانين والتشريعات منها من لزال العمل جاريا به لحد الآن في كثير من الدول المعاصرة والمتقدمة. و كان بديهيا أن تأتي الحضارات الموالية لها كالحضارة الإسلامية والحضارة الأوربية مثاترة بها وتحمل بعضا من  ذات خصائصها . وهكذا جاءت الشريعة الإسلامية جامعت مانعة لكل المبادئ والنظريات القانونية والتشريعية مرنة تساير العصور ونسبية تلاءم الأمكنة إذ كل بحسب عادة أهل بلده دون أن تمس بكليات الأحكام والمبادئ الراسخة فيها والواردة بمقتضى النصوص إذ لا اجتهاد مع ورود النص .وكان بديهي أن تكون المحرك الأساسي في ظهور الحضارة الأوربية الوسطى والحديثة والمعاصرة لاسيما بدخول الأتراك إلى قسطنطينية وتمركز الدولة الإسلامية بأوربا.

وهكذا وبالرجوع إلى كيفية الولوج إلى مهنة المحاماة بالمغرب نجد المادة الخامسة والسادسة من الباب الثاني في الفرع الأول من القانون المنظم لمهنة المحاماة بالمغرب تنص عل ما يلي:[72] 

المادة 5

يشترط في المرشح لمهنة المحاماة:

1 - أن يكون مغربيا أو من مواطني دولة تربطها بالمملكة المغربية اتفاقية تسمح لمواطني كل من الدولتين بممارسة مهنة المحاماة في الدولة الأخرى؛ مع مراعاة مبدأ التعامل بالمثل مع هده الدول.

2 - أن يكون بالغا من العمر واحد وعشرين سنة و متمتعا بحقوقه الوطنية والمدنية؛

3 - أن يكون حاصلا على شهادة الإجازة في العلوم القانونية  أو شهادة من كلية أجنبية للحقوق معترف بمعادلتها لها؛

4 - أن يكون حاصلا على شهادة الأهلية لممارسة مهنة المحاماة .

5 - أن لا يكون محكوما عليه بعقوبة قضائية أو تأديبية أو إدارية بسبب ارتكابه أفعالا منافية للشرف والمروءة أو حسن السلوك؛

6 - أن لا يكون مصرحا بوجوده في حالة إفلاس ولو رد إليه اعتباره؛

7 - أن لا يكون في حالة إخلال بالتزام صحيح يربطه بإدارة أو مؤسسة عمومية لمدة معينة

8 - أن يكون متمتعا بالقدرة الفعلية على ممارسة المهنة بكامل أعبائها؛

9 - أن لا يتجاوز من العمر خمس و أربعين سنة بالنسبة لغير المعفيين من التمرين عند تقديم الطلب إلى الهيئة..

المادة 6

تمنح شهادة الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة من مؤسسة للتكوين تحدث وتسير وفق الشروط التي ستحدد بنص تنظيمي.

تستمر وزارة العدل في تنظيم امتحان خاص يمنح شهادة الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة إلى حين دخول النص التنظيمي حيز التطبيق.

أما التمرين على مهنة المحاماة فيقع على الطريقة التالية:

وتستخلص كيفية التمرين على مهنة المحاماة من خلال قراءة بسيطة لنصوص المواد من 11 إلى 18 من القانون المذكور .

o      وجوب تقديم طلب التقييد بلائحة التمرين إلى نقيب هيئة المحامين المراد قضاء فترة التمرين بها وذلك خلال شهر مارس وشهر أكتوبر من كل سنة.

o      ضرورة إرفاق الطلب بالوثائق التالية:

§       ما يفيد التوفر على الشروط المنصوص عليها في المادة الخامسة أعلاه.

§       وسند التزام صادر عن مكتب محام مقيد بجدول الهيئة منذ لايقل عن خمس سنوات وحاصل على إذن كتابي مسبق من النقيب .

o      يتولى النقيب عند الاقتضاء تعيين هدا المحامي.

o      يتعين على مجلس الهيئة أن يجري بحثا حول أخلاق المرشح بكل الطرق التي يراها مناسبة.

o      وجوب البث في الطلب من طرف مجلس الهيئة داخل اجل لا يتعدى أربعة أشهر من تاريخ تقديم الطلب.

o      لا يبث المجلس بالرفض إلا بعد الاستماع للمرشح أو مرور اجل خمسة عشر يوما من تاريخ توصل هدا الأخير بمقرر الرفض.

o      لا يقيد المرشح المقبول في لائحة النميرين إلا بعد أداءه قسم مهنة المحاماة بالمغرب.

o      تنشر لائحة المحامون المتمرنون سنوي من طرف مجلس الهيئة رفقة جدول المحامين الرسميين بها .

o      تستغرق فترة التمرين ثلاث سنوات يمكن تمديدها إلى أربعة عند الاقتضاء.

o      تشتمل فترة التمرين على ما يلي :

§       الممارسة في مكتب محام بصفة فعلية.

§       الحضور في الجلسات بالمحاكم .

§       المواظبة على الحضور في ندوات التمرين والمشاركة في أشغالها .

o      لا يجوز للمحامي المتمرن أن يحل محل المحامي المشرف على تمرينه في جميع القضايا إلا في الجنايات ومحاكم الاستيناف خلال السنة الأولى من تدريبه أو أن يفتح مكتبا باسمه الخاص إلا في حالة المساعدة القضائية ولا يجوز له أن يحمل صفة محام إلا إذا كان مشفوعا بصفة متمرن.

وتجدر الإشارة إلى انه بالإضافة إلى هذه الطرق هناك طرق أخرى لولوج مهنة المحاماة بالمغرب وهي تلك التي يعفى فيها المرشح الذي تتوفر فيه بعض الشروط من شرط الحصول على شهادة الأهلية.ويتعلق الأمر بكل من قدماء القضاة الذين يتوفرون على أقدمية ثمان سنوات في ممارسة القضاء والمحامون الذين قضوا مدة خمس سنوات في الممارسة الفعلية ويرغبون في إعادة التسجيل وأساتذة التعليم العالي شرط قضائهم مدة ستة أشهر بمكتب احد المحامون المشار إليهم في المادة 11 من القانون المنظم لمهنة المحاماة بالمغرب والمحامون الذين لبلدانهم اتفاقية دولية تسمح لهم بفتح مكاتبهم بالمغرب .

وهكذا وكخلاصة لما سبق يتضح أن أهم المعايير التي يعتمدها القانون المغربي في اختيار المرشح المناسب لمهنة المحاماة لا تخرج عن أمور ثلاث وهي :

1.    المستوى العلمي وهو شرط مهم وأساسي إذ لا يمكن ممارسة مهنة المحاماة إلا من طرف من توفرت لديه ملكة قانونية معينة تمكنه من فهم النصوص واستخلاص المساطر التي بدونها لا يمكنه الدفاع أو الحفاظ على حقوق ومصالح موكله أو المساهمة في أداء خدمة مرفق العدالة .

2.    أن يكون ذا سلوك أخلاقي مقبول لا يتنافى والمبادئ العامة لمهنة المحاماة وذا قابلية لمسايرة المبادئ والمثل العليا المتعارف عليها دوليا.

3.    أن يحترم قواعد ومبادئ التمرين وان يلتزم بها ومثاله الحضور في الجلسات والندوات ومكتب التمرين واحترام مجلس الهيئة وقواعد مهنته والمحامي المشرف على تدريبه وزملاءه والهيئة القضائية والسلطات العامة وسيادة وكرامة بلده...الخ .[73]

المطلب الثاني

أهم التوصيات الدولية

في تأطير حق الولوج إلى مهنة المحاماة .

إن الشروط الثلاثة " الخلق - المستوى العلمي – التمرين "هي أهم المبادئ التي يمكن استخلاصها من مختلف القوانين المنظمة لمهنة المحاماة في العالم والتي على أساسها تبنى باقي المبادئ والقواعد الأخرى التي تختلف من دولة إلى أخرى حسب نظامها ومستويات تشريعاتها ومستوى الوعي برسالة المحاماة ودورها داخل المجتمع . وهي بمثابة القواعد الكلية التي يتفرع عنها جزئيات قانونية تختلف باختلاف الزمان والمكان .وهي الأسس التي تبنى عليها مختلف العهود والمواثيق والاتفاقيات الدولية التي يكون من موضوعاتها البحث في وضع اتفاق دولي يحكم وينظم مهنة المحاماة وكيفية الولوج إليها مثل الاتفاقية الدولية الصادرة بين المغرب وفرنسا والمنشورة بالجريدة الرسمية عدد 3060 بتاريخ23/6/1971 الصفحة 1347 بمقتضى الظهير الملكي الشريف رقم 015.71.1 بتاريخ16/6/71 والمغيرة للاتفاقية الدولية المبرمة بين المغرب وفرنسا والنصين الملحقين به والبروتوكول المتعلق بالمهن القضائية الحرة والأعمال ذات الصبغة القانونية والموقع عليها بالرباط بتاريخ20/5/65 والمذكرات المتبادلة بتاريخ23/12/68 و8/4/69  والرسائل المتبادلة بتاريخ 16/11/70 و4/1/71 بشان تطبيق الفصل 34 من الجزء الثالث باتفاقية التعاون القضائي المتبادل وتنفيذ الأحكام وتسليم المجرمين المبرمة يوم 5 أكتوبر 1957. والتي تؤكد على ضرورة الاهتمام بالتكوين القانوني وتعميق الكفاءات المهنية لمهنة المحاماة ووجوب مراعاة التخلي عن كل أشكال الميز أو التحيز ضد الراغبين في الولوج إلى مهنة المحاماة محددة بذلك كيفيات مثالية لولوج مهنة المحاماة ومزاولة مهامها مستقاة من معايير دولية وإنسانية نبيلة .ومن أهم بنود هذه الاتفاقية ما يلي:

1-     إن المحامين الفرنسيين المقيدين في نقابات المحامين الفرنسيين يمكن أن تأذن لهم السلطات المغربية المختصة في مؤازرة أو تمثيل الخصوم لدى جميع المحاكم المغربية.

كما أن المحامين المغاربة المقيدين في نقابات المحامين المغاربة يمكن أن تأذن لهم السلطات الفرنسية المختصة في مؤازرة أو تمثيل الخصوم لدى جميع المحاكم الفرنسية.

2-     إن المحامين الفرنسيين المقيدين حاليا في نقابات المحامين المغاربة يقبلون بحكم القانون لممارسة مهامهم في التراب المغربي.

وإذا كانوا لا يحسنون اللغة العربية، وجب عليهم انتداب أحد زملائهم يحسن هذه اللغة في جميع أعمال المسطرة غير الكتابية دون أن يمنعهم ذلك من مؤازرة الخصوم في الجلسات.

كما أن المحامين المغاربة المقيدين في نقابات المحامين الفرنسيين يقبلون بحكم القانون لممارسة مهامهم في التراب الفرنسي.

وإذا كانوا لا يحسنون اللغة الفرنسية، وجب عليهم انتداب أحد زملائهم يحسن هذه اللغة في جميع أعمال المسطرة غير الكتابية دون أن يمنعهم ذلك من مؤازرة الخصوم في الجلسات.

ويجوز لرعايا كل بلد من البلدين طلب تقييدهم في إحدى نقابات البلد الآخر على أن تتوفر فيهم الشروط المطلوبة للتقييد المذكور في البلد الملتمس فيه التقييد من غير أن يكونوا موضوع أي تمييز وتمكنهم ممارسة مهنة المحاماة بشرط الامتثال فقط لتشريع البلد المذكور ويقبلون على الخصوص لممارسة جميع مهام مجلس الهيئة باستثناء مهام النقابة.

3-     إن الرعايا المغاربة المتوفرين على الليسانس في الحقوق يقبلون لقضاء التمرين في نقابات المحامين الفرنسيين من غير إثبات حصولهم على شهادة الأهلية لممارسة مهنة المحاماة، غير أن تمرينهم بفرنسا لا يكون في هذه الحالة صالحا للتقييد في نقابات المحامين الفرنسيين.

4-    يجوز للرعايا الفرنسيين أن يمارسوا في المغرب المهن القضائية الحرة طبق نفس الشروط المطلوبة من الرعايا المغاربة دون أن يكونوا موضوع أي تمييز.

ويجوز للرعايا المغاربة أن يمارسوا بفرنسا المهن القضائية الحرة طبق نفس الشروط المطلوبة من الرعايا الفرنسيين دون أن يكونوا موضوع أي تمييز.

5-    يخصص كل طرف من الطرفين المتعاقدين لرعايا الطرف المتعاقد الآخر النظام الأساسي الخاص المحدد في هذا البروتوكول رعيا للعلاقات المتينة التي تربط بين الدولتين. ولا يجوز تمديد الاستفادة من هذه المقتضيات بصفة تلقائية لرعايا دولة أخرى.

ومن خلال ما سبق يتأكد أن البرتوكول المغربي الفرنسي مبني على قواعد ومبادئ تكرس حرية الانتماء المهني وتقيد هدا الحق بشروط إنسانية ومثالية تتجلى في ضرورة التزام المحامي بكل ما من شانه أن يخدم زبونه وكل ذلك سعيا وراء توفير نظام قضائي جيد هدفه خدمة الصالح العام وقضية العدالة في كل من البلدين .

أما بالرجوع إلى نص  المذكرات المتبادلة بين المغرب وفرنسا بتاريخ 23 دجنبر 1968 و 8 أبريل 1969 بشأن تأويل بعض مقتضيات البروتوكول المذكور والمتعلق بالمهن القضائية الحرة والأعمال ذات الصبغة القانونية نجدها تنص على ما يلي :

"    أ)  السلطات المختصة لتسليم الإذن المشار إليه في الفقرة 1 من البروتوكول

إن الفقرة 1 من البروتوكول الفرنسي المغربي المؤرخ في 20 مايو 1965 و المتعلق بالمهن القضائية الحرة والأعمال ذات الصبغة القانونية تنص على ما يلي:

إن المحامين الفرنسيين المقيدين في نقابات المحامين الفرنسيين يمكن أن تأذن لهم السلطات المغربية المختصة في مؤازرة أو تمثيل الخصوم لدى جميع المحاكم المغربية.

كما أن المحامين المغاربة المقيدين في نقابات المحامين المغاربة يمكن أن تأذن لهم السلطات الفرنسية المختصة في مؤازرة أو تمثيل الخصوم لدى جميع المحاكم الفرنسية".

وينبغي تأويل هذا المقتضى باعتبار أن عبارتي (السلطات المغربية المختصة) و "السلطات الفرنسية المختصة" تعينان فيه على التوالي وزير العدل للحكومة المغربية وحارس الأختام وزير العدل للحكومة الفرنسية.

ب) حالة الرعايا المغاربة والرعايا الفرنسيين الذين لم يكونوا في تاريخ التوقيع على البروتوكول مقيدين في إحدى نقابات البلد الآخر والذين يرغبون في التقييد بها.

تجري على وضعية هؤلاء الأشخاص مقتضيات المقطع الثالث من الفقرة الثانية الآتية من البروتوكول الفرنسي المغربي المؤرخ في 20 مايو 1965 والمتعلق بالمهن القضائية الحرة والأعمال ذات الصبغة القانونية:

ويجوز لرعايا كل بلد من البلدين طلب تقييدهم في إحدى نقابات البلد الآخر على أن تتوفر فيهم الشروط المطلوبة للتقييد المذكور بالبلد الملتمس فيه التقييد من غير أن يكونوا موضوع أي تمييز وتمكنهم ممارسة مهنة المحاماة بشرط الامتثال فقط لتشريع البلد المذكور ويقبلون على الخصوص لممارسة مهام مجلس الهيئة باستثناء مهام النقابة.

وينبغي تأويل هذا المقتضى باعتبار أن تقييد أحد الرعايا المغاربة في نقابة للمحامين الفرنسيين أو تقييد أحد الرعايا الفرنسيين في نقابة للمحامين المغاربة لا يجوز رفضه بسبب عدم معرفته اللغة الفرنسية أو اللغة العربية. ويجب على المعني بالأمر إذا كان لا يحسن لغة البلد الذي يريد مزاولة مهنته فيه كما هو الشأن بالنسبة للمحامين المشار إليهم في المقطعين 1 و 2 من الفقرة الثانية من البروتوكول انتداب زميل يحسن هذه اللغة في جميع أعمال المسطرة غير الكتابية دون أن يمنعه ذلك من مؤازرة الخصوم في الجلسات.  "

فإذا كان البروتوكول المشار إليه والمذكرات المتبادلة المرفقة به لم يترك أي مجال للتفسير أو التوضيح بشان نصوص وبنود هده الاتفاقية فان خلاصة القول في ذلك ومجمله هو أن هده الاتفاقية جاءت مسايرة للتطورات الإنسانية في العالم وانتقال المجتمع الدولي من المجتمع العصبي إلى المجتمع الإنساني الحضاري الذي يؤمن برسالة الإنسان على الأرض والتي هي الأعمار ومقاومة كل أشكال التحيز أو التطرف أو التمييز بين مختلف أجناس البشر معبرة عن ذلك صراحة عندما ركزت على عدم وجوب مراعاة عدم إلمام المحامين المنتمين لكل من الدولتين الموقعتين بلغة البلد المرغوب التقييد فيه بنقابة هيئة المحامين به بحيث إذا كان الراغب في الولوج إلى مهنة المحاماة بالمغرب فرنسيا لا يتقن اللغة العربية فانه بإمكانه ذلك شريطة الاستعانة بزميل له يتقنها والعكس بالعكس والعكس صحيح أي إذا كان الذي يرغب في الولوج إلى المحاماة بفرنسا مغربيا لا يتقن اللغة الفرنسية فانه بامكانمه ذلك تحت قيد واحد وهو المشار إليه في الحالة المعاكسة السابقة .

وكذلك النشرة العاشرة الصادرة بصقلية سنة 1982 والتي شارك فيها أزيد من ستة عشر نقابة دولية للمحاماة  ورابطة عالمية للقانون وحقوق الإنسان والاتحاد الدولي للمحامين بالإضافة إلى المركز الدولي المعني باستقلال القضاء والمحامين والأمانة العامة للأمم المتحدة فرع حقوق الإنسان والأمانة العامة للأمم المتحدة كذلك فرع منع الجريمة والعدالة الجنائية والتي تحدد بكيفية صريحة المعايير التي يجب اعتمادها في اختيار المرشح لمهنة المحاماة والتي تحددها في وجوب تحليه بأخلاق مثالية وتوفره على قدرة علمية تؤهله للتعلم القانوني وضرورة حثه على الالتزام بمبادئ وقواعد التدريب المهني لمهنة المحاماة  ’وكل ذلك دون أدنى مراعاة للفوارق الاجتماعية أو العرقية أو الجنسية أو غير ذلك لان مثل هده الأمور تحول عادة دون تحقيق مبدأ تكافئ الفرص وتدعوا إلى الحيف والميز بين البشر وتخالف قواعد ومبادئ المحاكمة العادلة ومبدأ تحقيق العدل بين الناس .

وبالرجوع إلى هذه الاتفاقية نجد أنها نصت على مبادئ هامة لضمان مبدأ التعلم القانوني ودخول المحاماة الذي ناقشته في سبعة فقرات وهي:

1.    تحديد إمكانية الوصول إلى التعليم القانوني ودخول المحاماة ويقوم هذا المبدأ على أسس منطقية وهي:

§       ضمان احترام حق كل فرد في التعليم الذي يرغب فيه.

§       احترام حق كل فرد في كسب عيشه بالعمل الذي يختاره أو يقبله بحرية.

§       مراعاة النزاهة الواجبة على المرشح ومقدرته والتزامه بتعزيز المثل العليا .

2.    عدم جواز حرمان أي كان من التعلم القانوني أو دخول المحاماة بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو الدين أو المعتقد أو الرأي السياسي أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب أو الوضع العائلي أو بسبب إدانته بجرم لممارسة حقوقه المدنية أو السياسية .

3.    ضمان تكافئ فرص الوصول أمام جميع فئات المجتمع وضرورة إزالة أثار التمييز الماضي وضرورة اعتماد تدابير خاصة لتشجيع المرأة أو الأشخاص الذين ينتمون إلى أقليات قومية أو اثنيه أو عرقية أو الفئات المحرومة اقتصاديا أو اجتماعيا على دخول المحاماة.

4.    ضرورة اتخاذ تدابير خاصة لضمان تشجيع المرشحين للمحاماة وتمكينهم من التدريب وفق حاجات مجتمعاتهم في البلدان التي توجد فيها مجتمعات محلية أو مناطق تلبي حاجاتها إلى الخدمات القانونية لاسيما عندما يكون لهذه المجتمعات ثقافات أو قواعد قانونية أو لغات متميزة .

5.    وضع خطة التعليم القانوني بالإضافة إلى الكفاءة التقنية استدراكا للمثل العليا والواجبات الأخلاقية للمحاماة ولحقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف بها بموجب القانون الوطني والدولي وضرورة التأكد في كل مراحل التعلم القانوني من توفر كل شخص على حقه في الحصول على المساعدة القضائية لحماية حقوقه.

6.    ضرورة التسليم بان بعض الخبرة العملية كجزء من التعلم القانوني والتعليم المتواصل هما عاملان حيويان لضمان وحفظ ورفع مستوى الكفاءة المهنية المطلوب لتقديم الخدمات القانونية مع ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لهده الغاية.

7.    ضرورة اعتبار الغاية من التعليم القانوني بما في ذلك برامج التعليم المتواصل هو السعي لتعزيز المهارات القانونية وزيادة الوعي الأخلاقي وإيقاظ الاهتمام الاجتماعي وتدريب المحامين على تعزيز حقوق الفئات المحرومة من المجتمع والمصلحة العامة والدفاع عنها بفعالية.

وعلى ضوء هذه المناقشة تبدو الإجابة عن إشكالية هذا الموضوع ذات أهمية عملية وعلمية تساعد في إعطاء نظرة واسعة عن مهنة المحاماة ومختلف المبادئ العلمية والفقهية والإنسانية التي تحكمها وتجعل منها مهنة مرتبطة بواقع المجتمع ومتفرعة من ذات كيانه وبنياته الأساسية التي بدونها لا تقوم له قائمة  . فإذا كانت مهنة المحاماة مهنة ترتبط أساسا بمفهوم العدالة وتحقيق المساواة بين الناس ومختلف شرائح المجتمع فانه بات من المنطقي أن تقوم على أسس منطقية وعادلة تضمن لكل فئات المجتمع ليس فحسب الاستفادة من خدماتها ولكن أيضا الولوج إليها دون أدني مراعاة لمعوقات ذلك ودون ميز أو تحيز عملا بقواعد إنسانية عادلة ومتميزة قل نظيرها في تنظيمات وتشريعات أخرى وكل ذلك يدل على نبل غايتها وسمو دورها داخل المجتمع المتحضر وابتعادها عن كل أشكال التحيز أو التطرف حفاظا على أصالتها وعراقتها منذ القدم . 

والملاحظ كذلك من خلال هذه المناقشة هو أن هذه النشرة اعتمدت على النظرية الشخصية في التعريف بمهنة المحاماة, وأنها بذلك توخت تدعيم الكفاءة المهنية واستقلال المحاماة عن طريق الاحتكار كوسيلة من وسائل ضمان هذا الاستقلال’ وسايرت كثير من التشريعات المعاصرة المنظمة لمهنة المخاصمات وأنها من جملة المبادئ التي صاغتها في تكوين محامين مستقلين ضمانا وحماية لمبدأ استقلال القضاء هو مبدأ الكفاءة المهنية وشروط القبول.واعتمدت في ذلك دون أن تغفل الحق في التعليم القانوني لكل أفراد المجتمع ومبدأ الحق في العمل , وأنها أناطت بشروط القبول في مهنة المحاماة مبادئ إنسانية ومؤهلات علمية تكفل حق جميع قطاعات المجتمع في الخدمات القانونية التي توفرها مهنة المحاماة وهذه الشروط تنصب أساسا على نزاهة المرشح وقدراته العلمية ومدى التزامه بتعزيز المثل العليا للمهنة وعلى عدم التمييز بين المرشحين على أساس العرق أو اللون أو الجنس أو الدين أو الانتماء السياسي أو الثروة أو أي عامل عنصري آخر ’ وجاءت كذلك بتدابير خاصة من اجل تلافي كل هذه العوائق العنصرية والاجتماعية التي تحول دون الراغبين في ولوج مهنة المحاماة من ولوجها وقررت أن تكون هذه التدابير مناسبة ومشجعة كتدريب المرأة تلافيا لعائق الجنس والأشخاص المنتمين لأقليات قومية أو اثنيه أو عرقية تلافيا لعنصر القومية وغيره من المعوقات العنصرية التي تحول دون تحقيق نظام إنساني متكامل يساهم في تكوين مهنة للمحاماة نزيهة وبعيدة عن العنصرية والصراعات التي تحول دون تمسكها بالمثل العليا الواجب توافرها في كل مرشح لها ,وكذلك بتدابير خاصة للفئات المحرومة اقتصاديا واجتماعيا والتي يقف عامل الثروة عائقا دون تمكين أبناءها من ولوج المهنة ’تمثل في النهوض برفاه أعضاء المهنة وتقديم المساعدة إلى أفراد أسرهم في الأحوال المناسبة..الخ .[74]

وإن كان ما سبق في هذا التحليل من ملاحظات حول الحق في الولوج إلى مهنة المحاماة من منطلقات وطنية ودولية بإمكانه أن يسهل الرؤيا أمام الجمهور حول هذا الحق فانه مع ذلك تبقى هناك كثير من القوانين والعهود والمؤتمرات الجديرة بالتطرق إليها والتي من شانها أن تضع القارئ أمام نظرة واقعية وعلمية تتعلق بهذه المسالة .

فعلى سبيل المثال اعتمد مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المعقود في هافانا من 27 غشت إلى 7 سبتمبر 1990 جملة من المبادئ الأساسية لدور المحامين في الحفاظ على العدل مستنبطة من عهود ومواثيق أممية سابقة جاء من جملتها مبدأ الحق في الولوج إلى مهنة المحاماة ومبدأ التدريب الأمثل لهذه الغاية سيقت جلها في كل من البنود 9/10/11 من باب سمته" بالمؤهلات والتدريب" ’وجاء من مقتضيات هده البنود ما يلي :

   « 9- تكفل الحكومات والرابطات المهنية للمحامين والمؤسسات التعليمية توفير تعليم وتدريب ملائمين للمحامين، وتوعيتهم إلى المثل والواجبات الأخلاقية للمحامين وإلى حقوق الإنسان والحريات الأساسية التي يعترف بها القانون الوطني والدولي.

10- تكفل الحكومات والرابطات المهنية للمحامين والمؤسسات التعليمية عدم خضوع أي شخص يريد دخول مهنة القانون، أو الاستمرار في ممارستها، للتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو الأصل العرقي أو الديانة أو الرأي السياسي أو أي رأى آخر أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الملكية أو المولد أو الوضع الاقتصادي أو غير ذلك من الأوضاع، ويستثنى من ذلك شرط كون المحامين من رعايا البلد المعنى لا يعتبر تمييزا.

11- في البلدان التي توجد فيها جماعات أو جاليات أو مناطق لا تلبى احتياجاتها إلى الخدمات القانونية، وبوجه خاص جماعات لها ثقافات أو تقاليد أو لغات متميزة أو جماعات سبق لها أو وقعت صراحة ضحية للتمييز، ينبغي للحكومات والرابطات المهنية للمحامين والمؤسسات التعليمية أن تتخذ تدابير خاصة تتيح للمرشحين من هذه الجماعات فرص الالتحاق بمهنة القانون، وأن تكفل حصولهم على التدريب الملائم لاحتياجات جماعاتهم. "

والملاحظ هو أن هذه البنود جاءت كلها تنص على مبدأ هام وهو مبدأ تكافئ الفرص أمام الجميع في الولوج إلى مهنة المحاماة ومبدأ تدليل الصعاب أمام الذين تحول بينهم وبين هدا الولوج معوقات من شانها أن تبعت على التحيز أو التطرف أو الميز بين الناس  منعا لكل معوقات تحقيق العدالة بين كل شرائح المجتمع وفي كل بقاع العالم وهذا يعتبر بكل تأكيد احد السمات المميزة للمجتمعات المتحضرة والواعية والساعية نحو التقدم والتطور .

الفصل الثاني

التأطير النظري لحق الولوج

إلى مهنة المحاماة

مقدمة :

ولعل الخوض في مثل هدا الكلام ’هو الانتهاء إلى مختلف النظريات التي أثرت على المشرع المعاصر أثناء تحديده لطرق و كيفيات ولوج مهنة المحاماة من زاوية عريضة تنظر إلى ذلك من منهاج تشريعي أساسي عام  ونظري . وهذا المنهاج هو النظرية الشخصية وجذورها التاريخية ’ التي وان قيل عنها أنها تعود إلى أوربا خلال العصر الوسيط’ فإن ما يتأكد من خلال ما درس هو أنها تعود للحضارة الإسلامية ’التي جاءت بدورها متأثرة بغيرها من الحضارات السابقة عليها.ذلك لان حكمة الله ومشيئته أرادت أن تكون أحكامه وتشريعاته ملائمة لكل طور من أطوار نمو الإنسان بدليل قوله تعالى: " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى "’[75]  و إذا أخذنا في الاعتبار أن أصل نشأت هذه النظرية في أوروبا هو العمل التجاري ’[76]  وان أصل دخول هذا العمل إلى أوربا كان هو انتشار الحضارة الإسلامية إلى مختلف أنحاء العالم ’و أن العصر الوسيط كان عصر ازدهار المسلمين’ وان قوة المسلمين آنذاك كانت هي التجارة وان مركز المسلمين إبانه كان هو مكة التي كانت بدورها تعتبر آنذاك مركزا تجاريا عالميا يقصده التجار من كل بقاع العالم. وكذلك إذا أخذنا في الحسبان أن التجارة الإسلامية كانت تعتمد في عهد ازدهارها على نظام القوافل التجارية فان هذا طبعا سوف لن يتركنا نبتعد كثير على نظام الطوائف التجارية الذي ظهر في أوربا خلال القرون الوسطى خصوصا وأن مصطلح القافلة يوحي حثما بالتجمع والتنظيم والنزعة أو العلاقة الشخصية أو الطائفة في حد ذاتها وان لفض الطائفة كان معروفا عند المسلمين ومن المفردات التي وردت بالقران الكريم في عدة آيات والأمثلة على ذلك كثيرة ومنها : " إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المومنون. "[77]  " ثم انزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية  " [78] وان نظام الطائفة الذي ظهر في ارويا خلال هذه العصور في رأيي يفيد ذات المعنى وهذا الأمر هو منشأ النظرية الشخصية موضوع هدا الفصل الذي سوف يقسم إلى مبحثين كالتالي :    

المبحث الأول

الأصول

 الفلسفية للنظرية الشخصية

*    أصل النظرية الشخصية عند اليونان :

تأثرت نشأة القانون اليوناني بالفلسفة مثل ما تأثرت بالدين ’ فبعد أن كانت الأسطورة الأدبية والطقوس الدينية هي أساس بناء القاعدة القانونية باليونان وبعد أن كان القانون جزء من العقيدة.ونتيجة لما صاحب ذلك من إشكاليات تشريعية وقضائية تمثلت في تناقض القوانين وقيامها على أسس غير عادلة وفي سيطرة النزعة الخاصة المبنية على نظام الثار الخاص والانتقام الشخصي ’ ظهرت الحاجة ملحة لظهور حركة إصلاحية جذرية غيرت تاريخ القانون اليوناني تغييرا صريحا وواضحا .

وبعد أن تجلى لليونان طبيعة الكون الذي يسير وفقا لقواعد ثابتة تحكمه تبين له أن الإنسان جزء من هذا الكون تجمعه وحدة الفطرة والطبيعة التي وجد عليها بصفته كائن حي داخل هذه المنظومة التي سماها الطبيعة. اقر له بوجود حقوق وتساو فيها بحكم طبيعته وفطرته. وهذه الحقوق لا يمكن كفالتها أو حمايتها أو ضمانها إلا بقيام قانون مواز لها على مقتضيات من الفطرة والطبيعة البشرية فكان أن شد عن الأسس التي كان يقيم عليها تشريعاته وقوانينه نحو أسس جديدة وهي أسس طبيعية سماها بالقانون الطبيعي.

وهكذا نجد الفيلسوف اليوناني سقراط قد وضع أسس قانونية ثابتة تبين ما هو من قبيل الخير وما هو من قبيل الشر على مقتضيات من الطبيعة والفطرة الإلهية واعتبر من واجب الدولة إسعاد الناس وبدونها لا يمكن أن يسعدوا لان الإنسان حيوان سياسي بالطبع. وهذا هو أساس نظرية العقد الاجتماعي عند كل من جان جاك روسو وتوماس هوبز وجون لوك و بكاريا.[79]

 وقرينه أرسطو اعتبر قانون الطبيعة شريعة عامة تحكم سلوك البشر وتقيم فوارق موضوعية بين الخطأ والصواب في سلوكه وان الله محرك العالم وغير متحرك وهو غاية الغايات والإنسان يسعى إلى هذه الغاية بعقله لذا فهو مخير بين فعل الخير وبين فعل الشر وقادر على كل منهما وهذه هي فكرة الغائية عند فلاسفة اليونان التي أسس عليها تشريع القرون الوسطى معظم نظرياته.[80]  

أما أفلاطون والذي تأثر بموت أستاذه سقراط ’نتيجة إعدامه بسبب أفكاره التي كانت آنذاك مصدر إزعاج لرجال الدين ووفقا لحكم جائر مبني على قواعد قانونية غير مؤسسة على أسس عقلانية تتماشى وطبيعة الإنسان باعتباره كائن طبيعي متساو في الخلقة والحقوق والنزعات ويخضع لنواميس منبثقة عن روابط اجتماعية ثابتة تسير نحو قواعد طبيعية متولدة من نزعاته كمخلوق طبيعي من صنع الإله الذي صنع الطبيعة ذاتها ’ فقد انفرد بمدينته الفاضلة وأسسها على مقتضيات من القواعد الإلهية والخلقية’ نزولا من العالم العلوي عالم المثل والكمال إلى العالم السفلي عالم الواقع المادي الملموس والمحسوس و المتمثل في سياسة الدولة آنذاك وسلوك البشر’ من اجل تحقيق العدالة والمثالية التي ينبغي أن يكون عليها كل مجتمع فلسفي لا يقيم فرقا بين الإنسان والإنسان ’داعيا إلى سن قوانين مبنية على أسس من القواعد الطبيعية في الكون ’ ناظرة إلى الإنسان كشخص متساو مع غيره من الإنسان سواء كان عبد أو شيخ أو ذكر أو أنثى أو طفل أو غير ذلك بحكم طبيعته ’[81] إذ مثال الخير لديه هو المثل الأعلى وكل المثل تسير نحوه والعالم يسير نحو المثل وينشد الخير والكمال .[82]  

وكخلاصة لما تم تحصيله من خلال العصر الفلسفي اليوناني الذي تطور وتبلور على يد هؤلاء الفلاسفة الثلاثة’ كان أن  ظهرت مدرسة جديدة في تاريخ القانون والتشريع ’ تؤمن بضرورة اتساق القوانين الوضعية مع القوانين الطبيعية وملاءمتها لها ’ وتخالف تلك التي كانت تقوم على المعتقدات والأسطورة والنزعات المبنية على إثارة الذات والمصالح الخاصة لرجال الدين والفئات التابعة لهم’ وهذه المدرسة هي مدرسة المذاهب الأخلاقية التي تؤمن بفكرة الضرورة .وتجعلها نوعان وهما :

1.    ضرورة خلقية نابعة من نظام أخلاقي ينبغي أن يخضع له الجميع حتى يسير في حياته سيرا سليما .

2.    وضرورة دينية تؤمن بضرورة القضاء والقدر وهي ضرورة عمياء يخضع لها حتى الآلهة بما في ذلك الإله زيوس وهو كبير آلهة اليونان .[83]

هاته المدرسة التي انبثق عنها أيضا مدرسة أخرى هي المدرسة التقليدية والتي تطورت وتبلورت منذ القرون الوسطى وأصبحت تعرف بالنظرية الشخصية .    

*    أصل النظرية الشخصية عند الرومان:

بالرغم من أن العصر الروماني عرف ’إلى جانب ما عرف به ’بعصر القانون ’فانه مع ذلك لم يهتد إلى قانون سليم وجيد إلا بعد ظهور أول محاولات وضع قانون الألواح الاثنى عشر .هذه المحاولات التي بدأت تنادي بالعدول عن أسس إقامة القوانين التي كانت متروكة لرجال الدين والكهنة.لغاية أن كان القانون الروماني لا يعدو أن يكون إلا فرعا من الدين ولا يمكن إقامته آو القول بمشروعيته إلا إذا جاء لتكريس قاعدة إلهية أو دينية.[84]

وبعد أن تبين للمفكرين الرومان وفلاسفتهم ’مثل يوليا نس و جايوس و ببنيان والبيان’هاذين الأخيرين الذين يعتبران الواضعان للمسات الأخيرة في القانون الروماني المعتمد عليه حاليا في مختلف الدراسات القانونية لاسيما بأوربا ’ أهمية دراسة القانون وتعليمه لكونه أصبح يشكل في نظرهم علم قائم الذات ومستقل شانه في ذلك شان فروع المعرفة الأخرى’ كالدين والطب والفلسفة’ بادروا إلى وضع أسس علمية تقوم عليها دراسته .

ففي بداية تأسيس الامراطورية الرومانية وخلال عهد الإمبراطورية العليا كان القانون الروماني يقوم أساسا على المعتقدات الدينية والعادات والأعراف القبلية بالإضافة إلى بعض المراسيم الامراطورية’ والكل لم يجعل من القانون الروماني إلا قانونا لا يحقق إلا مصالح الطبقات المميزة داخل المجتمع الروماني شأنها في ذلك شأن قانون اليونان قبل ظهور المدارس الطبيعية والأخلاقية التي تنادي بضرورة تأسيس القانون على ضوابط منطقية تبرر الاحتكام إليها وفقا لما أودعه الإله في الإنسان من عقلانية وغائية وحرية إرادة.

اما في العهد الجمهوري فقد بدأ في الأفق ظهور نزعة علمية لم تكن معروفة لدى الرومان من قبل نابعة من ظهور فلسفات يونانية أكثر موضوعية من أفكار الكهنة ورجال الدين واختيارات الأفراد المتناقضة والسخيفة في بعض الحالات ’أدت إلى وضع أول قانون مكتوب في عهد الرومان قائم على نزعات إنسانية ودنيوية متأثرة بفكرة القانون الطبيعي’التي سبق الكلام عنها في معرض الكلام عن فلسفة اليونان ’وان لم تكن هذه القوانين قد آمنت بعد بالقانون الطبيعي كقانون مناسب لتأسيس قواعد قانونية منضبطة تحكم سلوك الفرد داخل الجماعة بشكل منطقي وتابت ومعروف ومتكافئ لتحقيق اكبر قدر من العدالة للمواطن. وهذا القانون هو قانون الألواح الاثنى عشر الذي غير مسار القانون وتأويله أو تفسيره من يد الكهنة إلى يد رجال القانون مثل كرانكانيوس و شيشرون لتتغير مع ذلك دولة الرومان من دولة دينية كهنوتية إلى دولة ديمقراطية متمدنة.

وفي المرحلة الثالثة من عصور نشأة القانون الروماني والتاريخ السياسي للرومان ظهرت فكرة القانون الطبيعي واضحة المعالم في مختلف النزعات التشريعية الرومانية وظهر أول توالد حضاري واضح المعالم في التاريخ وهو المتمثل في التقاء الحضارة اليونانية بالحضارة الرومانية الذي نتج عنه وضع قانون روماني مبني على أسس علمية تمخض عنها ظهور أول مدونة وضعية في التاريخ وهي مدونة جستنيان التي ألغت التفرقة بين القوانين التي تحكم كل من يدخل تحت السيطرة الرومانية وبما في ذلك الشعوب المستعمرة واليهود فكان أن حل القانون المدني كشريعة عامة محل قانون الشعوب وظهر لأول مرة في تاريخ الرومان قانون تجاري يفيد بداية المحاولة في تحول الاقتصاد الروماني من اقتصاد زراعي إلى اقتصاد تجاري متأثر في ذلك بالإغريق الذين عرفوا عبر تاريخهم الطويل بركوب البحر.[85]

ولعل الرومان بعد إيمانهم بتساوي جميع الكائنات البشرية بحكم الفطرة والخلقة لجؤا إلى تصحيح المفاهيم لديهم بإقامة قانون أكثر موضوعية وملاءة وإنصاف والغوا كل أشكال التفرقة التي كانت معروفة لديهم منذ عهد التأسيس إلى تاريخ صدور مدونة جستنيان واعتبروا القانون الطبيعي صراحة أساسا لبناء كل القواعد القانونية لديهم انطلاقا من نزعات بشرية واجتماعية تحقق اكبر قدر من العدالة والإنصاف وهذا هو منشأ النظرية الشخصية لديهم .    

*    أصل النظرية الشخصية في الإسلام :

 الشريعة الإسلامية دين سماوي متكامل أعاد التشريع إلى العقيدة بعد أن تم التخلي عنها في عهد المدارس الوضعية اليونانية والحركة الإصلاحية التشريعية في الرومان ’ إلا أن هذه الإعادة جاءت على أسس إلهية منطقية وأكثر دقة مما كان عليه الوضع إبان الديانات اليونانية والرومانية .إذ في الوقت الذي كانت تقوم عليه العقيدة في عهد اليونان والرومان على الخرافة والأسطورة الأدبية والديانات السماوية المحرفة’ جاءت الشريعة الإسلامية ديانة حقيقية تقوم على أسس من الوحي والإلهام  الإلهي’ لنبي أمي علمه الله سنن الحياة وتفاصيلها ومما لا يعلم بدليل قوله تعالى:"لقد من الله على المومنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم  الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين ." [86]  وقوله كذلك : " وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وانك لتهدي إلى صراط مستقيم."’ [87]  مبنية على حقائق علمية دقيقة وثابتة في الكون ’[88] وهو الأمر الذي سهل لها وضع نظام تشريعي قائم على الفطرة البشرية التي أودعها الله سبحانه وتعالى في عباده وهذه النزعة هي ما حاولت مدارس القانون الطبيعي الوصول إليه إلا أنها أقامتها على أسس دينية خرافية لا تقوم على أساس من الواقع وأخرى وضعية نابعة من إرادة بشرية لا يمكن وصفها بالكمال مما جعل منها في بعض الحالات نظريات ضعيفة يسهل مهاجمتها .

ولعل هدا القول يسوقنا إلى الكلام في نطاق آخر وهو المتجلي من خلال التساؤل حول ما إن كانت الديانة الإسلامية جاءت بعد أن بلغ الجهل والتخلف لدى الإنسان مبلغه أم جاءت بعد أن بلغت البشرية مستوى من النضج والوعي يؤهلها لفهم تعاليم الإله عز وجل ومقاصده؟ وما إن كانت هده الشريعة قد جاءت لترشد العقول بعد احتيارها في نسبة المخلوق للخالق وتطلعها لمعرفة سر الكون وحقيقة الوجود ؟

ولعل الجواب على هذا التساؤل يكمن في تحديد نطاق الجهل الذي كان يعاني منه الإنسان وقته وما إن كان جهل مطلق يتعلق بجميع مناحي الحياة ؟أم جهل نسبي لا ينصرف إلا إلى نقطة محددة بعينها؟ وماهي هذه النقطة إن كان الجواب هو المنصرف إلى القول بالجهل النسبي فقط ؟

ولعل المتتبع لما سبق سوف يلاحظ أن البعثة النبوية الشريفة لم تأت إلا بعد أن استنفد فلاسفة العصر القديم ومفكروه جميع أفكارهم ووضعوا آخر لمسات أعمالهم وانتهوا إلى ما يجب أن يسير عليه المجتمع لتحقيق اكبر قدر من العدالة والإنصاف بين أفراده ’فكان أن اتفقوا في معظمهم على نظرية مستوحاة من فكر بشري خلاق أخرجت البشرية من ظلام الوثنية إلى نور العلم والفكر والإبداع وهي نظرية القانون الطبيعي التي استنبط منها تابعيهم عدة نظريات ومدارس أخرى إلى أن آلت إلى نظرية هذا الفصل وهي النظرية الشخصية.

فمن الفلاسفة السفسطائيين الذين كانوا موالين لرجال الدين والكهنة يؤيدونهم في كل صغيرة وكبيرة إلى الأبيقوريين إلى العقلانيين وغيرهم من فلاسفة ما قبل الإسلام  إلى المعتزلة إلى الجهمية و الأشعرية والخوارج إلى معظم الفرق الشيعية المتفرعة عن شيعة علي بعد الخوارج إلى غيرهم ممن تكلم وتفلسف بعد الإسلام ووصف أصحاب رسول الله ص بالضلال والكذب وقال بعدم جواز شهادتهم بما أحدثوا كما قال في ذلك شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله :" ... قال الطبراني في كتب السنة : حدثنا الحسن بن علي المعمري حدثنا محمد بن بكار العبسي حدثنا عبد العزيز الرقاشي سمعت يونس بن عبيد يقول فتنة المعتزلة على هده الأمة اشد من فتنة الازراقة لأنهم يزعمون أن أصحاب رسول الله ص  ضلوا وأنهم لا تجوز شهادتهم بما أحدثوا ويكذبون بالشفاعة والحوض وينكرون عذاب القبر أولئك الذين لعنهم الله فاصمهم واعمي أبصارهم. وفروع الجهمية لا يقبلون شهادة أصحاب رسول الله ص  فيما رواه عن رسول الله ص  ولا يأتمرون بكتاب الله وفيهم من هو في بعض المواضع شر من المعتزلة ولكن المعتزلة هم أصلهم في الجملة وفي هؤلاء من لا يرى التكفير والسيف كما تراه المعتزلة والرافضة وهو قول الخوارج ... "[89]

 وفي هذا الصدد أيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة وان أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة’ كلها في النار’ إلا واحدة هي الجماعة." صدق رسول الله. [90]

والملاحظ هو أن فلاسفة ما قبل الإسلام كان الوضع لديهم أمر طبيعي لما تفلسفوا وتسألوا عن حقيقة الخالق وعن حقيقة المخلوق وعن حقيقة الكون والطبيعة وما أودعه الله فيها من أسرار توحي للعقل البشري السليم بوجود إرادة عليا تدبر سير الكون والمخلوقات بعد ما بلغ بهم ظلام الديانات المؤلفة والمحبوكة والمحرفة لإيهام الأبرياء والسذج في ظلام الكهنوت والمعابد لقضاء مآرب وحاجيات اقل ما كان من جانبها استغلال الضعفاء واستضعاف الناس في الأرض بغير حق’ ولما اقتضت حكمة الله تعالى إنارة الطريق أمام هؤلاء المتسائلون وغيرهم عن خالق الكون وإخراجهم من ظلام الجهل بحقيقته إلى نور العلم بيقينه’ أمر سبحانه وتعالى ببعثة نبيه الكريم محمد’ صلى الله عليه وسلم ’بشيرا ونذيرا ومعلما للناس ومنيرا لهم طريق الهدى نحو الحق وحقيقة الوجود فكان الإسلام دين الحق والمعرفة والعلم بحقيقة الخالق ’عز وجل ’ بدليل قوله تعالى : " لقد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم ." [91]  وقوله عز من قائل : "يا أيها النبيئ إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ." [92] وقوله أيضا " يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير "’[93]  فاهتدى من الناس من هدى الله إلى أن خالق هذا الكون ومدبره إنما هو الله الذي شرع لعباده شريعة كاملة جامعة لكل مناحي الحياة ولم تترك للبشر إلا منهاجا علميا دقيقا بعيدا عن الشبهات ومبني على كلامه ’عز وجل’ المتصف بالكمال والمنزه عن النقصان وسنة نبيه محمد ص ’ فكان أن اتخذ الناس أساسا لتشريعاتهم وقوانينهم كتاب الله وسنة نبيه محمد ص واجتهاد علماء الأمة وفقهاءها . وأصبحت بذلك فكرة قانون الطبيعة التي نادى بها فلاسفة ما قبل الإسلام’ لجهلهم بحقيقة الخالق والكون ’في حيز العدم واتضح للعقول أن الله واحد ابدي وأزلي وعالم بكل شيء ولا شريك له في ألوهيته ’عز وجل ’ولا صاحبة له ولا ولد ’وزال الجهل بحقيقته سبحانه وتعالى .وهذا هو بيان نطاق الجهل لدى حصيفة ما قبل الإسلام والذي لا يمكن أن يقال عنه جهل مطلق ’وإنما كان مجرد جهل نسبي مقيد بعدم معرفة حقيقة الله وصفاته وقدراته . 

ولعل المتتبع لأحكام الشريعة الإسلامية سوف يلاحظ أنها جاءت غير بعيدة عن ناموس الفطرة والطبيعة  التي نادى به الفلاسفة السابقون إذ أنها تقوم على أساس من الفطرة التي فطر الله بها عباده بدءا من شروط التكليف و انتهاءا بشروط التطبيق . هاته الشروط التي تقوم على أساس المساواة والعدل والإنصاف بين الناس لاعتبارهم من طبيعة واحدة بدليل قوله تعالى :" يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالا كثيرا ونساءا .و اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا  "  [94] وقوله عز وجل " هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا .واجل مسمى عنده .ثم انتم تمترون." [95] وقوله أيضا : " الذي أحسن كل شيء خلقه وبدا خلق الإنسان من طين ثم جعله نسلا من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون ." [96] صدق الله العظيم

هاته الأسس التي تستنبط من الوحي المنزل على نبي الهدى ص ومن سننه عليه الصلاة والسلام ومن اجتهاد علماء وفقهاء الأمة والتي وجب فيها ’ بقول مجمل ’ الملائمة والعدل والاستطاعة في حدود الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ’ حتى لا يكون على الناس حرج في أحكامها .[97]

ولئن كانت هده الأسس تلاءم الطبيعة البشرية غير المتصفة بالكمال والقائمة على النزعة الاجتماعية لدى البشر وتتفق مع ما توصل إليه الفلاسفة السابقون في جانب إسعاد البشر دنيويا والابتعاد به عن الظلم الذي قد يطله من سوء تأسيس القانون الذي يحكمه  فإنها تختلف عنها في جوانب أخرى أهمها مصدر ونطاق كل منهما .

فإذا كان مصدر ما توصل إليه الفلاسفة السابقون هو العقل والإرادة البشرية التي لا يمكن وصفها بالكمال مهما بلغت من النضج فان مصدر هذه الأسس هو الإرادة الإلهية التي تتصف بالكمال والمنزهة عن النقصان وهو الأمر الذي يترتب عنه أن تكون الأولى غير بالغة المقصد الذي هو تأسيس مجتمع منظم عادل وقائم على أساس من الفضيلة ومهما كان قدر الفضيلة المتحصل عليه أو التنظيم أو العدل من وراء تطبيقه في حين أن الثاني يكون بالغ المقصد الذي هو إقامة مجتمع بشري صالح لأنه نابع عن إرادة إلهية حكيمة وعالمة بدقائق الأمور. ويقول الله تعلى في هذا الباب : " إن الذين لا يومنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى .وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وان الظن لا يغني من الحق شيئا فاعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين ." [98]

وإذا كان نطاق تطبيق الأولى لا يتعدى الجانب الدنيوي فقط فان الثاني يذهب إلى أبعد من ذلك ليقيم الدنيا كسبيل إلى الآخرة بدليل قوله تعالى : " وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين ." [99]

والى جانب هذا الاختلاف هناك أيضا خلاف آخر ويتعلق بنشأة كل من المبادئ الوضعية والمبادئ السماوية وهو أن المبادئ الأولى بدأت في الظهور منذ تأسيس أول أسرة بشرية إلى أول القبيلة إلى أول دولة ’ومعناه انه نشأ بشكل تدريجي عبر آلاف القرون إلى أن وصل إلى ما هو عليه الآن في حين أن الثاني لم يكن قواعد قليلة فنمت ولا مبادئ متفرقة فتجمعت ولا نظريات أولية مرت بتجارب وأحداث عبر تاريخ البشرية الطويل بل جاءت دفعة واحدة متكاملة في صورة وحي وخلال فترة محدودة من الزمن تبتدئ بتاريخ نزول أول آية قرآنية كريمة على نبي الهدى وتنتهي بآخر آية من ذلك’ بدليل قوله تعالى :" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ".[100] 

فإذا كانت الشريعة الإسلامية ’على خلاف التشريع الوضعي ’شريعة توجيهية توجه المخلوق نحو خالقه’ على عكس التشريع الوضعي الذي لا يمكن وصفه ’في مرحلة ما قبل الحربين’ إلا بكونه تشريع تنظيمي فقط .[101] وأنها تنطلق من النفس البشرية لتطهرها وتزكيها وتعلمها حقيقة ما أراد الله بعباده وان أول ما انزل الله من القران آيات متعلقة بتصحيح العقيدة وتوجيهها إلى أن جاءت آيات التكليف التي تراعي في كلها فطرة الخلق وقدراته وعقله بدليل قوله تعالى : " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ...الآية" [102] وقوله تعالى : " ألا تزروا وازرة وزر أخرى وان ليس للإنسان إلا ما سعى وان سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى وان إلى ربك المنتهى " [103]  وقوله أيضا: "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ." [104] . فإن ما يمكن أن توصف به في مجملها هو أنها ذات نزعة شخصية تراعي جانب الفرد وقدراته ومكتسباته قبل أن توجه له خطاب التكليف . وهي في ذلك تراعي جانب الفطرة البشرية التي فطر الله عليها عباده وتسعى إلى الحفاظ عليها وحمايتها من كل الشوائب وما يفسدها نائية بالفرد المؤمن من المهالك والمضار والمفاسد إلى ما ينفعه ولا يضر الجماعة محققة بذلك تشريع متكامل يراعي جانب الفرد كما يراعي جانب الجماعة ويراعي جانب الجماعة كما يراعي جانب الفرد. ولعل هذا هو مقصد فلاسفة ما قبل الإسلام إلا أنهم لم يهتدوا فكان أن صاغوا نظريات عقلية توحي بوجود خير أسمى سموه الإله معتمدين في ذلك على افتراضات خيالية ومسرحيات من صنع البشر نفسه وديانات محرفة وهذا وجه من وجوه النقصان في نظرياتهم إذ ’لو أنهم ’اهتدوا إلى الخالق الحقيقي للكون لكان عملهم عمل تام وواصل ولكن قصور العقل البشري كان وراء افتراضهم لوجود خالق لا يتصف بالكمال كما جاءت بذلك شريعة الإسلام التي اعتمدت على الوحي السماوي المعزز بالأدلة والبراهين ’التي تنوء بالعصبة’ والتي ما فتئت تتحقق بالعلم الحديث إلى وقتنا هذا.

أما بالرجوع إلى فلاسفة ما بعد الإسلام فان ما يلاحظ بشأنه أنهم أرادوا بفلسفاتهم العودة بالمجتمع البشري إلى وضع ما قبل البعثة النبوية الشريفة ’ فبعد أن جاءت الرسالة الإسلامية نابعة من إرادة إلهية متصفة بالكمال قائمة على حقائق من العلم اليقين بكل ما أودعه الله في الكون [105] ظهر عقب وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتصديقا لقول الله تعالى :"يا أيها الذين امنوا من يرتدد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يوتيه من يشاء والله واسع عليم ."[106] فرق تدعوا إلى الإلحاد في كتاب الله والخروج بدينه من الطريق المستقيم إلى طريق الضلال والفتن. وهذه الفرق عددها اثنى وسبعون فرقة بما فيهم الجماعة التي استثناها رسول الله من دخول النار في حديثه السابق [107]  وقال عنها  أيضا " لتزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة "[108] ومنها:الأشعرية وهم قوم أبي موسى الأشعري الذي نزلت فيهم الآية السابقة  ’ والمعتزلة ’ و الجهمية وهم من نسب جهم بن صفوان الذين قال فيه الشاعر : [109]   

ولا أقول بقول الجهم أن له           *          قول يضارع قول الشرك أحيانا

ولا أقول تخلى من بريته              *          رب العباد ولى الأمر شيطانا

ما قال فرعون هذا في تجبره         *          فرعون موسى ولا فرعون هامانا

والرافضة ’ والاتحادية الذين عرفوا بإتباعهم للفلاسفة الصابئين وقالوا بوحدة الوجود  ’ و الحرورية ’ والإسماعيلية الباطنية  ’ والقرامطة الذين دعوا إلى مشايعة كل شيء متجاوزين بذلك المجوس والصابئين وخرجوا به تماما عن الدين’وغيرها من الفرق . وكلهم ساروا على نهج الفلسفات القديمة وفلسفة الروم والفرس وملة اليهود والنصارى بدليل الحديث النبوي الشريف: " لتأخذن مآخذ الأمم قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع." وفي الصحاح جاء بلفظ:"لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم " .[110] وسلكوا مسالك فلسفية سموها علم الكلام أو فلسفة الإسلام ونزلوا كلام الله عز وجل " بإدغام الزين"وسنة رسوله على أساس ما وضعوه من اللغة والاصطلاح وعبروا عن معان فلسفية بعبارات إسلامية ومنهم من برر ذلك بحجج قريبة إلى الخرافة كالكشف والمشاهدة. [111]

وقد برز من بين هؤلاء المتفلسفة أعلام في الإسلام من مختلف فروع المعرفة من فلك وطب و كمياء وصيدلة وعلوم طبيعية وعلوم النبات و الحيل أي الميكانيكا والهندسة وجيولوجيا وجغرافيا ورياضيات وغيرها .

ففي الفلك نذكر كل من أبو إسحاق بن حبيب المعروف بالفزار وهو مكتشف الإسطرلاب وأبو معشر البلخي صاحب نظرية المد والجزر وله كتاب ترجم إلى اللاتينية سنة 1459 م بفينيسيا وأحمد بن عبد الله المروزي المعروف بحبش الحاسب ويعتبر أول من ادخل طريقة تحديد الوقت أثناء النهار من أهم مؤلفاته عمل الإسطرلاب و الرخائم والمقاييس  واللائحة تطول .

وفي الطب نذكر أبو بكر الرازي صاحب مؤلف الحاوي وله ما يزيد على 230كتاب معظمها ترجم إلى اللاتينية .و خلف أبو قاسم الزهراوي الذي اعتبر اكبر جراح في العالم إلى غاية عصر النهضة الأوربية ومن فرق بين الجراحة وأنواع التشريح الأخرى وله مؤلفات عديدة أهمها التصريف لمن عجز عن التأليف المترجم إلى اللغة اللاتينية في القرن الثاني عشر الميلادي .وأبو علي الحسين المعروف بابن سينا الذي ترجمت كتبه إلى مختلف لغات العالم ودرست على مر العصور ولا يدرس كتاب في الطب غيرها .

وفي الكيمياء نذكر جابر بن حيان الملقب من طرف علماء أوروبا بابي الكيمياء والمعتبر من طرفهم حجة في هذه العلم ويعتبر المؤسس الأول لعلم الكيمياء.

وفي الصيدلة نذكر أبو الحسن علي بن ربن المعروف بعلي بن ربن الطبري وهو أستاذ أبوبكر الرازي في الطب وكثير من آخرين وله كثير من المؤلفات منها منافع الأدوية والأطعمة والعقاقير وكتاب فردوس الحكمة . وأبو عبد الله محمد ابن احمد المعروف بالتميمي صاحب كتاب ترياق مخلص النفوس وكتاب مادة البقاء بإصلاح فساد الهواء والتحرز من الأوباء .

وفي الطبيعة نذكر الحسن ابن الهيثم المعروف بابن الهيثم منشأ علم البصريات وأبو الفتح عبد الرحمان المعروف بالخازن صاحب كتاب ميزان الحكمة ويعتبر من مهد الطريق للعالم الايطالي في اكتشاف مقياس الحرارة .

وفي النبات نذكر أبو حنيفة احمد بن داود المعروف بالدينوري صاحب كتاب النبات وأبو بكر المختار الكسداني المعروف بابن وحشية له ما يزيد على ثلاثين كتابا أشهرها كتاب الفلاحة النبطية وأبو العباس بن احمد مفرح المعروف بابن الرومية صاحب كتاب الرحلة النباتية وابن البيطار صاحب كتاب الجامع في الأدوية المفردة وكتاب ميزان الطب .

وفي الميكانيكا نذكر عباس بن فرناس يعتبر أول من صنع طائرات ذات جناحين وأول شهداء الطيران في العالم وتاريخ البشرية ومخترع الميقاتة وتصلح لتحديد الوقت أي الساعة وكانت تعمل بقوة الماء وبنوا موسى بن شاكر وهم ثلاث إخوة وهم محمد واحمد والحسن برزوا في الحيل أي الميكانيكا كانوا يشتغلون معا ويؤلفون معا وكان محمد أوفرهم علما واحمد متخصص في الميكانيكا والحسن في الحساب ولهم مؤلفات ترجمت إلى اللاتينية والألمانية .

وفي الرياضيات نذكر أبو جعفر موسى المعروف بالخوارزمي صاحب علم الجبر وتعتبر الخوارزميات في الوقت الحاضر مدخلا أساسيا إلى علم البرمجة في الحاسوب. واللائحة تطول . 

كما ورد عن كثير منهم أخبار تنم كلها على قدراتهم الفلسفية ومدى تأثيرها في مختلف المناهج بما في ذلك مناهج البحث في الفلسفات القديمة ومناهج استنباط الأحكام التشريعية وتفسير القران والحديث ونذكر على سبيل المثال ما جاء من أخبار أبو علي الجبائي الذي يعتبر من علماء المعتزلة و متكلموهم أنه قال في العقل:" انه عشرة أنواع من العلم منها العلوم البديهية والعلوم الصادرة عن الحواس والعلم بحسن الشيء وقبحه ووجوب شكر صاحب النعمة أي المنعم بكسر العين وقبح الكفر والظلم والكذب ". وهو في ذلك متجاوز لفلسفة اليونان التي اعتمدت على العقل في تحديد العالم العلوي أو عالم الفضيلة كما وصفه بذلك أفلاطون الذي يلقب بأبو الفلسفات العقلية.

والمتكلمة الصفتية الذين قالوا:" إن العقل هو بعض العلوم الضرورية. "[112] ولم يضعوا لتمييزها أي معيار على الإطلاق وأشهرهم القاضي أبو بكر البقلاني صاحب كتاب إعجاز القران .

ومما روي عن الإمام احمد ابن حنبل قال :"دخل الجهم في كلام مع فرقة مشركة تسمى السمنية وقالوا له نكلمك فان غلبت حجتنا على حجتك دخلت في ديننا وان غلبت حجتك علينا دخلنا في دينك’فقبل الجهم ذلك فقالت السمنية الم تقل إن لك اله ؟قال الجهم نعم فقالوا فهل رأيت إلهك ؟ قال الجهم لا فقالوا له هل سمعت كلامه؟ قال لا قالوا له فشممت له رائحة؟ قال لا قالوا فوجدت له حسبا؟ قال لا قالوا فوجدت له مجسا؟ قال لا قالوا فما يدريك انه اله ؟فتحير الجهم ولم يدر من يعبد أربعين يوما .ثم استدرك حجة من جنس حجة الزنادقة من النصارى الذين يزعمون أن الروح التي في عيسى هي من روح الله وذاته وإذا أراد الله أن يحدث أمرا دخل في بعض خلقه فتكلم على لسان بعض خلقه فقال للسمني ألست تزعم أن فيك روحا؟ فقال نعم قال فهل رأيت روحك ؟قال لا قال فسمعت كلامه ؟قال لا قال فوجدت له حسا ؟قال لا قال فكذلك الله لا يرى وله وجه ’ولا يسمع وله صوت’ ولا يشم وله رائحة ’وهو غائب عن الأبصار’ ولا يكون في مكان دون مكان ’قال احمد فوجدت ثلاث آيات في القران من المتشابه هي ما بني عليها كلامه وهده الآيات هي " ليس كمثله شيء " سورة الشورى الآية 11 و"وهو الله في السماوات والأرض " سورة الأنعام الاية3 و" لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار " سورة الأنعام الآية 103" .انتهى قول احمد [113] .

والملاحظ هو أن هؤلاء الفلاسفة أطلقوا العنان في تدبر القران والحديث إلى عقولهم وأهداف وضعوها نصب أعينهم فخرجوا بالقران عن مقاصده في كثير من المواضع كقولهم إن القران مخلوق وليس منزل في حين أن الثابت بالقران هو انه منزل وليس مخلوق بدليل قوله تعالى :" الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور " [114]  وان ما يفيد كونه مخلوقا لا يوجد بالقران ولا بالحديث ما يبرره وأنهم إلى جانب ذلك اعتمدوا في جل أفكارهم على أحاديث موضوعة لم يثبت نسبتها إلى رسول الله ص كقولهم :" أول ما خلق الله العقل فقال له ... الحديث" وقولهم كنت كنزا لا اعرف فأحببت أن اعرف... الحديث " وقولهم كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما هو عليه كان." ...الخ . ويقول جل الذين أنكروا عليهم هذا العمل وعلى رأسهم الإمام احمد أن كل الأحاديث الواردة في العقل هي أحاديث ضعيفة وبالتالي موضوعة وان من جعل هذه الأحاديث عمدة في أصول الدين والمعرفة والتحقيق هو من جمع بين الشريعة الإلهية والفلسفة اليونانية المشائية أو الرواقية التي يعود أصلها إلى اريسطو والتي تقول بوحدة الوجود التي تجعل من الخالق والمخلوق وحدة لا تتجزأ وتجمع بينهما في الرتبة والمستوى وتنفي الحساب والثواب والعقاب أي لا تومن بيوم البعث.

 إلا أن الملاحظة الجديرة بالذكر هي أنه ليس كل هؤلاء الفلاسفة متساوين في درجة الأخذ بهذا المنهج في تدبر القران والسنة’ ولكن كل هذه الفرق سارت على درجات متفاوتة في الأخذ بهذا المنهج بل حتى داخل نفس الفرقة هناك درجات تفاوت في الأخذ بما ذكر. فكان أن تعدد الرأي بينهم وتعددت بذلك مذاهبهم إلى أن ظهرت مدرسة مستقلة إلى جانب مدرسة آهل الحديث تبني وتؤسس أحكام الشريعة الإسلامية ومبادئ الفقه الإسلامي على مقتضيات من الرأي ووفقا لمناهج وشروط استلزمها المعتدلون من علماء الأمة .وهي مدرسة أهل الرأي .   

و مدرسة أهل الحديث هي التي كانت تسمى مدرسة المدينة بالحجاز أو مدرسة الفقهاء السبعة ’التي يعود أصلها إلى عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم جميعا مع إضافة عائشة بنت أبي بكر وعبد الله بن عباس .والتي ظهرت على يد التابعين لهؤلاء الصحابة هؤلاء التابعين الذين اشتهر منهم سبعة من فقهاء الأمة قال فيهم الشاعر:

إذا قيل من في العلم سبعة أبحر      *       روايتهم ليس عن العلم خارجة

فقل هم عبد الله عروة قاسم          *       سعيد أبو بكر سليمان خارجة

هؤلاء الذين وضعوا الأسس العلمية للمنهج العلمي في الرأي و تكييف النصوص الإسلامية على مقتضيات من المصلحة وعادة أهل البلد ووفقا لما يساير حاجات عصرهم.

أما مدرسة أهل الرأي ’وهي ما يعرف أيضا بمدرسة الكوفة و تأسست في العراق’ كانت لا تقل أهمية عن المدرسة الأولى إلا أنها لم تشتهر إلا في عهد أبي حنيفة عندما برز دور العراق في المجال الفقهي خلال عهد العباسيين .وتأخذ كأصل لها آثار عبد الله بن مسعود وعلى بن أبي طالب كرم الله وجهه وعمر بن الخطاب .وكان عبد الله بن مسعود هو مركز هؤلاء الصحابة في تأسيس هذه المدرسة على غرار ما كان عليه زيد بن ثابت في مدرسة أهل الحديث.

وتجمع حول مركز هذه المدرسة أصحاب كثير من الكوفة أخذوا بأقواله وتثقفوا على يده واشتهر منهم ستة وهم:

1.    علقمة بن قيس النخعي توفي سنة 62 هج

2.    الأسود بن يزيد النخعي توفي سنة  75هج

3.    مسروق بن الأجدع الهمداني توفي سنة 63هج

4.    عبيدة بن عمرو السليماني توفي سنة 72هج

5.    شريح بن الحارث القاضي توفي سنة 82 هج

6.    الحارث الأعور. [115]

والملاحظ هو أن الطابع الذي كان يسيطر على كل من المدرستين رغم اختلافهما هو أنهما كان يتفقان في بعض الأمور منها:

1.    الخوف من تفسير القران والتردد منه .

2.    اعتبار إعمال الرأي في القران  أمر خطير .

3.    العمل بالرأي في أمور الفقه والمعاملات والاجتهاد في ذلك أمر جائز .

إلا أن الواضح أن الاختلاف بينها لم يكن اختلافا جوهريا في الأحكام والمبادئ بل كان بارزا على مستوى عادة أهل البلد أما مذهب الرجل منهم أو ارتباطه الشخصي ’كما كان في عهد الفلسفة الإسلامية’ فلم يعد له وجود ’وذلك لان كلا من المدرستين كان يأخذ بالسنة كمبدأ أساسي في التشريع. فمدرسة أهل الحديث بالمدينة كانت تأخذ بالسنة في مفهوم العادة الدينية التي كانت سائدة بالمدينة ’في حين كانت مدرسة أهل الرأي بالكوفة تأخذ حصرا بالسنة في مفهوم ما صدر عنه صلى الله عليه وسلم من أقوال أو أفعال أو تقريرات ’دون الأخذ بالعادة الدينية لأهل البلد ’وهي بذلك تكون أكثر تحرز من الوقوع في الخوض الفلسفي المتكلم عنه سابقا المؤدي إلى الشرك والإلحاد وأكثر تضيقا من مجال الأخذ بالرأي من سابقتها مدرسة المدينة .

وهكذا استطاع علماء الأمة تجاوز تلك العقبات التي بدت في أول الأيام بعد وفاة رسول الله ص والتي كادت أن تعصف بالمجتمع الإسلامي الذي بناه رسول الله ص ’وأصبح إعمال الرأي في الإسلام أمر جائز وغير خطير. وأسس على مناهج من الشريعة الغراء مكنت العلماء والفقهاء المسلمون من استنباط نظريات علمية في التنظيم والتقنين والتشريع لزال العمل ساريا بها في كثير من قارات العالم إلى اليوم.فاتفقوا جميعا على وضع أسس تشريعية لا يصح الحكم الشرعي بدونها وقسموا الحكم الشرعي تبعا لذلك إلى عدة أنواع منها الحكم التكليفي والحكم الوضعي وجعلوا لكل نوع منهما أقساما أسست وفقا لمعايير نجملها في التالي:

أ‌-      معايير الحكم التكليفي:

1.    معيار زمني يقسم الواجب إلى واجب محدد في الزمان والى واجب غير محدد في الزمان.

2.    معيار مادي أو قيمي كما يسميه البعض وينقسم إلى واجب محدد المقدار والى واجب غير محدد المقدار.

3.    معيار شخصي ويقسم الواجب إلى واجب عيني والى واجب كفائي.

4.    معيار موضوعي ويقسم الواجب إلى واجب معين والى واجب مخير.

    ب- معايير الحكم الوضعي :

5.    معيار سببي ويقسم إلى سبب مشروع إلى سبب ممنوع.

6.    ومعيار شرطي .

7.    ومعيار مانع.

وما يلاحظ على هذه المعايير أنها تأخذ المكلف أساسا لبناء القاعدة الشرعية وتشترط فيه شروطا لا يقوم الحكم الشرعي في حقه إلا إذا توفرت بشكل تام وصريح وهذه الشروط هي:

1.    القدرة العقلية والجسدية.

2.    حرية الاختيار والإرادة.

وإذا كان خطاب الشارع عموما موجه إلى المكلف وان المكلف هو كل من توفر على القدرة العقلية والجسدية وعلى حرية الاختيار. وان هذا الخطاب يوجه إلى المكلف ذاته ولا يوجه لغيره بدليل قوله تعالى : " ألا تزروا وازرة وزر أخرى وان ليس للإنسان إلا ما سعى وان سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى وان إلى ربك المنتهى " [116]  ’فان الجزم بأن الشارع الإسلامي أسس المسؤولية والتكليف في الإسلام على أساس شخصي ’أمر وارد ويجعل من الشريعة الإسلامية تشريعا من التشريعات التي عرفت النظرية الشخصية موضوع هذا البحت .

وعليه تكون النظرية الشخصية ذات أصول فكرية وعلمية في الشريعة الإسلامية’ مرتكزة على حقائق ومعطيات علمية دقيقة ويقينية ومستوحاة من وحي الهي’ لا يقف بالبشر عند حدود عقله المتصف بالعجز والنقصان أمام إدراك كل ما يتعلق بالكون والخلق والخالق’وإنما يرقى به إلى أعلى مراتب العلم القائمة على الحقيقة والمنهج الرباني القويم بدليل قوله تعالى :" لقد من الله على المومنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم  الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين ." [117] محققة بذلك مجتمع بشري منظم وموجه بعناية تفوق كل العنايات هي عناية الله سبحانه وتعالى .

*    أصل النظرية الشخصية بأوربا :

لم تعرف اوربى كقارة أو مجموعة من دول إلا مع مطلع القرن الخامس للميلاد وبداية انهيار الامراطورية الرومانية التي كانت تجعل منها دويلات مستعمرة إن لم نقل مستعبدة . حيث بدأت أولى الحركات التحررية الفيودالية تحارب من اجل الاستقلال إلى أن تم القضاء على آخر الدويلات النورماندية المتبقية من الدويلات الرومانية التي كانت تسيطر عليها آنذاك .ومنذ ذلك التاريخ و أوروبا لا تعرف إلا نشاط اقتصادي واحد وهو النشاط الفلاحي الذي ورثته عن الرومان إلى أن دخل الإسلام إلى أوربا وادخل معه نشاطا جديدا حرك العالم الجديد نحو دولة أو قارة تتحرك بوعي نحو أهداف وضعتها نصب أعينها وهي تكوين دولة اقتصادية تسيطر على العالم بأفكارها ومبادئها المستوحاة من نظريات وأفكار فلسفية واجتماعية وتشريعية لأمم سابقة عليها ’على رأسها الأمة الإسلامية’التي أدخلت عليها نمطا جديدا من الحياة أساسه النظام والتنظيم .فأخذت أوربا عن الدولة الإسلامية نشاط التجارة وبه حولت اقتصادها من اقتصاد فلاحي راكد إلى اقتصاد تجاري متحرك ’فتكونت الطوائف التجارية والصناعية والحرفية التي أصبح لكل منها قانونا خاصا ينظم نمط الحياة الجديدة بها .وتطور هذا النمط إلى أن أصبحت الحاجة ملحة إلى التدوين والتوحيد منعا لكل أشكال الفوضى التي كانت لتزال تحكم أوربا خلاله فكان أن صدر أول قانون مهني مكتوب وهو قانون تشابلييه سنة 1791 م’ معتمدا على معايير شخصية دقيقة تحدد من له الحق في ممارسة النشاط المعني وتحدد شروط ممارسة كل نشاط على حدة. فكانت النظرية الشخصية بالشكل المعروف حاليا ’وبه اعتبرت أوروبا منشأ هذه النظرية في حين أن الأمر غير ذلك وإنما يمكن اعتباره هو أنها من طور هذه النظرية ’ بسبب ظهور الشركات التجارية الكبرى التي حولت اقتصاد العالم من اقتصاد الشخص الطبيعي إلى اقتصاد الشخص المعنوي مما جعل البعض يعتقد أن هذه النظرية نمت و تحولت إلى نظرية أخرى وهي النظرية المادية أو العينية ’علما أن هذه الأخيرة لم تظهر إلا مع ظهور النظريات الليبرالية واقتصاد السوق الحر عقب الحربين .هذه النظريات التي حولت التجارة الدولية من تجارة الأعراف والمرونة إلى تجارة التدوين والجمود مما جعل فرنسا تتذمر منها وربما تتخلى عنها مؤخرا لتعود إلى النظرية الأولى .

وإذا كانت هذه هي الأفكار الأساسية في فهم طبيعة أصل نشأت النظرية الشخصية هاته الطبيعة التي لا تخرج عن أحد المنهجين وهما المنهج العقلي والمتجلي من خلال الفلسفات البشرية التي اهتدى إليها اليونان والرومان ومن سار على شاكلتهم بعد الإسلام والتي لا تعتبر حسب بحثنا هذا إلا منتصف الطريق نحو الحقيقة والمنهج الديني المتجلي من خلال الوحي الإلهي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم والذي لا يمكن أن يتصف بالقصور أو النقصان وهو المنهج الذي مهد الطريق أمام فلاسفة وعلماء القرون الوسطى لتحقيق ما وصلوا إليه وما هو عليه العالم الآن[118] فإن الوقت قد آن للدخول إلى الكلام في صلب الموضوع وهو النظرية الشخصية وتعريفها وتقييمها وذلك كما يلي :

المبحث الثاني

النظرية الشخصية

أولا تقديم:

لا يمكن الجزم بوجود تعريف جامع ومانع لنظرية من النظريات التي تحكم مجالا من مجالات المعرفة لدى الإنسان ’ إذ غالبا ما يتسع مفهوم هذه النظرية في بعض الحالات ليشمل مجالات مختلفة لفروع متعددة من فروع المعرفة ليضيق في حالات أخرى حتى يصبح اقل شمولية من سابقه وأكثر تركيزا منه ليعطي بذلك نظرة أكثر عمقا وأكثر دقة من غيره وهذا هو ما يعرف بمبدأ التخصص في مجالات المعرفة.

وإذا كانت مختلف العلوم البشرية وأدبياتها تعرف زخما من النظريات التي تحدد مبادئها ونطاقها وتوجهاتها فانه كان من الضروري أن يكون لهذا الزخم منبعا ينبع منه ليصب نهرا جارفا في أوعية هذه العلوم أو هذه الأدبيات’ وهذا المنبع طبعا ’هو مختلف الفلسفات التي أمكن الخروج منها بنظرية تحدد رؤيا أصحابها إلى ظاهرة من الظواهر أو موضوع من الموضوعات استأثر باهتمامهم وشكل مشغل بالهم ومعضلة حياتهم إلى أن وضعوا نظرياتهم لتكون حلولا لهذه المشكلات’ فكان خير ما اهتدوا إليه هو وضع نظرية فلسفية خلاقة تنبع من ذات الفطرة البشرية التي أودعها الله سبحانه وتعالى في الكون ’ فتوافقت أفكارهم المحدودة مع الوحي الإلهي الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم فكان أن اتفقوا على وضع مدرسة تكون غاية في الدقة والتنظيم وضبط مختلف المقاييس والمعايير في مختلف فروع المعرفة وهذه المدرسة هي مدرسة القانون الطبيعي التي تعتبر أصل معظم النظريات السائدة في الوقت الحاضر بما فيها النظرية الشخصية موضوع هذا الفصل .   

ثانيا تعريف:

ومدرسة القانون الطبيعي هي المدرسة التي ابتدأت منذ العصر اليوناني على يد كل من سقراط وأفلاطون وأرسطو في شكل أفكار فلسفية نابعة من واقع مظلم أليم ’ونادت بضرورة وضع قواعد قانونية على أسس من قوانين الطبيعة التي لا تتغير ولا تتبدل والثابتة في الكون مهما تكون الظروف أو الملابسات ’[119] للتسوية بين البشر’ مأخوذة من مختلف روابطه وعلاقاته مع بعضه البعض’هذه الروابط النابعة من طبيعته التي خلق عليها والتي لن  ينتج عنها إلا أمورا أو تصرفات كانت طبيعته الاجتماعية الناتجة عن شخصه كانسان ’[120] هي سبب ظهورها’ وبالتالي وجب أن تكون القواعد التي تحكمها قواعد مماثلة لها لا تخرج عن حيز الطبيعة التي لا تتبدل ولا تتغير مهما كانت الظروف . وتطورت في عهد الرومان لتصبح أساسا في أول مدونة عرفها عصره وهي مدونة جستنيان حيث التفت الرومان’لاسيما مفكريهم وعلى رأسهم الخطيب شيشرون ’ إلى أن الشعوب المستعمرة إنما هي شعوب من بشر ومن ذات طبيعة شعب الرومان وان العلاقات التي تجمعهم مع بعضهم ’هي علاقات اجتماعية نابعة من طبيعتهم كبشر ومن تم وجب أن تكون القوانين التي تحكمها قوانين من ذات الثوب ’مبنية على الطبيعة البشرية والتي تقتضي العدل والمساواة في كل العلاقات ومهما يكون أصل أطرافها ’فكان أن ظهر قانونا جديدا في حياة الرومان يدل على التمدن والتحضر ويحل محل قانون الشعوب الذي لم يكن يقر بهذه النزعة وهو القانون المدني’ معلنا عن حياة تشريعية وبشرية  جديدة في حياة الرومان .

ولما انتهى العهد القديم وهل هلال الإسلام بزغ فجر حياة جديدة أكملت ما عجزت العقول التي ابتدعت مدرسة الطبيعة عن إتيانه وانتهت إلى أن خالق الكون والبشر إنما هو الله الواحد الأحد الذي فطر الناس جميعا على فطرة واحدة هي طبيعة الإنسان ’هذا المخلوق الذي بالرغم من ضعفه وقصور عقله تحمل الأمانة والتزم بالعبودية لله تعالى في الأرض بدليل قوله تعالى :" إنا عرضنا الأمانة على السماوات والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان انه كان ظلوما جهولا" ’[121] فكان أن نزلت أحكام التكليف القائمة كلها على أسس فطرية طبيعية منبعثة من ذات المكلف قوامها العدل والمساواة بين الناس وتوجيه المخلوق نحو الخير الأسمى الذي انتهى إليه العقل البشري وحدده في العقل والعالم العلوي وعالم المثل معتبرة إياه الله الذي خلق كل شيء بما في ذلك العقل وعالم الملكوت ’[122] الذي سماه فلاسفة اليونان وغيرهم بالعلم العلوي وعالم الفضيلة وجعله غاية الغايات . إلى أن انتهى الفقهاء وعلماء الأصول إلى وضع معايير على أساسها يمكن التميز بين الخير وبين الشر كان من جملتها المعيار الشخصي أو النظرية الشخصية موضوع هذا الفصل.

وبعد انتهاء العهد الروماني وسقوط آخر الدويلات المنبثقة عنه دخلت أوربا في مرحلة العصر الوسيط هذا العصر الذي لم يكن إلا مرحلة انتقالية بالنسبة لأوربا لم تسجل خلاله إلا فترة ظلامية من الفوضى و اللااستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي على حد سواء باستثناء بنية تحتية مهدت الطريق نحو بزوغ عصر جديد بالنسبة لها وهو العصر الحديث هذا العصر الذي دخلت فيه أوربا إلى مرحلة التشريع والتدوين والتقنين على مختلف المستويات فطورت النظريات الرومانية القديمة على ضوء من مقتضيات الشريعة الإسلامية فكان أن جاءت لأول مرة بالنظرية الكلاسيكية في ثوبها المعاصر وطورتها إلى أن أصبحت ما يعرف بالنظرية المادية التي سوف نمر عليها كراما في هذا البحث لتعود من جديد إلى تطبيق النظرية الشخصية في معظم تشريعاتها في العصر المعاصر لما اتسمت به تشريعاتها من جمود وتقهقر قبله.

والنظرية الشخصية في تعريفها تتخذ مفهومين مختلفين أولهما ضيق والثاني أوسع ليتسع كلما ازداد نطاقها إلى أن تصير النظرية الموضوعية ذاتها أو ما يسميه الفقهاء عادة بالنظرية الكلاسيكية الجديدة وتتشعب وتكبر إلى أن تتصرف إلى نظريات أخرى أمكن القول عنها ببناتها وتتعمق إلى أن تخضع مادتها لدراسات مختبرية ومجهرية عالية.

 وهكذا ذهب الفقه إلى تعريفها بأنها النظرية التي تجعل الشخص أساس بناء القاعدة القانونية وبمعنى آخر هي النظرية التي تجعل من القانون مجموعة من القواعد لا تنطبق إلا على طائفة من الأشخاص تتوفر فيهم شروط انطباقها ’ وهذا هو المفهوم الضيق لها.

إلا انه ومع توسع أوربا في كل المجالات الاقتصادية تبين لها أن هذه النظرية لم تعد كافية في سن قوانينها فعمدت إلى نظرية أكثر اتساعها وهي النظرية الشخصية التي تقوم على عناصر اقتصادية ومادية فأصبحت تستلزم تعريفا مناسبا لها وهو أن تكون هذه النظرية هي التي تجعل من القانون مجموعة القواعد القانونية التي تسري على مجموعة من العناصر المادية والمعنوية سواء كانت هذه العناصر عناصر بشرية أو عناصر مادية كالمعدات والتنظيم والتجهيز وغيره أو عليهما معا إذا اتحدا في وحدة معينة تتوفر فيها شروط تطبيقها وهذا هو الأمر الذي جعل البعض يعتقد أن هذه النظرية هي النظرية المادية في حين أن الواقع عكس ذلك إذ أن هذه الأخيرة لا تعدو أن تكون مجرد النظرية الموضوعية أو النظرية الشخصية الموضوعية لإدخالها بعض العناصر المادية في نطاقها ليس إلا ’[123]وهذا هو المفهوم الواسع لها.

 وبرأيي فان التعريف الذي يمكن صياغته لهذه النظرية حتى تكون أكثر دقة هو أنها النظرية التي تتخذ من شخص المكلف أساسا في وضع القاعدة القانونية المنظمة للسلوك البشري داخل نطاق معين وبه تكون هذه النظرية هي التي تجمع بين النظرية الكلاسيكية والنظرية الكلاسيكية الجديدة إذ في الوقت الذي ينظم فيه موضوع القاعدة القانونية يؤخذ في الحسبان المجال الذي ينظم فيه فإذا كان هذا المجال يقتضي استعمال معدات معينة امتد التعريف إلى الناحية الموضوعية أما إذا كان المجال لا يقتضي أية معدات مادية فانه يبقى مقتصرا على الجانب الشخصي دن أن يعيبه ذلك في شيء .    

والنظرية الشخصية بهذا المفهوم سواء الضيق منه أو الواسع لا ينحصر مجال تطبيقها في مجال دون آخر بل تتسع لتشمل كل فروع القانون والمعرفة ’ وهكذا نجدها وعلى سبيل المثال في مجال المحاماة تتخذ المفهوم الضيق لها في حين أنها في مجال التجارة نجدها تتخذ المفهوم الواسع لها لتنصرف عنه في بعض الحالات وتتحول إلى نظرية مادية بعيدة عن شخص المكلف .وفي كثير من فروع المعرفة والقانون الأخرى [124] نجدها تتصرف وتتشعب إلى أن يصير لها بنات وتدخل مجال المختبرات والمجهريات ’ فعلى سبيل المثال يذهب أنصار المذهب الفردي في تحليل السلوك الشخصي و الظاهرة الإجرامية إلى ما يلي :

برز في هذا المجال جملة من العلماء الباحثون في السلوك البشري من منطلقات فطرية طبيعية في الإنسان من مختلف فروع المعرفة ووضعوا كنتائج لأبحاثهم عدة أفكار ونظريات سار عليها العلم الحديث في مختلف المجالات بما فيها المجال التشريعي ردحا من الزمن ومنها من لزال معتمدا في مجالات شتى لغاية الوقت الراهن ونذكر من جملة هذه النظريات على سبيل المثال ما يلي :

*    نظرية التكوين الفطري للإنسان :

 من بين العلماء الذين برزوا في هذا المجال ’العالم الفرنسي في مجال الطب العقلي لافتير الذي عاش ما  بين 1741 و1801 للميلاد والمتخصص في علم فراسة الدماغ الذي اكتشف انه من خلال شكل جمجمة الإنسان يمكن الاستدلال على شخصيته وميوله ومدى استعداده الإجرامي ومدى قدرته على التعلم والاستجابة لأنماط تعديل السلوك.

وكذلك العالم الفرنسي في علم فراسة الدماغ أيضا الدكتور جال الذي عاش ما بين 1758 و1828للميلاد الذي توصل إلى وجود ارتباط بين التكوين العقلي للإنسان وتكوينه النفسي وشكل جمجمته.وان المظهر الخارجي للجمجمة وتضاريسه السطحية يعكس التكوين الداخلي للدماغ وما يحمله من وظائف وملكات أو قدرات عقلية ونفسية ومزاجية.

*    نظرية التكوين الإجرامي الإنسان:

وبرز في هدا المجال زمرة من العلماء منهم العالم الايطالي ديتوليو الذي أسس انتروبولوجيته من منطلق دراسة شخصية الإنسان وفقا للمنهج العلمي وذلك من الناحية النباتية والتكاثرية والارتباطية. وضمن هده النظرية في كتابه المعنون بالاستعداد السابق للإجرام وتقوم هده الفكرة على أساس دراسة شخصية الإنسان وفقا للمنهج البيولوجي والنفسي وفي رأيه لا يمكن لهده الدراسة أن تستقيم إلا إذا تضافر كل من علم الأنتروبولوجيا وعلم الفيزيولوجيا وعلم النفس التجريبي والطب العقلي والأفكار الأساسية للعلوم الاجتماعية .

*    نظرية التكوين النفسي للإنسان : 

ومن بين العلماء الذين برزوا في هدا المجال العالم النمساوي سيجموند فوريد الذي يقسم النفس البشرية إلى طبقتين وهما الذات اللاشعورية وهي مجموع العمليات العقلية الباطنية التي لا يدرك كنهها أو نشاطها إلا بالدخول في أغوارها وفقا لمناهج معينة ولها تأثير قوي في أفكار الإنسان ومعتقداته وطباعه وعواطفه والذات الشعورية وتتألف من عمليات عقلية ظاهرية يمكن إدراك حقيقتها وكنهها كالغضب والفرح والحب والكراهية ...الخ ومن خلال الصراع بين هاتين الطبقتين حسب فرويد يمكن تفسير السلوك الإنساني بصورة عامة والسلوك الإجرامي بصورة خاصة. [125]

*    نظرية التكوين العقلي للإنسان :

وفي مجال التكوين العقلي  ’وهو الاتجاه الأكثر ملائمة للتيار الإسلامي في التكليف’ برز جملة من العلماء وعلى رأسهم كودا راد صاحب نظرية العلاقة بين الضعف العقلي والسلوك الإجرامي والعالم الانكليزي كورنك صاحب كتاب الانكليزي المجرم أو المجرم الانجليزي الصادر عام 1913 م والذي اعتبر الضعف العقلي عاملا أساسيا في الإجرام واعتبر ضعاف العقول أشخاص لا يمكن تعليمهم ولا تدريبهم ولا استخدامهم وهم مضرون لأنفسهم ولغيرهم وليس بمقدورهم إلا الوقوع في هوة الإجرام .ويصنف علماء هدا الاتجاه ضعاف العقول إلى ثلاث زمر وهي :

1.    المعتوه ويشكل ادني درجات التخلف العقلي لدى الإنسان ويقدر عمره العقلي بثلاث سنوات

2.    والأبله ويتراوح عمره العقلي بين ثلاث سنوات وست سنوات وهو أقل تخلفا من النوع الأول وبمقدوره القيام ببعض الأعمال البسيطة كالحرث وجني الثمار وهو غير قادر على التعلم.

3.    والراهن أي الأحمق وهو اقل تخلفا من الأبله وعمر عقله يتراوح بين السابعة والعاشرة من السنوات وقدرته على التعلم وتقبل المعرفة نسبية لا تتجاوز في غالب الأحيان مستوى الثالثة ابتدائي في حين يستطيع القيام ببعض الأعمال البدنية الرتيبة والتي لا تحتاج إلى عمق في التفكير.

ويعتمد أنصار هده النظرية في قياس القوة العقلية على مناهج اختبارية للذكاء والمقارنة بين العمر الزمني وبين العمر العقلي لدى الإنسان فإذا حصل التساوي بينهما كان معدل الذكاء مائة بالمائة  أي 100% وهو المستوى العادي للذكاء وفي حالة الانخفاض أو الارتفاع يكون حينئذ مستوى العقل أما ضعيف أو حاد . [126]

*    نظرية التكوين الفسيولوجي للإنسان :

وبرز في هدا المجال أيضا جملة من العلماء منهم العالم الايطالي بند المشهور باهتمامه بعلاقة الهرمونات بالظاهرة الإجرامية لدى الإنسان وعالم الأنتروبولوجيا سلفا تور المختص في علم الهيئة الخارجية للإنسان وصاحب فكرة العلاقة بين علم الغدد وظهور التلازم بين المميزات الجسمية والنفسية . وينصب أساسا على دراسة الأعضاء البشرية الذي يطلق عليه البعض اسم علم قياس الأعضاء البشرية وغالبا ما يعتمده المحققون في القضايا المعقدة للوصول إلى المبحوث عنه .

*    نظرية التكوين الوراثي للإنسان :

 وفي مجال علم الوراثة وآثارها في السلوك البشري برز أيضا عدة علماء على رأسهم العالم النمساوي مندل المتوفى سنة 1984 م الذي ركز في بحوثه على عملية التكاثر والتناسل والحيوان المنوي والبويضة والكروموسمات والخيوط المشابهة للعصي التي تتكون منها الكرومسمات هده الخيوط التي تشتمل على ما يسمى بالجينات وهي وحدات الوراثة لدى كل الكائنات الحية والتي تؤثر على السلوك البشري بالتبعية للأصل.والعالم الباثولوجي دربريه صاحب الكتاب الذي قلص فيه عام 1925 من نسبة نجاح هده النظرية وقال انه ليس بالضروري أن يكون ابن المجرم دائما مجرما إلا انه بالإمكان أن يرث الفرع الأصل في ميوله ... بمعنى أن هده القاعدة هي قاعدة نسبية فقط أي لا يمكن حصولها في كل الحالات.وفي رأيي أن مسالة النسبية هاته هي ما يضفي على هده النظرية الصبغة العلمية إذ لا يمكن أن تعتبر نظرية من النظريات نظرية علمية إلا إذا كانت تتصف بهذا الوصف وحتى في كثير من العلوم الحقيقية كالرياضيات مثلا .والأمر المعروف علميا في مجال التلقيح هو أن الخلية الملقحة تحمل بصورة كاملة جميع الصفات الجسمية للمولود كالطول والقصر ولون العين والبشرة وفي هذه الخلية تتقرر جميع الصفات الوراثية .[127]

وكل هذه النظريات هي نظريات متولدة و مستوحاة من النظرية الشخصية التي تجعل من الشخص أساس بناء المنهج العلمي والقاعدة القانونية المنظمة للسلوك البشري داخل الجماعة. وهكذا يلاحظ أن هذه النظرية نظرية كبيرة ومتشعبة وسهلة وبسيطة في الفهم والتطبيق وشاملة لمختلف مناحي الحياة البشرية لقيامها على أسس طبيعية في الكون هذه الأسس التي لا تخرج عن حيز الجبلة الإنسانية التي جبله الله عليها والمتمثلة في مختلف غرائزه ونزعاته التي تنموا وتترعرع بنمو جسمه وخلاياه ومكوناته المادية لتنعكس في شكل سلوكي ومعنوي ظاهر للعيان يتأثر بكمالها نضجا وكمالا وبنقصانها تخلفا وعصيانا وقد صدق من قال : "العقل السليم في الجسم السليم" فكلما حافظ الإنسان على فطرته بتجنيبها نواقصها كلما زكى عقله ونمى وكلما أفسد الإنسان فطرته بتعريضها للملذات والشهوات المحرمة كلما نقص عقله وتدهور وإنما الإسلام دين سماوي متكامل ومنظم لحياة الإنسان في الظاهر والباطن جاء لهاته الغاية بالذات فحث الإنسان على تزكية نفسه وحرم عدة ملذات فيها مضرة عليه كالخمر والمخدرات والفواحش وكل ما يفسد العقل وينقص منه أو يضر بالنسل أو ينقص منه فكان بذلك دين العقل والرجحان فيه [128] ودين الوراثة الجيدة متمشيا بذلك مع أهم ما انتهى إليه العقل البشري ومسايرا له فكان دين ونظام يجب ما قبله وما بعده فاتصف بالكمال . 

ثالثا: خصوم النظرية الشخصية :    

وبالرغم من أن هذه النظرية لقيت نجاحا وإقبالا كبيرا على مستوى مختلف فروع المعرفة فإنها مع ذلك بقيت محط نقد كبير من طرف شريحة عريضة من الفقه ’ إذ إلى جانبها ظهرت مدرسة تطالب بالنظر إلى الإنسان ككائن اجتماعي وجد لتدعيم الجماعة ’ وبموجب التزام اجتماعي تخلى عن كافة حقوقه مقابل التزام الدولة بإسعاده . واعتبرته مسيرا في هذا الكون وغير مخير وان الجماعة هي التي توجه سلوكه وان دوره في هذا السلوك دور جمادي لا يعتد به [129] . فكان أن ظهرت مذاهب متكونة من زمرتين من المذاهب الأولى ثيولوجية ويتزعمها أهل الجبر لاعتقادهم بقدرة الخالق وبدور العقاب والثواب في جبر سلوك المخلوق[130] وبعض من الفلاسفة الذين أخذوا بالمنهاج الديني في آراءهم ونظرياتهم مثل كونفوشيوس الذي يعتقد من منطلقات دينية تقليدية أن السماء تفرض مشيئتها على الناس وهي مصدر الجاه والثروة بالنسبة له .والثانية مادية ويتزعمها كل من سبينوزا الذي اعتبر حرية الإرادة مسالة لا وجود لها إلا في عالم الوهم والخيال خالصا بذلك إلى المفهوم القديم للضرورة . والمدرسة الوضعية التي تأثرت بأفكار عالم الرياضيات أوكست كونت في فلسفته الوضعية التي نشرها عام 1830م التي تعتبر الإنسان كائن بغير إرادة مجبر على أفعاله وان سلوكه يأتي نتيجة تضافر بعض العوامل الفردية مع بعض العوامل الاجتماعية وهي نتيجة حتمية ينساق إليها.

وعموما فانه في نطاق البحث بصدد هذا الموضوع فان القول المعول عليه هو الراجع إلى أنصار المذاهب الاجتماعية والتي ظهرت إلى حيز الوجود منذ زمن بعيد يعود إلى عهد الفيلسوف أبيقورس الذي اعتبر القانون يقوم على أساس المنفعة التي التزمت الدولة بتحقيقها لأفراد المجتمع رافضا بذلك الفكر الديني الذي طالب به رجال الدين والمنهج العقلي الذي طالب به غيره من الفلاسفة واعتبر القانون من نتاج تعاقد بين الفرد والدولة . إلى عهد الرومان في أواخر العهد الإمبراطوري ثم مرت إلى عهد العصور الوسطى إلى أن تأسس عليها نظام الإقطاع وخلال القرنين السابع عشر والثامن عشر ظهرت فكرة العقد الاجتماعي بشكل صريح وواضح علي يد ثلاثة من المنظرين الأوربيين وهم :

توماس هوبز الذي عاش ما بين 1588 و 1679 للميلاد والذي صاغ في كتابه الصادر سنة 1651م نظريته في العقد الاجتماعي والتي اعتبر الإنسان بموجبها في بدايته كان يتمتع بحق مطلق على سائر الأشياء وكانت إرادته مطلقة في تحقيق كل رغباته مما نتج عنه الدخول في صراع مع غيره من بني جنسه صراع لا يحكمه سلطان إلا سلطان القوة قصد تحقيق هذه الرغبات فصار الإنسان ذئب لأخيه الإنسان  . واعتبر القوة والدهاء فضيلتان لدى إنسان الطبيعة إذ لا تمييز لديه بين العدل والظلم ولا وجود للقانون عنده وحيث لا جود للقانون لا وجود للإجحاف ولا وجود للعدل. واعتبر هوبز حياة الإنسان في حالة الطبيعة أو الفطرة حياة حرب وبؤس وكفاح حتى الموت لذا فكر هذا المخلوق من اجل البقاء جنسا ونوعا في إيجاد وسيلة للبقاء والتعايش فكان أن اتفق على العيش معا تحت إمرة سلطة واحدة توفق بين المصالح وتضع حدا للبؤس والصراع وهكذا نشا العقد الاجتماعي فانتهت حياة الإنسان الفطرية وابتدأت حياته الاجتماعية المنظمة .

جون لوك وعاش ما بين 1632 و1704 للميلاد والذي يشارك هوبز في اعتبار فكرة العقد الاجتماعي انتقلت بالمجتمع البشري من المجتمع الفطري إلى المجتمع السياسي والذي يختلف عنه في كثير من تفاصيل حياة الإنسان الفطري إذ يعتبر لوك أن الحياة الفطرية لم تكن بحياة الفوضى والوحشية ولم تكن حياة تحتكم إلى القوة بل كانت حياة فاضلة تخضع لقانون الطبيعة إذ كان الفرد إبانه مغمورا بروح العدالة بفطرته وان كان يتمتع بالحرية الشاملة في كل تصرفاته فانه لم يكن يضر بحريته حرية الآخرين وان الفوضى والحرب لم تحل بالمجتمع إلا بعد أن انتقل الإنسان من حياة الفطرة إلى حياة السياسة أي إلا بعد ظهور المجتمع السياسي ومشكل القيادة وهذا هو منشأ الصراع لديه .

وحسب لوك فانه لا يمكن للفرد العاقل أن يقبل بالانتقال من الحسن إلى الأسوأ إلا إذا كان هناك فضل أو امتياز يجب تحقيقه وهذا هو دافع إنسان الفطرة إلى الانتقال من حياة الطبيعة إلى حياة الجماعة إذ بالرغم من أن الإنسان كان يعيش حياة سعيدة في حياة الطبيعة فانه كان لزاما عليه العيش في كنف جماعة تكفل له قدرا من السلامة والاطمئنان على نفسه وعلى ممتلكاته لاسيما أمام غموض قواعد قانون الطبيعة واشتباك المصالح وضرورة وجود قاض منصف يحكم بين الناس . فقرر الإنسان لأجله الخروج من حياة الطبيعة إلى حياة المجتمع وهكذا تم إنشاء اتفاق مبني على رغبة الأفراد فنشا ما يسمى بالعقد لاجتماعي .

جان جاك روسو والذي عاش ما بين 1712 و1778 للميلاد والذي أصدر عام 1762م كتابا سماه العقد الاجتماعي . أعاد فيه صياغة نظرية العقد الاجتماعي ’ التي سبقه إليها في عصره كل من هوبز ولوك ’ صياغة جديدة بشكل جعلها ترتبط باسمه و بالرغم من أنه ليس أول من قال بها .واعتمده رجال الثورة الفرنسية الذين اقتبسوا منه عدة نظريات منها مبدأ سيادة الأمة والإعلان عن حقوق الإنسان لسنة 1789م ’ وهو الأمر الذي جعل مؤلفه هذا يوصف بإنجيل الثورة الفرنسية .[131] ويذهب روسو في هذا المؤلف على نحو ما ذهب إليه لوك في أن الإنسان كان حرا وسعيدا إبان مرحلة حياته الفطرية ’ إلا أن دخوله في الجماعة أفسده. ويبرر روسو ترك الإنسان لحياة الطبيعية ودخوله في الحياة الاجتماعية بكون الطبيعة لم توفر للإنسان كل حاجياته ومتطلباته وبتزايد المصالح الفردية وتضاربها وبتزايد حدة المنافسة وعوامل الشر وسيطرة الملكية الفردية التي حدت من الحرية التي كان يتمتع بها في الطبيعة مما أدى إلى فساد العدالة والمساواة الطبيعية التي كان ينعم بها .ولأجله سعى إلى تحقيق نظام يسوده العدل والفضيلة فكان السبيل إلى ذلك هو التعاقد على الانتقال من الحياة الطبيعية إلى الحياة الاجتماعية فكان العقد الاجتماعي.   

وهكذا ظهرت عدة مدراس تعيد أساس بناء القاعدة القانونية إلى المجتمع وأفراده من أجل تحقيق قدر من التنظيم أكثر عدالة ’ من جملتها مدرسة  التضامن الاجتماعي التي نادى بها جملة من الفقهاء مثل كلسن الذي يعتبر الدولة مثل الفرد مجبرة على احترام القانون والالتزام به وبالتالي فانه لا مركز أسمى لها من مركزه في التقيد بأحكامه[132].والفقيه الفرنسي ديغي DUGUIT  الذي يعتبر من خصوم فكرة الشخصية المعنوية على الإطلاق ولا يعترف باعتبار الدولة شخصية معنوية وإنما يعتبرها مجرد مجموعة من القواعد ويعتبر المجتمع يتكون من حكام ومحكومين وأن كلا منهم ملزم باحترام القانون والخضوع لأحكامه انطلاقا من مبدأ التضامن الاجتماعي الذي لا قيام للمجتمع بدونه وأن الأساس الذي تقوم عليه القاعدة القانونية واحد وكيف ما كان أطراف العلاقة القانونية وهذا الأساس هو مبدأ التضامن الاجتماعي المشار إليه .

وبعد الحرب العالمية الثانية وما بين القرن التاسع عشر والقرن العشرين ظهرت مدرسة أخرى على يد الفقيه الايطالي  فليبوكراماتيكا  تدعى مدرسة الدفاع الاجتماعي متأصلة من مدرسة علم الاجتماع التي تعود لمؤسسها الفقيه بران .

وطالبت هذه المدرسة ’في نطاق دفاعها عن الإنسان ’ بضرورة إصلاح المجتمع بإصلاح الخلل الاجتماعي الذي قد يؤثر سلبا على سلوك الناس وبضرورة الاتجاه نحو سياسة تشريعية قوامها إصلاح المجتمع بالوسائل الإنسانية الفعالة وقسمت هذه الوسائل إلى وسائل وقائية تتجلى في القضاء على الخلل الاجتماعي والى وسائل تدبيرية تتجلى في إعادة تكييف المحيط الاجتماعي للإنسان انطلاقا من طبيعته كانسان ولعل من أشهر رواد هذه المدرسة العالم الايطالي لمبروزو الذي يعتبر بمقتضاه من رواد مدرسة التوفيق بين المدرسة الطبيعية والمدرسة الاجتماعية بعد أن كان في السابق من رواد المذهب الفردي المتشدد في الطبيعة البشرية كأساس لتفسير السلوك البشري وبناء القاعدة القانونية بوجه عام . و ديتوليو الذي ادخل المنهج العلمي على نظرية لومبروزو بعد الانتقادات الشديدة التي وجهت إليها وأصبحت نظريته التي تعتبر امتدادا لنظرية لومبروزو نظرية توفيقية بين المدرستين .

ومن هذا المنطلق يجب القول بأنه إلى جانب هذه المدارس المعارضة لمدرسة القانون الطبيعي هناك مدارس توفيقية بين الاتجاهين تطالب بضرورة مراعاة الجانب الشخصي في الإنسان بالنظر إليه داخل محيطه الاجتماعي وبضرورة تأسيس القانون على مقتضيات طبيعية وفقا لمنهج علمي بيولوجي مع الاستعانة بالمبادئ العامة والأفكار الأساسية للعلوم الاجتماعية باعتبار أن الشخصية البشرية وحدة لا تتجزأ سواء من حيث الشكل أو الوظيفة أو الخصائص العضوية والخصائص النفسية والمؤثرات المادية والروحية. إلا أن مجال التفصيل فيها لا يبدو ذو أهمية في هذا البحث.

والجدير بالذكر هو أنه ليست المذاهب الاجتماعية وحدها من يعتبر من خصوم النظرية الشخصية. بل هناك مذاهب أخرى أخذت في معارضة هذه النظرية ’وهذه المبادئ هي مجموع ما يكون النظرية المادية التي تقضي بضرورة النظر إلى موضوع القاعدة القانونية في تحديد طبيعتها وبالتالي تأسيسها وما إن كان هذا العمل مدنيا أو تجاريا أو حرفيا أو مهني أو زجري أو عام أو خاص ’وذلك بصرف النظر عن شخص المكلف بها بحيث أن كل من مارس عملا يعتبر من قبيل أعمال المحاماة ’والحالة هاته’ يعتبر عمله عملا مهنيا يندرج ضمن مهام مهنة المحاماة .إلا أن الواقع غير ذلك إذ يوجد أشخصا يمارسون أعمالا يمكن اعتبارها بطبيعتها أعمالا تدخل ضمن مهام مهنة المحاماة ’كما هو الحال في عقود الوكالة بوجه عام وأعمال الوساطة وأعمال التحكيم وأعمال المستشارين القانونيين وغيرهم ’إلا أنه لايمكن اعتبارهم محامون بالمعنى القانوني للكلمة .وهذا هو وجه العيب فيها وما يبرر ضرورة وأهمية البحث في أساس بناء القاعدة القانونية المنظمة لكل مجال على حدا كما هو الشأن بالنسبة لهذا البحث.

ونشأت هذه النظرية ما بين القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر وتطورت في بداية القرن العشرين ثم مرحلة الحرب العالمية الثانية حيث ظهور المذاهب الاشتراكية وفرضت نفسها على الساحة التشريعية مع بداية العصر المعاصر إلا أن ما يعاب عليها إلى جانب ما ذكر هو أنها نظرية بدون مرجعية سواء كانت هذه المرجعية تاريخية أو فلسفية مما جعل اغلب الفقه يصفها بالنظرية اللقيطة بالإضافة إلى أنها تصيب معظم القوانين بالجمود’ لاسيما تلك التي تحتكم إلى العادات والتقاليد والأعراف و تتطلب مرونة معينة ’ كما هو الحال بالنسبة لقانون التجارة مما جعل كثير من الدول في تشريعاتها المعاصرة تتخلى عنها وتعود إلى نظريتنا الأولى لاسيما صاحبة المفهوم الواسع لها .[133]

رابعا:الفوائد العملية للنظرية الشخصية :

وليس الخوض في دراسة النظرية الشخصية على هذا المستوى دراسة من باب العبث ولكنها دراسة تنطوي على بعض الفوائد العملية التي تأتي كآثار مترتبة على إعمالها وهذه الآثار يمكن إجمالها كما يلي:

1.    النظرية المادية تجعل من العمل أساس القاعدة القانونية والنظرية الشخصية تجعل من الشخص أساس هذه القاعدة. ويترتب عليه أن كل من زاول عملا من أعمال مهنة المحاماة أو أي مهنة من المهن من منظور النظرية الأولى يعتبر محاميا في حين انه بمقتضى النظرية الثانية لا يعتبر ممارسا لمهنة من المهن إلا من كان منتسبا لها وفق شروط خاصة وعليه تكون الفائدة المترتبة من ذلك هي أن النظرية الشخصية تميز المحامي عن غيره من الأشخاص الذين يزاولون عملا يعتبر من أعمال مهنة المحاماة بحكم طبيعته .  

2.    ومن الفوائد المترتبة عن هذه النظرية كذلك هي تحديد من يتحمل أعباء مهنة المحاماة ومن يتمتع بحقوقها ذلك لان لمهنة المحاماة حقوق وواجبات تسمى وفق القانون المنظم لها حقوق وواجبات المحامين.[134] وهذه الحقوق والواجبات كثيرة ومتنوعة وتكاد تكون موحدة بين مختلف الدول العربية إلا أن التباين بشأنها بين الدول العربية والدول الغير عربية لاسيما الغربية منها واضح والفرق كبير ولعل التوصيات الدولية المشار إليها في هذا البحث جاءت أساسا لتقريب الهوة بين ما ذكر .

3.    تحديد من يتمتع بقواعد ومبادئ حصانة الدفاع المنصوص عليها في الباب الخامس من قانون تنظيم مهنة المحاماة بالمغرب. [135] ذلك أن هذه القواعد لا يمكن التشبث بمقتضياتها إلا إذا تعلق الأمر بمحام ممارس بصورة فعلية وفق القانون المنظم لمهنة المحاماة أما إذا كان من يمارس عملا من الأعمال التي تعتبر بحكم طبيعتها داخلة في أعمال الممارسة المهنة لمهنة المحاماة فانه والحالة هاته لا يمكن التشبث بمقتضياتها.

4.    ومن الفوائد المترتبة أيضا عن تطبيق هذه النظرية تحديد من يخضع لمسطرة التأديب التي يباشرها مجلس الهيئة عند الضرورة والتمييز بينه وبين من لا يخضع لها إذ أن مقتضيات هذه المسطرة لا يمكن إعمالها إلا إذا تعلق الأمر بمحام مقيد بجدول التمرين أو المحامين الرسمين أما الغير فيخضع للمقتضيات المسطرية العامة عند الاقتضاء .

5.    ومن الفوائد العملية المترتبة كذلك عن تطبيق هذه النظرية تحديد من له الحق في أن يكون احد الشركاء في الشركات المدنية للمحاماة من غيره’ إذ لا يخول القانون المغربي رقم 09/2008 الحق في هذه المشاركة إلا لمن كان محاميا وفق القانون المنظم لمهنة المحاماة بالمغرب.[136] وطبعا غيره من القوانين الأخرى سواء كانت عربية أو غير عربية .[137]

6.    توحيد الرؤيا إلى القاعدة القانونية المنظمة لمهنة المحاماة في العالم إذ ما يلاحظ بصدده هو أن التشريعات الدولية عموما متعددة ومختلفة و لا يمكن حصرها أو الوقوف عليها بشكل سهل عند الضرورة اما إذا كان هناك منهج علمي يجمع بينها فطبعا إن معرفة توجهاتها العامة وإمكانية الوقوف على بعض تفاصيلها سوف يكون أمرا سهلا.

7.    كذلك من جملة الفوائد العملية المترتبة على إعمال هذه النظرية تمهيد الطريق نحو إيجاد صيغة لتوحيد مختلف القوانين الدولية في المجال المهني لمهنة المحاماة لاسيما وان إشكالية إيجاد قانون عربي موحد لمهنة المحاماة من الإشكاليات التي تطرح نفسها على الساحة في كثير من المناسبات .

وعموما فان لهذه النظرية في مجال التطبيق فوائد متعددة لا يمكن حصرها .ويمكن إجمالها في تحديد من يخضع لقانون مهنة المحاماة من غيره .وفي إيجاد صيغة لتوحيد القوانين الدولية بهذا الصدد’ بهدف إيجاد محاماة دولية ’اسوة بوجود القضاء الدولي’ الذي يتطلب هذه المسالة التي لن تتحقق إلا بقيام محاماة دولية مقننة بصورة دولية موحدة حرة ومستقلة لأجل قضاء دولي قوي ونزيه ومستقل .وذلك ضمانا لمبدأ المحاكمة العادلة والمنصفة ’كما تتوخاها مختلف التوصيات الدولية في هذا المجال .

الخاتمة:

وكخلاصة لهذا العمل المتواضع وعلى ضوء هده المقاربة التاريخية والفلسفية تبدو الإجابة عن إشكالية هذا الموضوع ذات أهمية علمية وعملية تساعد في تعميق النظر إلى مهنة المحاماة وتساهم في إعطاء الرؤيا الواسعة والدقيقة عن مختلف المبادئ العلمية والفقهية والإنسانية التي تحكمها وتجعل منها مهنة منبثقة من ذات القائم بها ومرتبطة بواقع المجتمع ومتفرعة من ذات كيانه وبنياته الأساسية التي بدونها لا تقوم له قائمة  . فإذا كانت مهنة المحاماة مهنة ترتبط أساسا بمفهوم العدالة وتحقيق المساواة بين الناس ومختلف شرائح المجتمع فانه بات من المنطقي أن تقوم على أسس منطقية وعادلة تضمن لكل فئات المجتمع ليس فحسب الاستفادة من خدماتها ولكن أيضا الولوج إليها دون أدني مراعاة لمعوقات ذلك ودون ميز أو تحيز عملا بقواعد إنسانية عادلة ومتميزة قل نظيرها في تنظيمات وتشريعات أخرى وكل ذلك يدل على نبل غايتها وسمو دورها داخل المجتمع المتحضر وابتعادها عن كل أشكال التحيز أو التطرف حفاظا على أصالتها وعراقتها منذ القدم . 

والحمد لله رب العالمين

القنيطرة في 21/1/2011

 

 

المراجع:

1.    القران الكريم.

2.    السنة النبوية الشريفة.

3.    نظرية التعلم دراسة مقارنة الجزء الثاني .  ترجمة علي حسين حجاج .

4.    الوسيط في القانون التجاري المغربي والمقارن الجزء الأول .الدكتور شكري احمد السباعي.

5.    النظرية العامة للقانون الجنائي المغربي الجزء الأول . الدكتور سامي النصراوي.

6.    القانون الدستوري والنظم السياسية الجزء الأول . الدكتور مصطفى قلوش.

7.    علم الإجرام . الدكتور سامي النصراوي.

8.    مبادئ التشريع الإسلامي.  الدكتور خالد عبد الله عيد.

9.    مجموع من الفتاوى الكبرى للإمام بن تيمية المجلد السادس. إعداد محمد سعيد اللحام.

10. مجلة الإعجاز العلمي العدد الثاني والعشرون رمضان 1426ه. الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القران والسنة.

11. مواقع الكرتونية مختلفة ومراجع أخرى واردة بالمراجع المشار إليها أعلاه.



[1]  تعاليم الكنيسة الإغريقية و الرومانية والأوربية +أحكام الشريعة الإسلامية +الديانات الفرعونية...والمذاهب الثيولوجية بوجه عام.

[2]  سنة 2010 للميلاد.

[3]  سورة المائدة الآية 48

[4]  راجع أبواب صياغة القاعدة القانونية في مراجع المدخل لدراسة القانون نظرية القانون.مثال المدخل لدراسة القانون للعميد آمال جلال .

[5]   مدرسة الحوليات والسياق الاسطوغرافي’ وعادة ما يناقش مثل هدا الموضوع بمناسبة الكلام عن إشكاليات فهم المجتمع وتعود نشأته حسب بعض الباحثين إلى الفيلسوف الفرنسي هنري بير  (Henri Berr)في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي وتزامن ذلك مع ظهور المدرسة السوسيولوجية لدوركايم ومارك بلوك.

[6]  راجع كتاب نظرية التعلم لجثري .1886م الى1909م. دراسة مقارنة الجزء الثاني تحرير جورج غردا و رموند جي كورسيني بمشاركة كتاب آخرين وترجمة د علي حسين حجاج ومراجعة أ د عطية محمود هنا ( سلسلة كتب ثقافية يصدرها المجلس الوطني والفنون والآداب بالكويت )

 قسم التعلم بالمكافئة والعقاب "الإثارة والارتباط بين المثير والاستجابة لجثري ص69"

[7]  منذ أزيد من 40000 (أربعين ألف ) سنة قبل الميلاد ظهر في المغرب إنسان أكثر تطور إذ كان يعرف استعمال النار وممارسة الصيد وجمع المحارات وأحسن القنص ودبغ الجلود وبناء الخيام والحواجز الواقية من الرياح.  

[8]  نظريات التعلم عند جثري تفيد أن التعلم هو القدرة على الاستجابة بصورة مختلفة في موقف ما بسبب استجابة سابقة للموقف ..وهده القدرة هي التي تميز تلك الكائنات الحية التي وهبها الإدراك العام أو الحكم السليم بمعنى أن التعلم هو مجرد تغير سلوكي وليس تحسنا بالضرورة عن كتاب نظريات التعلم دراسة مقارنة الجزء الثاني مرجع سابق.

[9]  سورة البقرة الآية 30

[10]  سورة المائدة الآية 29

[11]  الأعمال والأيام لهسيود ( 800 سنة قبل الميلاد

[12]  عبيد المزارع بأمريكا

[13]  سورة طه الاية23 إلى 34

[14]  الآية من 9 إلى 13 سورة الشعراء

[15]  سنة 59 ق م تقريبا

[16]  طه الاية23

[17]  جورسيبيديا

[18]  بحوالي 3500سنة قبل الميلاد إلى نهاية عهد الرومان

[19]  يعتبر هو منشئ النظرية الكلاسيكية التي تعتبر أصل النظرية الشخصية المعتمدة في بناء الحضارة الأوربية للعصور الوسط

[20]  القول بهذا التاريخ راجع إلى أن واقعة اكتشاف الزراعة تعتبر من المحطات الكبرى في تاريخ البشرية والتي يقاس عليها في علم التاريخ أما الظهور الفعلي لأول جماعة بشرية منظمة فيعود لأزيد من خمسين ألف سنة قبل الميلاد وهو تاريخ تغير سطح الأرض المشار إليه أعلاه بالإضافة إلى أن هدا  الأخير غير متفق بين العلماء

[21]  كان المجتمع القبلي الأمزيغي بمنطقة المغرب الأقصى وقبل دخول الفينيقيين و القرطاجيين إليه يتكون من مجموعتين ’المجموعة الأولى كانت تتألف من مكونات المجتمع وهي اتحاد القبائل والقبيلة ومجموعة الأسر والمجموعة الثانية كانت تتألف من أصحاب القرار والسلطة وهم الاكليد أي الملك و أجماعة برئاسة أمغار أي رجل وسلطة الأب و لا يقصد به الأب المباشر فقط وإنما ينصرف أيضا للدلالة على الجد وان على .

 [22]  (سلطة عليا في المجتمع العربي القديم)

[23]  قصته مع السمنية وهي واردة أدناه دليل على براعته في اختيار الحجة وتوليه أمر الدفاع عن القبيلة وعن العقيدة وغيرها .

[24]  كان المدح به قبل العصر العباسي مسالة مذمومة قد تستوجب القتل في بعض الحالات ولكن توفر الصفة كان أمرا مطلوبا .

[25]  النظريات الفيزيولوجية التي اعتمدت كبديل لنظرية لمبروزو في العصر المعاصر والمنبعثة عن المذهب الفردي في تحليل الشخصية البشرية وأنماطها السلوكية بوجه عام والإجرامية بوجه خاص.

[26]  سنة 476 للميلاد.

[27]  سنة 610 للميلاد.

[28]  كان ذالك من جانب الحضارة الإسلامية فقط أما من جانب الحضارة الأوربية فلم يظهر مثل هدا القول إلا ببزوغ فجر العصر الحديث وسن قانون تشابلييه

[29] حديث شريف معروف بين الجمهور وهو " قال رسول الله بماذا تقضي إذا عرض لك قضاء ؟أجاب معاد بكتاب الله.فقال رسول الله (ص)وإذا لم تجد.؟ أجاب بسنة رسوله .قال وإذا لم تجد؟ قال اجتهد رأيي ولا الو أي ولا اقصر "رواه البخاري ومسلم.

 

[30]  بعد وفاة إدريس الأول تولى الحكم ابنه الثاني فكان من جملة منجزاته أن عين الوزراء والكتاب والقضاة والولاة والعسكر الذي كان يتألف من الفرسان وكانوا من العرب ومن المشاة وكانوا من الأمازيغ والذي يهم في هدا الموضوع هو القضاة

[31]  هو القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض بن عمرون بن موسى بن عياض بن محمد بن عبد الله بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي المولود سنة 476 هـ (1083م) بمدينة سبته و يقال أن بينه و بين الإمام مالك صلة القربى ويعود أصلهما إلى قبيلة حمير باليمن وله من المؤلفات ما اشتهر وداع صيته مثل كتاب الشفا.

 

[32]  أي تعريفها من حيث إعمالها في باب القضاء ويمكن القول عنه بالتعريف الضيق أو الجزئي لها وهدا معناه أن لها مجالات أخرى غير القضاء كالبيوع و الاكرية والمناكحات ولكنها لا تدخل في المعنى الذي نريده في هدا الباب .

[33]  بحثنا حول دور مهنة المحاماة في تنظيم المجتمع وتحقيق العدالة ط الثانية 3/2/2011 مزبدة ومنقحة.

[34]  مسالة طبيعية أن تساير أحكام الشريعة الإسلامية كلا آو بعضا من النظريات البشرية آو الوضعية لأنها جاءت للناس كافة ومسايرة لكل الأزمان والعصور وأستدل في ذلك بقوله تعالى " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين "  سورة الأنبياء الآية 107 وقوله عز من قائل " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى" سورة المائدة الآية 48

[35]  لويس التاسع عشر على سبيل المثال.

[36]  Droit professionnel

[37]  إنشاء محاكم تجارية وهي أول المحاكم من النوع المعروف حاليا بأوربا وظهور فئة المدافعون أمام المحاكم التجارية.

[38]  من خصائص القاعدة القانونية أنها قاعدة عامة ومجردة بمعنى أنها تسري على كل الأشخاص لشروطهم وليس لذواتهم وذلك ضمانا لمبدأ المساواة أمام القانون 

[39]  ترجمة للكلمة الفرنسية Barreau التي تعني بالعربية هيئة وبالانجليزية Law the bar ويقصد به هنا حانة التمرين أو الدرس(inn of court)

[40] شبيه بدار الندوة التي وجدت لدى العرب الجاهلية قبل الإسلام

[41]  و الفيودالية عموما هي تنظيم اقتصادي واجتماعي وسياسي ظهر بأوربا خلال العصور الوسطى (مابين 476 و 1453 م) إلا أن الواضح هو أن الباحثون والمؤرخون اختلفوا في تحديد هدا التاريخ فمنهم من قال ببدايته في القرن الخامس ومنهم من قال بالقرن التاسع ومنهم من قال بالقرن الحادي عشر ومنهم من قال بالقرن الثاني عشر ومنهم من قال بالقرن الثالث عشر والكل للميلاد .والله اعلم.

 

[42]  فيودا لي الميدان أو بالميدان  والأمثلة على ذلك كثيرة مثل الميدان الملكي والميدان العسكري إلا أن أشهرها هو الميدان العسكري يضاف إليه أن الفيودالية خلال العصور الوسطى أصبحت تشكل نمطا من أنماط الحياة والإنتاج باوربى وغيرها مثل اليابان والصين وبعض أقطار إفريقيا وذلك تمشيا مع آراء بعض المنظرين الاقتصاديين مثل ادم سميت وأقطاب الفكر الماركسي اللينيني الذين أصبحوا يستعملون تعبيرين مختلفين لذلك وهما نمط الإنتاج الفيودالي أو النظام الفيودالي كذلك فان الفيودالية خلال هده العصور سيطرت على كل الميادين بما في ذلك الميدان المهني والقضائي الذي كان لا يقل شهرة عن الميدان العسكري في هذا المجال ...

[43] يعتبر القضاء من المرافق التقليدية التي لا يمكن تركها للخواص منذ القدم إلا انه في العالم المعاصر بدأ يطفو على سطح الساحة نوع من الخوصصة المتعلقة بالقضاء مثل نظام الوساطة ونظام الوسائل البديلة لحل المنازعات (بروتوكول تعاون ممول من طرف الحكومة البريطانية حول برنامج الوسائل البديلة لحل المنازعات بين وزارة العدل في المملكة المغربية ومنظمة البحث عن أرضية مشتركة بتاريخ 29 ذو الحجة 1424 الموافق 20 فبراير 2004)

[44]  " المحاماة مهنة حرة ’مستقلة تساعد القضاء وتساهم في تحقيق العدالة ’والمحامون بهذا الاعتبار جزء من أسرة القضاء" المادة 1 الباب الأول القسم الأول من القانون رقم 28/08 المنظم لمهنة المحاماة بالمغرب

[45]  قول الله تعالى في سورة البقرة الآيات 33 .34 .35  " وقلنا يا ادم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هده الشجرة فتكونا من الظالمين فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين "

[46]  كتاب حركة الأسعار و المداخيل في فرنسا خلال القرن الثامن عشر لإرنست لابروس (Ernest Labrousse)، الصادر سنة 1933، وكتاب المجتمع الفيودالي لمارك بلوك، الصادر عام 1936.

 

[47]  في قانون حمو رابي كان سارق العبد يعاقب بالإعدام ونفس العقاب كان مقررا لمن يأوي رقيقا مبحوثا عنه أو يساعده على الهرب .

[48]  كان في عهد القيصرة كاترينا الثانية بروسيا القيصرية يحق للإقطاعي إكراه العبيد على العمل لصالحه دون اجر وله حق إنزال العقاب عليهم بالإشغال الشاقة في منطقة سيبيريا..راجع النظرية العامة للقانون الجنائي لسامي النصراوي ج1ط1986ص10.

[49]  بلغ عد الجرائم المعاقب عليها بالإعدام قبل الثورة الفرنسية إلى ما يزيد على 115 جريمة.

[50]  كتب جان جاك روسو :"ما يفقده الإنسان بالعقد هو حريته الطبيعية وحقا لا محدودا في كل ما يغريه وما يستطيع بلوغه اما ما يكسبه فهو الحرية المدنية وملكية ما هو في حيازته " في العقد الاجتماعي لجان جاك روسو ترجمة ذوقان قرقوط ص55

[51]  تنص المادة الأولى من القانون الجنائي السفياتي على أن مهمة القانون الحنائي هي حماية النظام الاجتماعي السفياتي ونظام الدولة السوفيتية والملكية المشتركة..."

[52]  الاتفاقية الدولية الصادرة بين المغرب وفرنسا والمنشورة بالجريدة الرسمية عدد 3060 بتاريخ23/6/1971 الصفحة 1347 بمقتضى الظهير الملكي الشريف رقم 015.71.1 بتاريخ16/6/71 والمغيرة للاتفاقية الدولية المبرمة بين المغرب وفرنسا والنصين الملحقين به والبروتوكول المتعلق بالمهن القضائية الحرة والأعمال ذات الصبغة القانونية والموقع عليها بالرباط بتاريخ20/5/65 والمذكرات المتبادلة بتاريخ23/12/68 و8/4/69

[53]  قانون 1971 و1977 2004 لتنظيم مهنة المحاماة بفرنسا

[54]  المادة 183و184 من مرسوم 27 نوفمبر 1991

[55]  أصول مهنة المحاماة للمحامي جاسر زهير خليل موجود على الانترنيت .

[56]  راجع جورسيبيديا القانون المقارن.

[57]  جورسيبيديا القانون المقارن مرجع سابق.

[58] التشريع المغربي على سبيل المثال

[59]  هو ما يشكل نقابة المحامين بانجلترا.

[60]  تختلف عن الأسهم التجارية ولا يمكن اقتناءها إلا من طرف المحامون فقط

[61]  ينبغي الإشارة إلى أن أمريكا لم تجرد مهنة المحاماة من صبغتها العامة المتمثلة في مساعدة القضاء ’وإنما وبالرغم من الصبغة التي تضفيها النزعة الليبرالية على مهنة المحاماة بأمريكا فإن هذه الأخيرة لزالت تعتبر وظيفة بها. وان اعتماد أمريكا على مناهج علمية ملتوية في انتقاء المرشحين لمهنة المحاماة لا يعتبر عيبا في حد ذاته وإنما يمكن اعتباره عائقا دون تسهيل الولوج أمام الراغبين في ذلك لاسيما وان هذا النمط ساهم في ظهور شركات مهنية ضخمة تنافس الشركات التجارية الكبرى ذاتها وهو الأمر الذي يسهم بدوره في الرفع من مستوى الاقتصاد الوطني لأمريكا ككل.

[62]  جورسيبيديا القانون المقارن.

[63]  حسب الولايات المكونة للاتحاد الفيدرالي الأمريكي

[64]  يذكرنا هذا الشرط بنظرية الوراثة في تحديد الأنماط الشخصية و المهنية .

[65]  بحث حول القوانين الاشتراكية لمجموعة من الطالبات . موجود على الانترنيت.

 

[66]  للمزيد راجع نظام المحاماة في النظام القضائي الصيني بحث موجود على الانترنيت.

[67]  المادة الخامسة من القانون المذكور.

[68] الفقرة الثانية من المادة 32 من القانون المغربي السالف الذكر

[69] الباب الثاني الفرع الأول المادة الخامسة الفقرة رقم 3 من ظهير 20/10/2008

[70]  اتحاد المحامون العرب جورسيبيديا القانون الإسلامي

[71]  انقسام العهد الروماني إلى ثلاث عهود وما تخللها من انقلابات واغتيالات وتهافت من اجل مركز القرار .

[72] ظهير 20/10/2008 قانون رقم 28/08

[73]  راجع قسم مهنة المحاماة بالمغرب وهو :"اقسم بالله العظيم أن أمارس مهام الدفاع والاستشارة بشرف وكرامة وضمير ونزاهة واستقلال وإنسانية وان لا أحيد عن الاحترام الواجب للمؤسسات القضائية وقواعد المهنة التي انتمي إليها وان أحافظ على السر المهني وان لا أبوح أو انشر ما يخالف القوانين والأنظمة والأخلاق العامة وامن الدولة والسلم العمومي ." المادة 12 من القانون المنظم لمهنة المحاماة بالمغرب .

[74]  المادة 91 من القانون رقم 28/2008 المنظم لمهنة المحاماة بالمغرب .

[75]  الاية48 سورة المائدة و يراجع أيضا في هدا السبيل مبادئ التشريع الإسلامي الطبعة الأولى لسنة 1986 لصاحبه الدكتور خالد عبد الله عيد صفحة التوطئة.

[76]  أصل ظهور هده النظرية بأوربا يعود إلى نظام الطرائف المهنية والحرفية والصناعية ويعتبر العمل التجاري على رأس أعمال واهتمامات هده الطوائف لدى فانه يشكل زاوية هامة في مثل هده الدراسة .

[77]  سورة أل عمران الآية 123.

[78]  سورة آل عمران الآية 154.

[79]  قصة الفلسفة اليونانية لأحمد أمين وزكي نجيب محمود الطبعة 1949 ص168-169

[80]  النظرية العامة للقانون الجنائي المغربي للدكتور سامي النصراوي الجزء الأول طبعة 1986 ص22

[81]  كانت شريعة حمو رابي فبل ظهور فكرة القانون الطبيعي تقضي في مادتها 205 بقطع أذن العبد الذي يضرب سيده وبجلد الجاني إذا كان اقل مركزا من المجني عليه وفي المادة 209 كانت تنص على انه إذا ضرب رجل حر ابنة حر وتسبب لها في إجهاض يلزم بدفع تعويضا يعادل عشرة شيكل من الفضة وبالمادة 211 إذا ضرب حر ابنة رجل من الموشلينوم وأجهضت بسببه فان التعويض ينخفض إلى خمس شيكل فقط ويقول اريسطو في هدا الصدد " مهما يكن من شيء فان البعض هم بالطبع أحرارا وآخرون بالطبع عبيد وان الرق في حق هؤلاء نافع بمقدار ما هو عادل " انظر ارسطوطاليس في كتاب السياسة ترجمة احمد لطفي السيد ط 1947 ص103 .

[82]  كتاب الجمهورية لأفلاطون ترجمة فؤاد زكريا الطبعة 1968 ص 233 -234 .

[83]  تمثل الضرورة في هدا السياق صورة لقانون كلي عام يجب أن تسير الحياة البشرية وفقا له.راجع في هدا الصدد مشكلة الحرية لصاحبه زكريا إبراهيم ط 1964 ص47 – 48 .

[84]  بالنظر إلى أساس القاعدة القانونية من هده الناحية يلاحظ أنها في القديم كانت تسن من اجل حماية الدين و الآلهة ورجال الدين وبعده أصبحت توضع لحماية الحاكم وسلطته وفي العصر الحاضر أصبحت القاعدة القانونية في كل فروعها تسن أساسا لحماية المصلحة الاقتصادية للبلد راجع في هدا الصدد سامي النصراوي مرجع سابق ص 7 .

[85]  شكري احمد السباعي مرجع سابق.

[86]  سورة آل عمران الآية 164

[87]  سورة الشورى الآية 49

[88]  مظاهر الإعجاز العلمي في القران ’ راجع بصدده مجلة الإعجاز العلمي تصدر عن الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القران والسنة العد الثاني والعشرون رمضان 1426ه وما يليه

[89]  كتاب مجموع من الفتاوى الكبرى للإمام ابن تيمية مرتب على الأبواب الفقهية ومخرج الأحاديث على مسند الإمام احمد المجلد السادس دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع الجزء السادس في بغية المرتاد (السبعينية) في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية أهل الإلحاد القائلين بالحلول والاتحاد إعداد محمد سعيد اللحام ص 351

[90]  مشهور بين الجمهور . وما يلاحظ بشأنه هو وجود حديث يسير بالاتجاه المعاكس ومفاده " ستفترق أمتي بنيف وسبعين فرقة كلهم في الجنة إلا الزنادقة " راجع كتاب ابن تيمية المرجع السابق ص 72 والله اعلم.

[91]  الآية 18 سورة المائدة

[92]  سورة الأحزاب الآية 46

[93]  سورة المائدة الآية 21

[94]  الآية 1 سورة النساء

[95]  الآية 3 سورة الأنعام

[96]  سورة السجدة الآيات من 6 إلى 8

[97]  مبادئ التشريع الإسلامي للدكتور خالد عبد الله عيد ط 1 ص من 17 إلى 31

[98]  سورة النجم الآيات 27/28/29.

[99]  الآية 77 سورة القصص .

[100]  سورة المائدة الآية 4

[101]  الأنظمة الاشتراكية ونظام الخطة.

[102]  الآية 285 سورة البقرة ..

[103]  سورة النجم الآيات 37/38/39/40.

[104]  الآية 27 سورة يونس .

[105]  من مظاهر الإعجاز العلمي في القران تصريف الرياح التي تبث وفقا لمقياس بيفورت المتدرج beaufort ‘s scale  المعتمد لدى المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أنها تربو عن اثني عشر تصريف كل واحد منها له آية تخصه في القران الكريم إلى أن انتهى إلى التصريف المتعلق بالإعصار والوارد في قوله تعالى "فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت " سورة البقرة الآية 266  بالإضافة إلى اكتشاف جديد في عالم الرياح وهو التيارات النفاثة الواردة بسورة المرسلات وسورة الأعراف بقوله سبحانه وعلى الأعراف رجال .والمتواجدة على علو جد مرتفع في الجو والتي تشبه في تموجاتها عرف الديك أو الفرس لدى جاء في لقران لفظ عرفا بعد المرسلات راجع مجلة الإعجاز العلمي في القران ص 50حرب الأعاصير لمحمد دودح مرجع سابق .

[106]  سورة المائدة الآية 56

[107]  :" إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة وان أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة’ كلها في النار’ إلا واحدة هي الجماعة." صدق رسول الله.

[108]  ذكره الإمام احمد وكثير من آخرين  وقال أن هده الطائفة هي أهل الحديث.

[109]   هو أبو عبد الله محمد بن سلام البيكندي وهو شيخ الإمام البخاري .

[110]  صحيح مسلم ح رقم 2669 ورواه الإمام احمد في المسند الأحاديث رقم 11800/11843

[111]  يقول بن تيمية في هذا الصدد المرجع السابق ص10 :" لأنهم يستعملون ألفاظا ومصطلحات خاصة بهم فيفسرونها فيما بينهم حسبما اصطلحوا لها من معان اما أمام المسلمين وخوف أن يرموا بالكفر ويعاقبوا عليه يدعون أمام المسلمين أن معانيها لا تختلف عن قول الإسلام الحقيقي في هذه الأمور لكنهم اصطلحوا لها هذه الألفاظ تيسيرا للبحث."

[112]  يقصد بها العلوم التطبيقية ولا يقصد بها العلوم النظرية .

[113]  كتاب مجموع الفتاوى الكبرى مرجع سابق ص 198/199

[114]  سورة إبراهيم الآية 1

[115]  راجع الدكتور خالد عبد الله عيد ص76 مرجع سابق

[116]  سورة النجم الآيات 37/38/39/40.

[117]  سورة آل عمران الآية 164

[118]  يذهب احد العلماء الغربيون الباحثون في مجال التعلم إلى أن طرق التعلم تنقسم إلى نوعين الأول هو طريق العقل والثاني هو طريق الوحي وان طريق الوحي هو الطريق الأمثل مؤكدا ذلك بقوله " طوبى لمن اهتدى إلى التعلم عن طريق الوحي ..."

[119]  كالقواعد الفيزيائية أو الكيميائية التي تقضي بحدوث ظواهر طبيعية معينة عند حدوث أخرى مثل قانون تبخر الماء الذي يقضي بكلما بلغت درجة الحرارة تحت قدر الماء مائة درجة فوق الصفر تبخر ما فيه من  الماء وكالقاعدة العلمية الطبيعية التي تقضي بلا شيء يخلق جديدا ولا شيء يضيع ولكن الكل يتحول وهو ما يثبته ثبات وزن الكرة الأرضية وعدم تغيره مع مر السنين rien ne se perd rien ne se crée mais tout se transforment... الخ.

[120]  المقولة المشهورة لابن خلدون ومعظم علماء الاجتماع والتي مفادها:"أن الإنسان حيوان اجتماعي بطبعه "

[121]  سورة الأحزاب الآية 26 .

[122]  يقول صاحب مجموع من الفتاوى الكبرى للإمام بنم تيمية المرجع السابق في هدا الصدد :"كما يقولون ما يذكره أبو حامد في مواضع من الفرق بين عالم الملك والملكوت والجبروت ويفسرون عالم الملك بعالم الأجسام وعالم الملكوت بعالم النفوس لأنها باطن الأجسام وعالم الجبروت بالعقول لأنها غير متصلة بالأجسام ولا متعلقة بها ...ولا دل كلام احد من السلف والأئمة على التقسيم الذي يذكرونه بهذه الألفاظ وهم يعبرون بهذه العبارات المعروفة عند المسلمين عن تلك المعاني التي تلقوها عن الفلاسفة وضعا وضعوه ..."راجع بن تيمية مرجع سابق ص23

[123]  القانون الدستوري والنظم السياسية ج 1 الدكتور مصطفى قلوش ص 11

[124]  كالعلوم الجنائية وعلم النفس ومجال التربية والرعاية والتعليم ومجال الاختبار المهني وغيره.

[125]  ذهب العلماء بعيدا على مستوى علم النفس من منظور القانون الطبيعي والنظرية الشخصية وانتهوا إلى نظريات نمطية تحد الميولات الشخصية المهنية وأيضا نظريات ذاتية في الاختبار المهني وناقشوا على مستواها مسالة التوجه المهني’ ومن المراجع المناسبة لهذا المثل كتاب سيكولوجية المهن لصاحبه دونالاد سوبر.واعتبروا الأنماط المهنية تنقسم إلى ستة أقسام وهي :النمط العقلي ويناسبه من المهن كمثال مهن المختبرات والنمط الاجتماعي ويناسبه من المهن كمثال مهن التربية ورعاية الطفولة النمط الواقعي ويناسبه من المهن كمثال المهن الميكانيكية والتكنولوجية وغالبا ما يكون هذا النمط عدوانيا والنمط الفني و يناسبه من المهن مهن الفن بوجه عام والنمط التقليدي ويناسبه من المهن المحاسبة والسكرتارية وغيرها وأخيرا النمط المغامر ويناسبه من المهن القيادة والإدارة والتجارة والسياحة والمحاماة ... ويمتاز بقدرته على إقناع الآخر وبالمهارة اللغوية ويفضل المهام الاجتماعية الغامضة والمعقدة ويكره استعمال لغة محددة والأشغال التي تتطلب فترة طويلة من الجهد الذهني كما يمتاز بحب السيطرة والمغامرة والعدوانية...

[126]  مسالة شبيهة باختبارات التعلم القانوني والولوج إلى أسلاك المحاماة بأمريكا وهي أيضا لاتبتعد كثيرا عن نظرية التعلم الاجتماعي لروتر وجليان بي راجع نظريات التعلم دراسة مرجع سابق ص 204 و 216

[127]  للمزيد راجع كتاب علم الإجرام للدكتور سامي النصراوي ط  1987ص95

[128]  قوله صلى الله علي وسلم:" الكيس من أدان نفسه ". والكيس هنا بمعنى العاقل .حديث مشهور بين الجمهور. وقال أيضا :" قوام المرء عقله’ولا دين لمن لا عقل له." صدق رسول الله الحديث مشهور.وقال سهل بن هارون :"العقل رائد الروح ’والعلم رائد العقل ’ والبيان ترجمان العلم ".

[129]  يقول جهم بن صفوان في هذا الصد :"إن الإنسان لا يقدر على شيء يوصف بالاستطاعة وإنما هو مجبور على أفعاله لا قدرة له ولا إرادة ولا اختيار وإنما يخلق الله الأفعال فيه كما يخلق سائر الجمادات وتنسب إليه الأفعال مجازا كما تنسب للجمادات إذ يقال أثمرت الشجرة وجرى الماء وتحرك الحجر وطلعت الشمس وغربت و تغيمت السماء وأمطرت والثواب والعقاب جبر كما أن الأفعال كلها جبر " راجع سامي النصراوي في النظرية العامة للقانون الجنائي مرجع سابق ص 26 .

[130]  التعلم بالمثير والاستجابة نظريات التعلم مرجع سابق ص29

ويقول رويتر في هذا الصدد :"إنها نظرية تعلم اجتماعي لأنها تؤكد على الحقيقة القائلة أن أشكال السلوك الأساسية أو الرئيسية يجري تعلمها في المواقف الاجتماعية وهي تلتحم بصورة لا فكاك فيها مع الحاجات التي يتطلب إرضاؤها توسط أشخاص آخرين "ومعناه يقول صاحب كتاب نظريات التعلم أن الفرد يطور القدرة على اقتفاء اثر المكافئة وتجنب العقاب في سياق اجتماعي واسع أو التوسط بين الأشخاص .كتاب نظرية التعلم مرجع سابق ص207

[131]  يقول روسو في مقدمة هذا الكتاب : "ولد الإنسان حرا إلا انه مكبل في كل مكان بالأغلال على ذلك النحو يتصور نفسه سيدا أكثر من الذي لا يعدو أن يكون أكثر عبودية فكيف جرى هذا التغيير؟ أجهل ذلك وما الذي يمكنه أن يجعله أكثر شرعيا؟ اعتقد أني استطيع حل هذه المسالة ."جان جاك روسو في العقد الاجتماعي ترجمة ذوقان قرقوط  ص 35

[132]  يقول كلسن في هدا الصد :" إن القواعد القانونية لا يمكن أن تختلف تبعا لنوع العلاقة التي تنظمها أو تبعا لصفة الأفراد الداخلين في تلك العلاقة وإنما تختلف باختلاف الأحكام التي تتضمنها والتي يرتبها القانون استقلالا عن إرادة أي طرف ملزما بها ..." مصطفى قلوش مرجع سابق ص 9

[133]  كالقانون الألماني الذي ينص على :"يعد تاجرا كل شخص اتخذ له حرفة من تعاطي أعمال الإنتاج أو التداول أو المضاربة أو التوسط فيما عدا الحالات المنصوص عليها في القانون " والقانون التونسي الذي يذهب إلى  :" يعد تاجرا كل من يباشر على وجه الاحتراف " والقانون الكويتي والفرنسي ...

[134][134]  الباب الرابع من ظ 20/10/2008 المتعلق بتنفيذ القانون رقم 28/08 المنظم لمهنة المحاماة بالمغرب .والباب الثاني من القانونرقم 17 لسنة 1983 المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة بمصر...

[135]  القانون 28/2008.

[136]  المادة الثانية من القانون رقم 09/2008 المنظم للشركات المدنية لمهنة المحاماة بالمغرب .

[137]  يسير على هذا النحو الشركات المدنية والتعاونيات المهدية لمهنة المحاماة بأمريكا وانجلترا وفرنسا وكثير من الدول العظمى كروسيا واليابان كمثال وهي شركات تنافس في أسهمها الشركات التجارية ذاتها ولا يمكن أن يكون شريكا فيها أو يقتني أسهمها إلا من طرف من كان محاميا وفق القانون المعمول به في هذا الشأن.

 الرجوع









 

Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement