English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

موقع الأستاذ حسن فيلالي
رحاب المحاماة الجديد

البحث الثالث


المصلحة في الفقه الإسلامي
1989 _ _1990
المقدمة
لايجا دل احد في أن مصالح العباد جاءت من مقاصد الشارع الحكيم ،وفي أن فقهاء المسلمين اتفقوا على آن أحكام الشريعة الإسلامية ،جاءت كلها معللة بمصالح العباد ،وان الشريعة الإسلامية تعتمد على الكتاب والسنة والإجماع والقياس ،كمصادر لاستقاء أحكامها ،وانه قد تفرع عنها عدة علوم أخرى من جملتها الفقه الإسلامي .
والفقه الإسلامي في اللغة هو مجموع ما يدركه المجتهد بعقله من أحكام، ويفهمه عند قراءته للنصوص أو تعرضه للإجماع أو القياس.وفي الاصطلاح هو مجموع الأحكام الشرعية التي استنبطها الفقهاء من أدلتها التفصيلية عملا بقول الله تعالى : " يا أيها الدين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والى الرسول "[1]
والفقه الإسلامي باعتباره احد العلوم المتفرعة عن الشريعة الإسلامية، لابد له من أن يتصف بذات الخصائص التي تتسم بها الشريعة السمحاء،لأنه كما يقول الفقهاء ،هو من طبيعتها أي من طينتها . إلا هدا ليس معناه انه سيحوز كل الخصائص التي تتسم بها، وإنما هناك فارق بينهما لان الفقه جزء من الشريعة والشريعة اعم من الفقه.
والمهم من هدا الموضوع ،هو الجانب من الخصائص التي يتمتع بها الفقه الإسلامي والتي يستمدها من الشريعة الإسلامية .وهدا الجانب هو ما قال عنه الفقهاء " بمحور الشريعة أو علة الأحكام "
ويقول الفقهاء ،أن محور الشريعة الإسلامية في الأساس هو مصالح العباد .ويقولون كذلك أن علة الأحكام في الفقه الإسلامي هي المصالح .فالله سبحانه وتعالى ما سن من حكم على عباده إلا رعاية وحماية لمصالحهم ويؤكد دلك قوله عز وجل "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " [2] وقول الرسول الكريم " لاضرر ولا ضرار في الإسلام "[3]   
ومن تم فان هده العلة التي تدور عليها أحكام المصلحة في الفقه الإسلامي لابد له من شروط وقيود ترد عليها.ومما لااختلاف فيه بين الفقهاء انه لا اعتبار لما خالف مقاصد الشرع ،فانه وجب في هده العلة التي هي المصلحة أن تكون متطابقة مع الكتاب والسنة والإجماع والقياس ،وان كان من بين الفقهاء من ذهب إلى إمكانية مخالفة النص من اجل مصلحة يرعاها الشارع الحكيم كما قالوا بذلك في عدة مواضيع منها مبدأ التيسير ودفع الحرج ومبدأ الترخيص في الإسلام وعدة نوازل أخرى منها تدوين القران وضرب المتهم ليقر ...الخ
ومن تم كانت كل مصلحة متعارضة مع مقاصد الشريعة الغراء تعتبر مصلحة مرفوضة في نظر الشارع الحكيم ولا اعتبار لها بين الفقهاء وداخل المجتمع الإسلامي.
 وإذا كان الضروري أن تحدد للمصلحة في الإسلام حدود ومناهج لاينبغي لها أن تزيغ عنها ،فان هدا الأمر لابد له من أن يطبعها بطبيعة خاصة تميزها عن المصلحة في الفلسفة والمذاهب الوضعية الأخرى لان المصلحة حسب هده الحالة ستكون المصلحة في الدين ،ولا ينكر احد أن الشريعة الإسلامية جاءت دينا خاتما للديانات منظما حياة الإنسان أفرادا وجماعات في الدنيا وفي الآخرة .ومن تم كان لابد من أن يقوم على اعتبار المصلحة في الدين وفي الدنيا[4] 
وهده الطبيعة التي تميزت بها المصلحة في ظل أحكام الفقه الإسلامي هي التي أضفت عليها خصائص ومميزات تميزها، وهده الخصائص لابد من أن تكون من طبيعة الأحكام التي جاءت نتيجة العلة، وهي أن تكون متميزة بذات مميزات الفقه وأحكامه ومصادره، بمعنى أن خصائص المصلحة هده لابد من أن تكون مستخرجة من نظام إسلامي روحي يمثل علاقة مخلوق بخالقه .
والإسلام جاء وحيا إلىمحمد(ص) في صورة نصوص قرآنية وإلهاما له عليه السلام في صورة سنن نبوية شريفة،ولكنه لم يقف عند هدا الحد بل انه تجاوزه إلى الحث عن إعمال العقل ،فالله تعالى يقول في عدة آيات قرآنية ما يدلنا على انه يحب من يجتهد برأيه ومن يعمل بعقله .وفي سنن النبي (ص)ما يدل على ذلك أيضا.
فالله يقول في محكم كتابه العزيز "فاتقوا الله يا أولي الألباب" ويقول عز وجل في بعض خواتم الآيات "أفلا تعقلون" "إن كنتم تعقلون" وفي قصة الرسول (ص)مع معاد ابن جبل عندما ولاه قاضيا على الكوفة ما يدل على ذلك.[5] 
لهذا انتشر العرب والمسلمون بعد وفاة الرسول (ص)في البقاع الأخرى خارج الجزيرة العربية، من اجل أعلاء كلمة الله، فظهرت لهم الحاجة إلى أعمال الرأي والاجتهاد فكان نتيجة ذلك الأمر أن ظهرت عدة مذاهب وفرق إسلامية، منها ما يأخذ بالرأي ومنها ما يأخذ بظاهر النص ، فكان نتيجة لهذا الأمر أن تختلف هذه الفرق حول اعتبار المصلحة علة في الأحكام الشرعية ،فقال الجمهور بان المصلحة علة في الحكم وقال الظاهرية والشيعة أن المصلحة ليست علة في الحكم مثلها في ذلك مثل القياس ،لان كليهما رأي وما وراء الظاهر .فكان إن اختلفوا حول اعتبار المصلحة مصدرا تشريعيا قائم الذات.إلا أن هذا الخلاف لاينبغي أن يفسر بالمعنى الصحيح للخلاف ،وإنما هو خلاف في التسمية فقط ،لان الشافعية ذهبوا إلى الاستصحاب والحنفية قالوا بالاستحسان والمالكية اخذوا بالمصلحة المرسلة والحنابلة كانوا في المرتبة الثانية ممن قالوا بالمصلحة .لذا فانه أصبح من الضروري أن نتعرف في هذا البحث على كل من هذه النقاشات والنقط من اجل إعطاء صورة واضحة عن المصلحة في الفقه الإسلامي وذلك بتحديد خصائصها وشروطها ورأي الفقهاء حولها وأخيرا اعتبارها كمصدر مستقل من مصادر الفقه الإسلامي وهذه هي النتيجة التي وصلت إليها مختلف النقاشات التي دارت بين الفقهاء المسلمين حولها.
إلا انه قبل البدء في تحليل هده النقط يجب البحث أولا عن تعريف للمصلحة في منظور الفقه الإسلامي لأنه من خلال هذا التعريف تتبين العناصر التي تقوم عليها المصلحة والنقاشات التي دارت حولها .
في الحقيقة فان مسالة إعطاء تعريف للمصلحة في هذا الباب ليست من السهل ،لأنه كما تبث أن الفقهاء والكتاب والفلاسفة واللغويين ذهبوا شيعا في تعريف المصلحة بل حتى في نطاق الفقه الإسلامي اختلف الفقهاء حول تحديد تعريف لها ،ويكفي هنا إعطاء مثالا بتعريف الغزالي والخوارزمي .فالغزالي عرفها بأنها جلب المنفعة ودفع الضرر ،في حين أن الخوارزمي عرفها بأنها جلب المنفعة فقط غافلا بذلك دفع الضرر ،وفي هذا الاختلاف ما ينم عن صعوبة تعريف المصلحة في نطاق الفقه الإسلامي.
ومع ذلك يمكن سياقه تعريف للمصلحة يتمحور حول مختلف المعاني والألفاظ التي جاءت في القران والسنة والدائرة حول الخير والشر وحول ما يجب أن يكون عليه الإنسان في الإسلام.
وكما نعلم أن الإسلام ينهى الفرد عن أهواءه ويأمره بإعمال عقله من اجل وقاية نفسه في الدنيا والآخرة، وان الصلاح هو ما يقوم به حال الإنسان ويحسن.
لذا فان المصلحة تكمن في كل عمل صالح وبذلك تكون إتباع أوامر الله واجتناب نواهيه مساهمة في بناء المجتمع الإسلامي الصالح .
وعليه فانه سوف يتم تقسيم هذا البحث إلى فصلين، وسينصب الأول منهما على دراسة خصائص المصلحة وشروطها وتصنيفاتها والثاني على دراسة المصلحة في الأصول وعند الفقهاء وعند المالكية.
الفصل الأول
خصائص وشروط المصلحة
في الفقه الإسلامي
تقديم:
المصلحة موضوع يستأثر باهتمامات كثيرة في مختلف ميادين المعرفة عند الإنسان، الأمر الذي جعلها تحضي بأكبر اهتمام على الساحة الفكرية والثقافية والعملية على السواء.نظرا لما أصبحت تمثله في الحياة الإنسانية منذ فجر أول جماعة بشرية على وجه الأرض، وهذا الأمر هو ما جعلها تعرف تنظيمات مختلفة عبر مراحل تطورها الكبير.
وكان من جملة التنظيمات التي عرفتها المصلحة في المجتمعات البشرية ما جعله الفقه الإسلامي شرعة ومنهاجا ينبغي للمصلحة أن تكون عليه عند المسلمين.ونظرا للطابع الذي استفردت به دراسة المصلحة في الفقه الإسلامي،
فانه يجب معرفة خصائصها المختلفة ومعرفة شروطها ثم أخيرا معرفة مختلف التنظيمات التي أعطيت لها.وسيتم هدا العمل وفق ثلاثة مباحث ينصب الأول على دراسة الخصائص المميزة للمصلحة من مختلف وجوهها.والثاني على دراسة الشروط التي يجب أن تخضع لها المصلحة في الفقه الإسلامي لتكون أساسا تبنى عليه الأحكام والثالث على مختلف التصنيفات المعطاة لها وذلك على النحو التالي.
المبحث الأول
خصائص المصلحة ومميزاتها
لقد أصبح من الأمور الراسخة أن ما من علاقة بين البشر إلا وتقوم من اجل تحقيق مصلحة معينة، وهده المصلحة إما أن تكون مصلحة خاصة وإما انم تكون مصلحة عامة.ومن الأمور التي لاجدال فيها كذلك أن مختلف الشرائع التي عرفتها البشرية، قامت بالأساس من اجل حماية ورعاية مصالح الأفراد والمجتمع.
فالتشريعات الوضعية ذهبت إلى تأسيس قواعدها وأحكامها على مذاهب مختلفة ترتكز على الفلسفات والسياسات السائدة في مجتمعاتها .فاولائك الذين ذهبوا إلى نزعة فردية أسسوا أنظمتهم القانونية من اجل حماية ورعاية المصالح الفردية .أما أولائك الذين يميلون إلى نزعة جماعية تبنوا مذاهب توثر مصلحة المجتمع على مصلحة الفرد
أما الإسلام باعتباره شريعة سماوية تنظم علاقة الفرد بربه وعلاقاته داخل مجتمعه، فإنها لم تحرم أو تمنع ما ذهب إليه المذهب الأول من إثارة مصلحة المجتمع على الفرد ولم تحرم كذلك إثارة مصلحة المجتمع على الفرد.إلا انه كما يبدو فان هذا الأمر فيه شيء من التناقض إذ قد يثور التساؤل حول إمكانية إثارة مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع في آن واحد ؟
ولعل الجواب على هذا السؤال يكمن في أن الشريعة الإسلامية جاءت اعم من كل المذاهب الوضعية،فهي تنظر إلى المجتمع الإنساني المتكامل من جانبه الاجتماعي وتنظر إليه كذلك من جانبه الفردي ،بل إنها تذهب إلى ابعد من ذلك لتنظر إليه من جانبه الديني،على اعتبار أن الإنسان ضيف في هده الحياة وانه سوف ينتقل إلى الدار الآخرة وما عليه في هده الدار إلا أن يتزود بما ينفعه يوم القيامة والله تبارك وتعالى يقول :"وتزودوا فان خير الزاد القوى" [6]
إذن يتبين من هدا أن المصلحة تجاذبتها عبر مراحل تطورها الكبير تيارات مختلفة تناولتها بالتنظيم على أسس مختلفة، وهده الأسس أم ن تكون أسس مادية وإما أن تكون أسس روحية أو معنوية.والمادية هي ما يصطلح عليه بالتشريعات الوضعية أما الروحية آو المعنوية فهي ما يصطلح عليه بالشرائع السماوية أو الدينية، ولكل من هده التيارات طابعها وخصائصها التي تميزها عن غيرها.إلا أن الملاحظ هو أن هده التيارات جاءت مختلفة من حيث زاوية نظرها لهده المصالح، وان صح القول بان كلاهما مصيب سواء منها التي تأخذ بالنزعة الجماعية أو تلك التي تأخذ بالنزعة الفردية.إلا أن الذي يؤخذ عليها أنها إذا أصابت من جانب فقد أغفلت جانب آخر.فالتي رجحت جانب الفرد أغفلت جانب الجماعة والتي أخذت بترجيح جانب الجماعة نسيت حق الفرد واغفلته .أما الفقه الإسلامي فقد ذهب مذهبا إسلاميا لافرديا ولا جماعيا وإنما مذهبا دينيا حنيفا يعطي الفرد حقه ويعطي للجماعة حقها وكل ذلك على أساس العمل من اجل الآخرة .فهو عندما اقر للفرد حقوقا وألزم أن تقوم عل ما يسند عليه التنظيم الاجتماعي في المجتمع الإسلامي ،إنما أراد بذلك أن تقوم المصلحة الجماعية العامة لا على أساس المصلحة الفردية الخاصة كما ذهب إلى ذلك المذهب الفردي أو مذهب السوق الحر كما يسميه الليبراليون ،وإنما بتنسيق فيما بين المصلحتين وما يؤكد ذلك هو أن الفقهاء المسلمون يرون في المصلحة التي يقرها السلطان أو ولي أمور المسلمين غير معتبرة إلا إذا كان فيها صلاح للمسلمين ومن جهة أخرى فهو يحارب كل مصلحة فردية خاصة تقوم لامن اجل تدعيم النظام الاجتماعي في الإسلام ولكن من اجل الهوى واللذة والشهوة [7] وهو بهذا يكون قد وقف موقفا لاوسطا ولكن عاما فهو جاء من اجل حماية المصلحة ورعايتها من سلطان الهوى وهذا هو الجانب الفردي ومن التحكم وهذا هو الجانب الجماعي[8].وهذا ليس وسطا ولكن تعميما وشمولا .والأبعد من هذا هو انه إذا كانت تلك المذاهب الوضعية ذهبت في تأسيس القواعد التي تحكم المصلحة في إطار مجتمعاتها بناءا على نظرة ثنائية والمتمثلة في النظر إلى المصلحة من زاويتين لترجح إحداهما، زاوية الفرد وزاوية المجتمع.فان الفقه الإسلامي لم يذهب هذا المنحى بل ذهب اتجاها اعم واشمل من هذا وذاك بالنظر إليها من ثلاث زوايا، الأولى دينية والثانية اجتماعية(جماعية) والثالثة فردية ،ولم يقم أية فروق بينها إلا على أساس واحد وهو أن يعمل الفرد في دنياه من اجل الفلاح في أخراه [9].بمعنى إذا كانت المذاهب السابقة تزكي الوعي لدى الأفراد على أسس مادية عاجلة ،فان المذاهب الإسلامية تربيه لديهم على أسس من المثالية والنظرة إلى الآجل والمستقبل حتى تحارب كل أشكال الأنانية لدى الأفراد وترقى بهم إلى مستوى امثل من اجل الصلاح في دينهم ودنياهم[10]
ولهده الأسباب فانه كان من الضروري أن تكون للمصلحة في كل هده التيارات خصائص تميزها من مجتمع إلى آخر ومن نظام إلى آخر، فخصائص المصلحة في المذاهب الوضعية ليست كخصائصها في المذاهب السماوية أو الدينية. فإذا كانت الأولى تنظر إليها من جانب دنيوي فان الثانية تنظر إليها من جانب أخروي وإذا كانت الأولى تنظر إليها من زاوية مادية فقط فان الثانية تنظر إليها من زاويتين إحداهما مادية والثانية روحية[11].
إلا أن هذا ليس معناه أن المصلحة في الفقه الإسلامي والديانات الأخرى لاسيما السماوية منها ، لاتلتقي مع المصلحة في المذاهب الوضعية ،بل العكس هو الصحيح إذ بالرغم من اختلاف البشر من حيث العقيدة والمذهب فانه متشابه من حيث النزعة والطبيعة .لذا فانه كان من اللازم أن تظهر للمصلحة خصائص عامة ومشتركة بين كل هده المذاهب .
وللتطرق إلى هده الخصائص بشيء من التفصيل فانه يجب دراسة كل قسم منها على حدة وبالتالي تخصيص عنوان للخصائص العامة للمصلحة وعنوان لخصائص المصلحة في الأنظمة الوضعية وأخيرا خصائص المصلحة في الفقه الإسلامي.
وقبل الدخول في هدا العمل فانه بجدربالذكر أن التطرق إلى هذه النقط على اختلافها تستدعيه ضرورة منطقية ، وهي وضعية ومكانة الفقه الإسلامي بين المذاهب التشريعية الأخرى ، لأنه ما جدوى دراسة المصلحة في الفقه الإسلامي دون مقارنتها بالمصلحة في مختلف الأنظمة الأخرى .وإذا كان هذا الموضوع لن يتطرق إلى مقارنة المصلحة في الفقه الإسلامي بالمصلحة في الديانات الأخرى،وإنما سوف يقتصر فقط على دراستها بين التيار الوضعي والفقه الإسلامي فيما يخص الخصائص ،والسبب في ذلك راجع إلى أن محدد الفرق بين الإسلام والديانات الأخرى لاسيما السماوية منها ليس كبير[12] وأيضا ولضرورة تحديد معالم المصلحة في الفقه الإسلامي وجب تمييزها عن المصلحة في الفقه الوضعي .
وعليه سوف يقسم هذا المبحث إلى ثلاث مطالب، وسوف ينصب الأول على دراسة الخصائص المشتركة للمصلحة والثاني على خصائصها في النظام الوضعي والثالث على خصائص المصلحة في الفقه الإسلامي وذلك على النحو التالي:
المطلب الأول
الخصائص العامة للمصلحة
انطلقت مختلف الطوائف البشرية في تأسيس تشريعاتها على أسس عقائدها والمذاهب التي تفرعت عنها .لكن البشر باعتباره من طبيعة واحدة كما قال رسول الله (ص) "كلكم لأدم وادم من تراب "[13]لا يستطيع العيش والاستمرار إلا في شكل جماعات ووحدت فكان أن ترتب على ذلك نشوء قوانين اجتماعية تحكم سلوك الفرد داخل الجماعة.إلا أن الملاحظ هو أن هذه القوانين تعد قواعد غير ثابتة بمعنى أنها تتغير بتغير المكان والزمان، وهذا راجع إلى أن الإنسان مفكر ومتطور.فكان أن نشا عن هدا التطور تحولات اجتماعية مختلفة بحسب تغير وتحول حاجات الإنسان ومصالحه لذا فانه كلما ظهرت حاجة في حياته بادر إلى وضع قواعد لتنظيمها تقوم على أساس الحاجة إليها وهي المتمثلة في رعاية المصالح على اختلافها .فالعلة إذن هي منشأ المعلول إلا انه لابد لهده العلة من وصف يلحقها وهدا الوصف هو ما سماه الفقهاء بالمصلحة .فقالوا أن المصلحة وصفا لعلة معينة تقوم عليها قاعدة شرعية.هدا الأمر هو ما طبع المصلحة في مختلف الأنظمة بطبائع ثابتة لا تتغير وهده الطبائع أن استقر الرأي في مختلف هده الأنظمة على اعتبار مصالح الأفراد والعباد متغيرة بتغير الزمان والمكان مثلها فيذلك مثل النظام العام الذي بدوره يقوم على أساس المصلحة .فكما يقال عن النظام العام انه مفهوم مرن ونسبي فذلك لان هدا الأمر معلول بعلة واحدة وهي أن النظام العام يقوم بالأساس على مصالح الأفراد والمجتمع وبالتالي فهو تابع لها ومن تم وجب أن يأخذ وصفها ،لذا فان المصلحة باعتبارها أصلا تتميز بكونها برنة ونسبي وهذا ما يسمى بمتغيرة وغير ثابتة .ويضاف إليه أنها أيضا وصف لعلة معينة بمعنى إذا قلنا أن هده القاعدة تقوم من اجل مصلحة عامة فان علتها هو المصلحة العامة وان وصف هده العلة هو العمومية ،لذا يقال عنها أيضا أنها وصف يلحق علة معينة ،وعليه فانه سوف يتم النظر في هدا المطلب إلى خاصيتين أولاهما أن المصلحة متغيرة وغير ثابتة والثنية هي أنها وصف يلحق علة معينة وذلك حسب فقرتين :
الفقرة الأولى
المصلحة متغيرة وغير ثابتة
يقصد بالمصلحة متغيرة وغير ثابتة هو أنها تتغير بتغير الزمان والمكان بمعنى أن المصلحة هي ما يحتاجه الإنسان من حاجات للبقاء على وجه الأرض والاستمرار في الوجود ، ولما كانت حياة الإنسان متطورة ومتغيرة ،فان حاجاته سوف تتغير بتغير أفكاره وحضاراته وبالتالي فان في هده الحاجات تكمن مصالحه. لذلك وجب أن تكون هده المصالح تابعة لما هو عليه.وبمعنى أخر إن الإنسان ابن بيئته إذا أحس بالجوع بحث عن الطعام وإذا أحس بالعطش بحث عن الماء، فكانت مصلحته في ما يحتاج إليه.ولما كانت هده الحاجيات تتغير بتغير الزمان والمكان والأنظمة والعقائد فان المصلحة جاءت تابعة لها تتغير بتغيرها وتثبت بثباتها ،لهذا فإنما يمكن أن توصف في إطار هده الخاصية هو أنها مرنة ونسبية ،وسيتم البحث في كل من مرونتها ونسبيتها عل الشكل التالي :
أولا: مرونتها:
يقصد بمرونة المصلحة، قابليتها للتغيير والتبدل والتعديل حسب الحاجة والمقدرة على تحقيقها، فالإنسان عندما يصل إلى حد من الإشباع يفكر في تغيير وسائله من اجل جعل حياته أيسر وأسهل وهدا سبب تقسيم الحاجيات في علم الاقتصاد إلى حاجيات ضرورية والى حاجيات كمالية ،فعندما يصل الإنسان إلى حد الإشباع في حاجاته الضرورية يفكر بعد ذلك في تحقيق قدرا من الحاجات الكمالية ويترتب عنه أن ماكان من قبيل الكماليات في مجتمع معين يصبح من قبيل الضروريات في مجتمع آخر وذلك بحسب ما توفر لديه من الإمكانيات .
والمرونة مفهوم مرتبط بالزمن ويفيد أن ما كان عليه حال في زمان معين لايبقى عليه في زمان آخر متأثر في ذلك بعدة تحولات اجتماعية مثله في ذلك مثل الطبيعة التي تتغير بالاستعمالات والعوامل المختلفة ويرجع السبب في ذلك أن النظام الاجتماعي في مختلف الشعوب يقاس بالمستوى الفكري والحضاري لدى الأفراد ،فكلما بلغوا قدرا معينا من الوعي إلا وفكروا في تغيير ما كانوا عليه قبله.ويعد هدا العامل سببا وحافزا مهما في تقدم البشرية لأنه يؤدي إلى وضع قواعد اجتماعية تحكم سلوكه داخل المجتمع تتغير بتغير الحاجة إليها وهذا بطبيعة الحال ما توصل إليه فقهاء الشريعة الإسلامية، وفي هدا الصدد قال المولى العلائي "الحكم الشرعي مبني على علته فبانتهائها ينتهي "وقال ابن القيم "تتغير الفتوى بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد "[14]
والشريعة الإسلامية عندما فتحت باب الاجتهاد فإنها لم تفعل ذلك عبثا.وإنما فعلته مراعاة لهذا المبدأ مبدأ مرونة الحياة الاجتماعية داخل المجتمع البشري وتأثيرها على مصالحه ومن هنا قال علماؤها أنها صالحة في كل زمان ومكان أي أنها تقوم على قواعد مرنة تتغير مع مرور الزمن وبحسب الحاجة إلى تغييرها ومواكبة ما يتوصل إليه المجتمع الإنساني من تطورات حتى لا تحول هده الأحكام دون التقدم الإنساني لأنه لو ضبط مجتمعا ما بقواعد قانونية جامدة لا تقبل التحرك ولا التغير لجعل مثل الطريدة في شبكة الصياد لا تستطيع الهروب .ولما كان الإنسان منافس في هده الحياة بغيره من الكائنات الأخرى ، من طبيعة وقسوتها وحيوانات شرسة وقلة موارد العيش وجب أن يترك له المجال مفسوحا للمقاومة والصراع مناجل الحفاظ على جنسه ونوعه .
ويعد هدا المبدأ مبدءا هاما في القوانين الوضعية،إذ به قوامها وبقاؤها،ونجد مختلف الدساتير الحديثة تنص على طرق وكيفيات وضع القوانين وتعديلها وتغييرها كل ذلك مراعاة لتغيير حياة الفرد والمجتمع[15] 
يترتب عن هدا أن ما كان يعد من قبيل المباحات في زمن معين قد يتحول إلى محضور في زمن آخر ،وذلك بفضل الوعي الذي يبلغه المجتمع .فقديما[16]
كان البقر يعبد وكان ينظر إليه نظرة تخشع وتعبد وكان يمنع ذبحه أو التصرف فيه، أم الآن خصوصا بعد مجيء الإسلام أصبح من قبيل المنقولات التي يجوز التصرف فيها.وقديما كان الرق من المسائل المسموح بها في مختلف الشعوب ،إذ كان الإنسان يسترق ويستعبد ويباع في الأسواق مثله في ذلك مثل الحاجيات الاقتصادية ،أما الآن فلم يعد المجال مفسوحا لمثل هده الممارسات خاصة بعد مقدم الإسلام وصدور عدة مواثيق وعهود ترعى حقوق الإنسان ،وأصبح محضور يعاقب عليه جنائيا وتصل العقوبة عليه إلى حد من الصرامة والزجر ،والفقه الإسلامي بدوره لايخلوا من هده الآثار كما سيتبين ذلك في حينه .
ثانيا:نسيبتها:
ويقصد بها تحقق قدرا معينا من الشيء الواحد، وفي هدا الإطار يقصد بها أن ما يعد مصلحة في مجتمع معين على الصعيد المكاني قد يعد مفسدة في مجتمع آخر.والمقصود من هدا هو أن الأنظمة البشرية لا تتغير على الصعيد الزمني فقط ،ولكنها أيضا تتغير على الصعيد المكاني كذلك .تبعا للظروف المختلفة سواء منها الطبيعية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو العقائدية.
ويترتب على هدا الوصف أن تختلف المصلحة من بلد إلى آخر إلى غاية أن تكون مفسدة مجتمع عند مجتمع آخر مصلحة.وهدا هو الملاحظ إذا ما قارنا بين البلاد الإسلامية والبلاد غير الإسلامية ،فأكل الخنزير وشرب الخمر يعد من المحظورات في الدول المسلمة بينما هو غير كذلك في الدول غير المسلمة ،كالدول الأوربية مثلا ،وهدا يعني أن أكل الخنزير وشرب الخمر في المجتمع الإسلامي يعد من المفاسد التي ينهى عنها الشارع الحكيم .بينما هي في الدول الأخرى ،قد تعد من دعائم أنظمتها الاقتصادية والاجتماعية لما يحدثه فيها ذلك من رواج اقتصادي وسد حاجيات استهلاكية وغيرها .وذبح البقر في المجتمع الإسلامي مباح بينما هو في بعض الدول الأخرى ، كالتي تقع في شبه القارة الهندية مثل المنطقة الهندوسية يعد محظورا لان سكان هده المناطق تنظر إلى البقرة على أنها اله ،بينما في الدول المسلمة مثلا هي من الأنعام التي انعم الله بها على عباده .
وإذا كان لمبدأ المرونة في المصلحة مزايا وفوائد عديدة لا تستقصى فانه في مبدأ النسبية يكون الأمر على عكس لان هده النسبية تؤدي إلى تباين الأنظمة واختلافها .وبالتالي إلى تعارضها ،مما يؤدي إلى حدوث المشاحنات والخلافات التي قد تنتهي إلى حروب في بعض الأحيان .لذا فان الفقه الإسلامي على غير عادة المذاهب الوضعية المناهزة له جاء بجديد يدعو فيه المجتمع الإنساني إلى التوحيد ورفض التفرقة بين الشعوب وهدا هو ما يقوم عليه مبدأ التوحيد في الإسلام .فتوحيد الله الذي يدعوا إليه الدين الإسلامي حافز للرقي بالمجتمع الإنساني إلى مصاف الأمة الواحدة ويؤكد ذلك قول الله عز وجل "إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله "[17] وقوله عز وجل "ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم "[18] وفي هدا ما يجمع شتات البشرية ويحارب تعدد الأنظمة واختلاف المصالح ، فباتحاد المذاهب تتحد الأمم وباتحاد الأمم يعم السلام ، فيا أمم العلم اتحدي ؟فالشريعة الإسلامية جاءت خاتمة لكل الديانات التي عرفتها البشرية ،جامعة لما فيها من المبادئ والسنن ، رافضة لكل الفوارق بين الإنسان ومسايرة لكل المواثيق الدولية التي لا تقيم أي وزن لفارق اللون أو العرق أو الجنس أو غيره (انظر اتفاقية نيتو بصقلية لسنة 1982 ).موحدة للبشرية بدليل قول الرسول (ص) " لا فرق بين عربي ولا عجمي ولا ابيض ولا اسود إلا بالتقوى "[19]وبالتالي كانت هي الأكفأ في تنظيم العالم وتوحيده خلافا لبعض المذاهب الفلسفيةلتي تذهب إلى عدم إمكانية توحيد العالم في يوم من الأيام
فإذا رقت الدول الحديثة والمعاصرة على اختلاف الديانات والعقائد، من جانبها لروحي ،أمكنها بذلك أن تعرف حقيقة ما يدعو إليه الإسلام ومساهمته في محاربة آفة العصر [20] فمتى يعم هدا الشعور ويتغير مجرى العلم المتفرق إلى عالم موحد مثاله الاسمي هو الله الذي خلقه من نفس واحدة ؟والى جانب هدا الانتقاد الذي أمكن توجيهه إلى هدا الجانب في المصلحة وهو نسبيتها ، فانه يمكن ذكر بعض الحسنات التي تضفيها هده الخاصية على المصلحة في مختلف البقاع باعتبارها علة نظام اجتماعي معين وهي انه في هدا الاختلاف المشار إليه ما يوسع على الإنسان من هفوات التضييق عليه بموجب الأحكام التي تفرضها الضرورة عليه من حين لأخر .وفي هدا الصدد قال رسول الله (ص)" اختلاف أمتي رحمة "[21] وان كان التخوف من هدا الاختلاف نابع من اعتناق بعض الشعوب المعاصرة لديانات غير الإسلام ،فان القول هو أن معظم هده الشعوب بدأت تعي بالحقيقة التي يقرها الإسلام وظهر بعض العلماء الذين اعترفوا بنظريات إسلامية ما كان يعرف منها إلا الذكر [22]، ناهيك على أن العلم الحديث توصل إلى أن في الخمر والخنزير ما يضر بصحة البدن والنفس ومنه ما منع حتى التداوي بها لما تسببه كل جرعة منه من أمراض وداءات في النفس البشرية زد على ذلك ما تسببه العلاقات الجنسية الطبيعية من أمراض فتاكة لم يتوصل العلم الحديث إلى اكتشاف أدوية معالجة أو واقية منها لحد الآن وقس ما غاب على ما حضر لان اللائحة تطول والمجال يضيق لمثل هده المعطيات .وفي ها ما يبعث على التفاؤل من انه لاخوف من هدا الاختلاف وان قول رسول الله (ص)قول صائب وصادق .وقد صدق رسول الله،ولزالت الأيام والسنون أطوال لتبين المزيد من مثل تحقق هده المعجزات التي تكلم عنها القران الكريم منذ قرون مضت .
وعند هدا الحد يتبين أن خاصية التغير والتبدل في المصلحة تقوم أساسا على مبدأين أساسيين في علم الفقه والقانون وهما المرونة والنسبية ،وهدا إن دل على شيء إنما يدل على أن المصلحة مجرد وصف يمكن الأخذ به عند الحاجة إليه ويمكن صرف النظر عنه عد تخلف هده الحاجة .لذلك فإنها تتميز بخاصية أخرى وهي أنها وصف يلحق علة معينة ،وهدا ما سيتم الحديث عنه في الفقرة الثانية من هدا المطلب .
الفقرة الثانية
المصلحة وصف يلحق علة معينة
يتعلق هدا الفرع بدراسة إحدى الخاصيات التي تمتاز بها المصلحة وهده الخاصية هي أن المصلحة وصف لعلة معينة .فما المقصود من هدا القول ؟
والجواب على هدا السؤال يكمن في معنى هده العبارة، ولعله من اقرب الأبواب للبحث في هدا المعنى هو اللغة العربية باعتبارها أداة العمل في الفقه الإسلامي.
إلا انه مع ذلك فانه لا يجب الذهاب فيه بعيدا لان مثل هدا العمل يدرس عادة في أبواب الوصف المناسب باعتباره إحدى مسالك العلية في القياس .
وسيقتصر الأمر هنا على ذكر بعض النقط التي قد تقرب إلى الموضوع بشكل أو بأخر.والقول هو انه ذهب بعض الفقهاء من خلال أبحاثهم في معنى الوصف المناسب إلى القول بان الوصف المناسب هو الناسبة والإحالة و الملايمة وتفريغ المناط ...والمصلحة .ويعني قولهم هدا أن المصلحة طريقة من طرق العلية في القياس .
فإذا كان القياس هو إلحاق أمر غير منصوص عليه بأصل منصوص عليه لتشابه بينهما في العلة ،والتشابه في العلة هو الوصف المناسب الذي بني عليه الحكم الشرعي والوصف الناسب الذي بني عليه الحكم الشرعي هو المناسبة والمناسبة هي المصلحة والمصلحة هي وصف هده العلة .بمعنى أن العلة جاءت مصلحة مناسبة لما هو مطلوب والذي يتم على أساسه بناء القاعدة الشرعية ،فان الوصف إذن هو مجموع الصفات التي تعطى للشيء .والعلة لتعد أساسا في الحكم وجب أن تتوفر فيها جملة صفات وهده الصفات هي ما يرى المسلمون فيه مصلحة.إلا انه مع هدا التسليم فقد ذهب بعض الكتاب إلى القول بان الوصف المناسب هو غير المصلحة.مستندا في ذلك على عدة آراء وحجج من بينها انه إذا كانت المصلحة علة في الحكم الشرعي فليست كل الأحكام الشرعية تقوم المصلحة علة فيها، مثل ذلك كما يقول في الحكم بقطع أنامل شاهد الزور.فهده قاعدة شرعية ومع ذلك لا مصلحة فيها [23]
إلا انه كما يتبين من مؤلف بن علي العمريني [24] .أن اختلاف الوصف المناسب عن المصلحة إنما هو اختلاف من حيث المدلول اللغوي فقط، وانه لم يتطرق إلى المدلول الشرعي والذي هو الأساس في بناء القاعدة الشرعية، وهدا أمر لا احد يجادل في اتفاق الفقهاء حوله ناهيك على أن بعض الكتاب الذين ذهب هدا الباحث إلى تفنيد ما جاؤا به والذين ذهبوا إلى أن الوصف المناسب هو المصلحة ومنهم أبي حامد الغزالي [25] الذي قال " انه ما تشير إليه وجوه المصالح وإماراتها " وقال كذلك " أن الوصف المناسب ما هو على منهاج المصالح بحيث إذا أضيف الحكم إليه انتظم "وقول أبي قدامه " الوصف المناسب هو ما تقع المصلحة عقبه " [26] إلى غير هده من التعارف التي جاءت في الوصف المناسب والتي تنسبه إلى المصلحة .
وأخيرا يجوز التنبيه إلى أن الأمور بمقاصدها، ولما كانت الغاية من الحكم الشرعي هي مصلحة العباد فان المصلحة تكون هي الوصف الأول والأخير في تعليل الأحكام ولا عبرة بعد ذلك في اختلاف المصطلحات أو الأسامي ما دام الهدف واحد .وعليه يكون المقصود باصطلاح «المصلحة وصف لعلة معينة "هو مجموع الصفات التي تشترط في العلة لتكون سببا في بناء الحكم.وفي هدا الصدد ذهب احد الشيوخ [27] إلى القول بان سبب ظهور الاجتهاد بما فيه الإجماع والقياس هو ثبوت اتصاف العلة التي يقوم عليها الحكم بوصف معين ،ومعنى هدا أن الفقهاء المسلمون لم يجرؤا على الاجتهاد الأبعد ما تأكدوا انه لابد من أن تكون هده العلة التي يجب أن يقاس عليها في جميع الأحوال تتصف بصفات مناسبة لما يريدون إلحاقه بها ،ولما كان القصد بالأساس هو تحقيق مصلحة إما دنيوية وإما أخروية ،فانه كان من الضروري أن تكون هده الصفات هي المصلحة في حد ذاتها إذ لاحكم بدون مصلحة وإلا فما الغاية منه وحتى إذا كان في سبيل تنظيم معين فما الغاية والفائدة من هذا التنظيم إذا لم يكن يهدف إلى مصلحة المجتمع أوالى مصلحة الفرد في العاجل آو في الآجل ،وهذا ما أكده الشيخ محمد الخضري بك في مرجعه " أصول الفقه "بقوله " ولما ثبت عند أئمة المسلمين أن الأحكام الشرعية التي قضا بها الشارع معللة بأوصاف ترجع إلى مصالح الأمة ..."[28].
وعليه فان ما استند عليه الباحث بن علي العمريني والمتمثل في أن المصلحة تختلف عن الوصف المناسب وان هناك أحكاما شرعية لاتقوم على مصلحة قول نابع من الظاهر ولا ينصرف إلى باطن الأحكام وعمقها ليقف عند الغاية من شرعه ،فالشاهد بالزور الذي تقطع أنامله إنما يفعل به كذلك من اجل مصلحة يرعاها الشارع الحكيم ،وعليه تكون الغاية من تقطيع أنامله هي حماية الأفراد من ظلمه لذا فانه يقال تقطيع أنامل شاهد الزور لكي لايعود للكتابة ، لأنه إذا عاد إليها سوف يشهد ثانية بالزور وبالتالي سوف يضر بمصلحة يقرها الشارع الحكيم وهذا ما يهدف إليه الحديث الشريف "لاضرر ولا ضرار في الإسلام "[29] أي يجب إزالته بأهون الضررين ، وهدا هو الباطن في نص القاعدة الشرعية القاضية بوجوب قطع أنامل شاهد الزور فهو حكم يقوم على مصلحة محسوسة ومعقولة المعنى ،وهدا ما يشترط عادة في المصلحة أي لايشترط أن تكون ظاهرة وإنما يكفي الشعور بوجودها أو تحققها وعليه تكون المصلحة هي الوصف المناسب المطلوب توافره في العلة لتقوم أساس للحكم الشرعي عند المسلمين .
المطلب الثاني
خصائص المصلحة في النظام
الوضعي
يقصد بالنظام الوضعي مجموع القواعد التي تواضع البشر على وضعها من اجل حماية مصالحه داخل الجماعة التي يعيش في ظلها، وهذه القواعد مستوحاة من إرادته الخاصة بحكم الظروف التي تحيط به ويعيش في وسطها ومختلف المعطيات التي يتوفر عليها مجتمعه ،ومن هنا كان لابد أن تأتي هده القواعد التي تواضع على وضعها من اجل حماية مصالحه مصطبغة بذات الصبغة والخصائص التي اصطبغت بها القدرة الإنسانية ومتمحورة حول العقل والتفكير والغرائز والنوازع البشرية .ولقد بلغت هده القواعد مبلغا من التقدم والرقي والتطور حتى أن عرف البشر أول تقنين لها إلى الآن انطلاقا من عهد العدالة الخاصة إلى عهد العدالة العامة ،إلا انه ومع ذلك تبقى قاصرة عن الانصراف إلى كل شؤون البشر وما يهمه لأنها نابعة عن إرادة لانتصف بالكمال إذا ما قيست بإرادة أخرى وهي الإرادة الإلهية .وهدا الاختلاف هو ما جعل القواعد الوضعية تختلف في تنظيماتها عن القواعد الإلهية بخصائص انصبغت بها ذات الموضوعات الخاضعة لها .وهذا ما سيتم رؤيته من خلال معالجة خصائص المصلحة في النظام الوضعي .ونظرا لارتباط الأنظمة الوضعية بالأمور الدنيوية فان بعض الباحثين انصرف إلى القول بان المصلحة في الشرائع لوضعية تمتاز بالأمور التالية:[30]
       I.            إنها تقوم من اجل الدنيا فقط ور تنظر إلى الامتداد الأخروي .
    II.            إنها تنظر إلى المصلحة من زاويتها المادية فقط .
 III.            إنها تجعل الدين فرعا لتحقيق مصلحة معينة .
ويذهب عباس محمود العقاد في مؤلفه الإسلام دعوة عالمية إلى القول بان الأنظمة الإسلامية في تحقيق مصالح الإنسان وتنظيم المجمع يعتمد على منهج روحي أما الأنظمة الوضعية الأخرى فإنها أخفقت في تحقيق هذا الجانب .وسيتم معالجة هذه الخصائص على النحو التالي:
الفقرة الأولى
المصلحة في النظام الوضعي
تقوم من اجل الدنيا فقط [31]
وفي هده الفقرة يجب الكلام عن النطاق الذي تنصرف إليه القواعد الوضعية في التطبيق ،ومما لاغلو فيه أن هده القواعد جاءت من وضع البشر من اجل تنظيم المجتمع في العاجل فقط ،ويرجع السبب في ذلك إلى أن الإرادة الإنسانية قاصرة عن توجيه المجتمع إلى ما فيه خيره في الآخرة ،والعقل البشري قاصر على إدراك ما سيقع في الآخرة .لذا فان اهتمامه انصب على تنظيم شأنه داخل الجماعة التي يعيش في إطارها دون الانصراف إلى غيرها .
ولما كانت المصلحة من أهم الموضوعات التي تنصب عليها هذه القواعد فإنها جاءت متميزة بميزات دنيوية لا تنصرف إلى الآخرة ولا تمت لها بصلة إلا ما كان من قبيل استغلالها من اجل تحقيق منفعة عاجلة.فالإنسان الذي ينظر إلى الحياة بمنظار مادي بعيد عن أمور الدين واليم الأخر يجعل مصالحه كلها تدور في فلك واحد وهو تحقيق ما تحتاج إليه نفسه في هده الدار من ملذات وشهوات وأهواء ومنافع قد تتنافى في بعض الحالات مع النظام الأخلاقي المتعارف عليه أو تنطوي تحت لواء أخلاقي ليس فيه إلا الاسم فقط .
 ولئن عرف العلم اليم عدة أنظمة وضعية ، سواء منها القديمة أو الحديثة ، تحاول أن تجد منطلق لها ،عقائد قد تكون سماوية في بعض الحالات فانه مع ذلك بقي مفتقرا إلى النظام الأكفأ بتسيير شؤونه نحو عالم وغد أفضل من اجل تجنب المهالك التي جلبتها عليه الشيوعية وصراعها مع الرأسمالية ،فكان أن ظهر تيار روحي جديد مستنبط من المسيحية يدعو العالم للمحبة والسلام من اجل تجنب الخراب الذي ينتظره من فترة إلى أخرى ،إلا أن هدا التيار بقي مع ذلك بعيدا عن الهدف المتوخى منه ،لأنه سرعان ما اكتشف العالم نواياه وأهدافه الخفية .و بصدده يقول بعض الكتاب " أن هدا النظام بالرغم من نزعته الدينية فانه مع ذلك جاء بالأساس من اجل محاربة الشيوعية ومناصرة الرأسمالية " [32]
ومن هنا يتجلى أن هده الأنظمة بقيت قاصرة عن تحقيق هده الغاية داخل المجتمع البشري، فكان أن اتجهت الأنظار إلى آخر ما انزل الله من شرائع لتكون للناس كافة.وأخذت العقول تتفحصها لعلها تجد منها شرعة ومنهاجا ، وفي هدا الصدد يقول احد المستشرقين "ولم تفلح عقائد الغرب في إحياء هده العاطفة الروحية لان أوروبا قد انحرفت بالمسيحية عن سوائها ولان المسيحية تعني بخلاص روح الإنسان في حياته الأخروية ولا تعرض عليه حلا من الحلول التي تقبل التطبيق في الحياة الدنيا بين وحدة عالمية من جميع العناصر والأقوام " [33]
والخلاصة من هدا هو أن الأنظمة الوضعية قد اتجهت في تنظيم وحماية المصلحة التي تقوم عليها (على أسس دنيوية ) لا تنظر إلى ما ينتظر الإنسان في اليوم الأخر ،ولما أحست بعض الأمم بضعف وعجز هده الأنظمة عن الوصول بالإنسان إلى المستوى الأمثل ظهرت تيارات دينية روحية معاصرة مستوحاة من ديانات قديمة تحاول التخفيف من هده الحدة ، إلا انه مع ذلك بقيت هده التيارات الجديدة قاصرة عن تحقيق هد الهدف لأنها قامت بالأساس من اجل تحقيق أغراض دنيوية بعيدة عن الهدف الحقيقي الذي كان يجب أن تقوم عليه ، وهو أن يعمل الفرد في دنياه من اجل الخلاص في أخراه ،فقط ،وليس من اجل مناصرة هذا التيار أو ذاك ،أما الإسلام بوصفه أخر الديانات فانه قد شد عن هدا المسار وبقي في مجراه الطبيعي يدعو الفرد المجتمع إلى إقامة الدنيا لتكون سبيلا إلى الآخرة .
الفقرة الثانية
الأنظمة الوضعية تنظر إلى المصلحة
من زاويتها المادية فقط
إن الغاية التي تهدف إليها الأنظمة الوضعية على اختلاف مشاربها هي تحقيق الطمأنينة والاستقرار داخل المجتمع، وان كان هناك من يقول هي تحقيق سعادة الفرد داخل المجتمع.وهده الغاية ترتبط بالأمور الدنيوية للأفراد فقط، إذ أن من خصائص هده الشرائع أنها من وضع البشر وتقوم مقام الإرادة البشرية وبالتالي لا تستطيع النظر إلى الآخرة.لان الله استأثر وحده بعلم الغيب.
ولما كان لهده الأنظمة هده النظرة الخاصة بها لأنها لا ترى في مصلحتها أن ينصرف الفرد إلى التفكير في الآخرة لان تلك أمورا بعيدة لا يصح الاشتغال بها ، وإنما الذي يجب النظر إليه هو تحقيق الإرباح الطائلة داخل المجتمع وفي مختلف بقاع العالم .وهده الفكرة هي مما تقوم عليه المدارس الرأسمالية على الخصوص ،أما في المذاهب الشيوعية فإنها تذهب إلى ذات الهدف عن طريق معاكس ، فبينما تعطي المذاهب أولى للفرد حرية أوسع تعطي المذاهب الثانية الحرية الأوسع للمجتمع ، وان كانت تأخذ ببعض المبادئ الإنسانية حماية للطبقة الفقيرة مثلا [34] فانهدا الوضع أدى إلى قيام الصراع بينكل من المذهبين وبالتالي بين كل من الدول المعتنقة لها ،فكان أن انقسم العالم إلى كتلتين الأولى شرقية والثانية غربية [35]مزقتا العالم إلى شطرين تولد عنهما شطر ثالث وهو ما يسمى بدول عدم الانحياز ،فتولد عن هدا الأمر تفرق العالم وظهور نزاعات مادية كانت الأساس في ظهور هده المذاهب ذاتها ومن تم كان من المنطقي أن تؤسس هده المذاهب أنظمتها القانونية على أسس مادية تكاد لاتخرج عن النطاق الاقتصادي ،إلى درجة أن الاقتصاد فيها هو محور الحياة السياسية والاجتماعية وعليه يتوقف مسار العالم .والشريعة الإسلامية على عكس ما ذهبت إليه هده التيارات فإنها لم تغفل الجانب المادي ولكنها مع ذلك لم تغفل الجانب الروحي الذي أخفقت المذاهب الوضعية في تحقيقه .
الفقرة الثالثة
الأنظمة الوضعية تجعل الدين فرعا [36]
لتحقيق مصلحة معينة
والمقصود من هدا الفرع هو الإشارة إلى إمكانية النظر إلى الدين باعتباره وسيلة لتنظيم حياة الإنسان والمجتمع من وجهتان على الأقل، فالعبد المؤمن ينظر إليه أصلا وما عداه استثناء.أما من شغلت باله الدنيا ومنافعها فانه لامحالة سيزيح نظره عن هدا الجانب .
وهدا ما حدث بالذات في بعض الفلسفات المعاصرة خصوصا منها الفلسفات الأوربية التي ذهبت إلى أن تجعل من الدين وسيلة لتحقيق مآرب دنيوية لا صلة لها بالآخرة ،إلا ما كان من قبيل التأثير على الناس من اجل استمالتهم فقط .
وهدا ما ذهب إليه عدة فلاسفة أمثال بنثام ووليم جيمس عندما ذهبا إلى المناداة بالتمسك بكل ما من شانه ن يحقق مصالح أخلاقية حتى ولو كانت على حساب الدين وفي هدا الصدد قال بنثام :"والطريقة الوحيدة في الحكم على سير الديانة هو النظر إليها من جهة الخير السياسي في الأمة فقط .ما عدا ذلك لا يلتفت إليه ">[37]
ويقول صاحب ضوابط المصلحة "وعندما أتيح لرجال الدين المسيحي يوما ما أن يشرحوا المصالح المتفقة مع مقاصد الدين ، انتهوا إلى أن المصلحة إنما لاهي أن لا يستجيب الإنسان لمصالحه الجسيمة ،وان يزهد في كل ما تتطلبه النفس ويحتاجه الجسم ،سعيا إلى تطهير الروح عن طريق تعذيب الجسم...ولا ريب أن هدا الإفراط كان من أهم العوامل التي رجحت كفة البحث الفلسفي وأغلقت سبيل التفاهم مع هدا المنطق الديني إغلاقا محكما "[38]
وفي هدا ما يدلنا على أن الفلسفات المعاصرة والمذاهب الروحية المناهزة لها هي المعنية بقولهم أن الأنظمة الوضعية تجعل من الدين وسيلة لتحقيق مصالح دنيوية على عكس الفقه الإسلامي الذي يذهب فقهاؤه إلى أن المصلحة في الدنيا سبيلا للمصلحة في الآخرة .
وفي قول بنثام ما يدلنا على الكيفية التي انتهجها هؤلاء المفكرون في جعل الدين وسيلة للمصلحة في الدنيا ،ويقول أن الحكم في الدين هو الذي يهدف إلى تحقيق الخير السياسي ولو كان على حساب ومن هنا يمكن القول أن الطريقة التي يلتجأ إليها هؤلاء في استعمال الدين وما فيه من قيم من اجل التأثير على الناس واستمالتهم .
المطلب الثالث
خصائص المصلحة في الفقه الإسلامي
المصلحة في الفقه الإسلامي من أهم الموضوعات التي تنصب عليها دراسة الأصوليين والمحدثين التابعين لهم ويرجع السبب في ذلك إلى أنها تشكل نواة أساسية في مجموع قواعد الفقه الإسلامي والشريعة الإسلامية ،لان الله سبحانه وتعالى ما بعث محمدا (ص) إلا رحمة للناس من اجل حماية ورعاية مصالحهم في الدنيا وفي الآخرة . ولما كانت هده النقطة في الفقه الإسلامي قد استفردت بدراسات خاصة ومتميزة عن التي حضيت بها في ضل الأنظمة الوضعية والديانات السابقة في بعض الجوانب المتميزة .فانه كان من الضروري أن تفرد بخصائص مميزة لها تميزها في إطار الفقه الإسلامي عما هي عليه في إطار الأنظمة الوضعية المذكورة .ولعله من أهم ما تتميز به حسب هدا القول هو أنها تقوم على أساس من مقتضيات الشريعة الغراء مدعمة في ذلك بقواعد الدين والأخلاق [39] الأمر الذي نتج عنه أن تكون مصلحة بعيدة عن الأهواء والملذات المؤقتة والشهوات الفانية.راغبة في ذلك بالفرد والمجتمع إلى ما هو أسمى واطهر ونائية به عن التحكمات التي قد تقع عليها بسبب إثارة بعض الحكام لمصالحهم الخاصة .[40]
وهذا الأمر بدوره ترتب عليه امرأ أخرا وهو أن تقام من اجل الآخرة وان يراعا فيها جانبها المادي والوحي وان تدور في دائرة البر وان تقوم على جانب من التضحية لأنها تندرج في قيمتها وتأتي مصلحة الدين في قمة الهرم.
وعلى الجملة فان المصلحة في الفقه الإسلامي تتميز بكونها تقوم على أسس دينية وأخرى أخلاقية وتقام مناجل الدنيا والآخرة،ويراعى فيها لجانب الروحي إلى الجانب المادي وتندرج في قيمتها وفق درجات يأتي الدين في أعلاها ،وتعد مقصدا للشارع الحكيم وتعتبر علة ونتيجة للحكم الشرعي بالإضافة إلى جملة خصائص أخرى .
وعليه سيتم التفصيل في هده الخصائص وفق المنهاج الأتي :
الفقرة الأولى
قيام المصلحة على أسس دينية
وأخرى أخلاقية
الفقه الإسلامي هو احد الفروع المستقلة من العلوم التي تفرعت عن الشريعة الإسلامية باعتبارها وحدة علمية قائمة الذات .ويتميز بكونه يهدف إلى أهدافها ومستنبط من طبيعتها إلا انه إذا كانت الشريعة الإسلامية تهتم بأمور الفرد والمجتمع في الدين والدنيا أي عقائديا وعلميا فان الفقه الإسلامي جاء جزءا من هدا الكل لا ينظر إلا في الجانب العملي منه .وقد قسم الفقهاء [41]هدا الجانب بدوره إلى قسمين هما العبادات والمعاملات ومن هنا أصبح يقال "إن الفقه الإسلامي دين وقانون " ،فهو دين لأنه ينظم علاقة الفرد بربه في جانبها العملي في صورة تعبد من صلاة وصيام وحج وجهاد دون الانصراف إلى الجانب العقائدي لأنه من اختصاص الشريعة الإسلامية فقط .وهو قانون لأنه جاء منظما لعلاقة الفرد بالفرد من معاملات في والمناكحات والبيوع والهبات والوصايا وما إلى ذلك مراعيا فيه الجانب الأخروي إذ لا يعد تصرف الفرد صحيحا إلا إذا كان يريد من وراء ه وجه ربه الأعلى .[42]
ولما كانت مصالح العباد تتحقق بالأساس في مراعاة حسن تطبيق هدا المزيج من القواعد الدينية والدنيوية فيكل معاملة تخالف هده القواعد تعد معاملة باطلة لا يقرها الشارع الحكيم. والمتتبع لأحكام الفقه الإسلامي يجدها تقوم بالأساس على جملة مبادئ هي في الأصل مبادئ للشريعة الإسلامية ومن هده المبادئ أن قواعد الفقه الإسلامي تقوم على عدة اعتبارات دينية وأخلاقية.
فالقواعد الدينية هي كل ما فيه أمر بعبادة الله والقواعد الأخلاقية هي كل ما فيه مقتضيات تدعوا إلى العدل والإحسان والرحمة والتعاون في دائرة البر والمعروف[43].ومن هنا كانت كل مصلحة لا تراعا فيها هده المبادئ تعد مصلحة مرفوضة ولاغيه لا يقيم لها الشارع الحكيم اعتبارا.
ويترتب عنه انه بقيام هده المبادئ والحفاظ عليها تقوم مصالح العباد وتحفظ وبالمساس بها تمس.
الفقرة الثانية
تقام المصلحة في الفقه الإسلامي
من اجل الدنيا والآخرة
لعله من أهم ما يتميز به النظام الإسلامي هو انه دين ودنيا ،فعلى الفرد في نطاق المجتمع الإسلامي الصالح أن يعمل لدنياه كأنه سيعيش أبدا وان يعمل لأخرته كأنه سيموت غدا وان خير ما يؤكد هدا هو قول الله تعالى " وابتغ في ما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا "[44]ومعنى هدا أن الإسلام غير متشدد وغير متعصب لجانب دون أخر بل هو دين الوسط والاعتدال لذا جاءت قواعد الفقه الإسلامي منظمة لمصالح العباد سواء منها الفردية الخاصة أو الاجتماعية العامة[45].فهو عندما ألح على أن يعمل الفرد للقاء ربه وعندما جعل الدين في أول المراتب لم يذهب بذلك إلى إثارة المصلحة في الدين على المصلحة في الدنيا وإنما أراد بذلك أن يضع منهاجا يجب على المؤمن أن يلتزم به حتى ينجو من مهالك الدنيا ومن عذاب الآخرة .وهو بذلك لم يغفل حق الفرد في الدنيا خاصة وان الله عز وجل إنما خلق البشر من اجل عمارة الأرض ،يؤكد ذلك قوله تعالى :"ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها "[46] .لذا فان كل مصلحة في الفقه الإسلامي تقوم من اجل الدين ويكون من شانها التضييق عل المكلف أو منعه من مصلحة يقرها الشارع الحكيم في الدنيا تعتبر مصلحة لاغيه لا يقرها الشارع الحكيم وكل مصلحة في الدنيا يكون من شانها الضرر بمصلحة في الآخرة تعد مصلحة مرفوضة وإنما وجب أن تكون المصلحة في الدين من اجل حماية ورعاية المصلحة في الدنيا وان تكون المصلحة في الدنيا من اجل تحقيق مصلحة في الدين ويؤكد هدا قول النبي الكريم :"لاضرر ولا ضرار في الإسلام "[47]
الفقرة الثالثة
المصلحة في الفقه الإسلامي تراعي حاجة
الفرد إلى الروح مثل مراعاتها لحاجته إلى المادة
والكلام في هدا لفرع يجب أن يكون من أهم المحاور التي يقوم عليها هدا الموضوع بالأساس.لأنه فعلا يشكل نقطة نقاش ساخنة في هذا العصر الذي نعيشه اليوم جميعا .لان المتتبع للأحداث في العالم المعاصر سيجد نفسه في دوامة لا مخرج منها ،دوامة من الادعاءات والايديلوجيات والفلسفات والمعتقدات آدت إلى ظهور مذاهب وأنظمة متضاربة ومتعارضة غلب فيها الجانب المادي على الجانب الروحي ،فتخبط العالم بسببه في حربين مدمرتين .وهو الآن ومن يدري قد يكون مهددا بثالثة ،وكان من جملة هده لمذاهب مذهبان عملاقان اقتسما العالم الكتلتين إحداهما شرقية والثانية غربية .تتنافس في صناعة الأسلحة الفتاكة والمدمرة التي تذهب بالعالم إلى الدمار والخراب .وكان نتيجة له أن ظهرت تيارات جديدة ذات نزعات روحية تحاول التخفيف من هده الحدة ،قامت على أنقاض ديانات قديمة.إلا انه سرعان ما بان فشل هذا التيار الجديد الذي اعتبره بعض الفلاسفة المسلمين فلسفة معاصرة.[48] لكن ما الأمر والحال بالنسبة للفقه الإسلامي ؟
إن الفقه الإسلامي ثروة فكرية حضارية خلفها المسلمون لاينبغي أن تغفل ولا أن تترك ،تناولت مختلف مجالات الحياة الإنسانية ونظمتها من مختلف وجوهها . وهده الثروة بعيدة كل البعد عن التيارات المعصرة التي تجعل من المادة أساسا للحياة.لأنها جاءت أسبق لها من الناحية التاريخية منظمة لحياة الإنسان بعيدة به عن الطمع بإعداده ليكون المجتمع الصالح.على أسس روحية تمثلت فيما يحض عليه الإسلام من وجوب توجه الفرد إلى ربه متخشعا متضرعا مستغفرا ،من اجل الوصول إلى ما يريده في الأجل والعاجل .
وسار المسلمون على نهد هده المقتضيات خلال حياة الرسول الكريم وبعد وفاته ردحا من الزمن.إلا انه سرعان ما ثارت الأهواء داخل المجتمع الإسلامي وثارت معها المصالح الخاصة الضاربة بمصالح المسلمين عرض الحائط.الأمر الذي جعل الفقهاء يقفلون باب الاجتهاد مخافة أن تختلط هده الثروة بما لا يقره الشارع الحكيم.فيصعب بعد ذلك على المسلمين، معرفة الصحيح منها من الباطل[49] .هدا الأمر جعل العالم الإسلامي بعد صحوته يرفل في ثروة تشريعية تمكنه من تأسيس مجتمعه في شكل صالح ليكون مثالا للعلم من اجل الإفلات من الدمار الذي ينتظره بسبب لتقدم الذي أحرز عليه في ميدان صناعة الأسلحة الفتاكة نتيجة الصراع بين الكتلتين .
وبالفعل هدا هو الأمر الصحيح لان الشريعة الإسلامية ثروة تشريعية صالحة لكل زمان ومكان تقوم من اجل حاجة الفرد للمادة وحاجته للروح[50].الأمر الذي ترتب عليه أن أصبح محط اهتمام كبير لا على صعيد الدول المسلمة فحسب بل في بعض الدول البعيدة عن الإسلام كل البعد .فعلى سبيل المثال كما جاء بذلك الدكتور فاروق النهاج في مرجعه المدخل للتشريع الإسلامي [51] انه في بعض المؤتمرات الدولية تم تبني قواعد الفقه الإسلامي كأساس لبعض التشريعات غر الإسلامية من جملتها المؤتمر الدولي للقانون المقارن الذي عقد في لاهاي عام 1932 ومؤتمر المحامين في لاهاي كذالك لسنة 1948.
لذا فان المصلحة في الفقه الإسلامي تراعي الجانب الروحي في الإنسان مثل ما تراعي الجانب المادي لديه .لأنها جاءت على أسس من الفطرة في الإنسان والطبيعة [52] التي ترفض كل مصلحة يكون فيها ضرر بالإنسان أو إفسادا لطبيعته لان الإنسان روح ومادة ولا ينبغي فصل أحداهما عن الأخرى على عكس المذاهب الوضعية والمناصرة لها التي تثير الجانب المادي في الإنسان ولا تقيم وزنا للجانب الروحي فيه .خاصة وان هدا العصر وجب أن يقال عنه عصر الروح لان عهد العضلات قد ولى وبرز محاه عصر التفكير والعقل.إلا انه ما يلاحظ هو العكس أي انه بالرغم من أن عصر القوة والعضلات قد ولى فان الإنسان المعاصر لازال يحتكم إلى المادة ويقدر قدره بقدر ما يملكه من وسائل مادية دون النظر إلى جانبه الروحي أي كونه إنسان قبل كل شيء .
الفقرة الرابعة
المصلحة في الفقه الإسلامي على درجات
يأتي الدين في أولها
المصلحة تنبع من حاجة الإنسان، وهده الحاجة متفاوتة في الأهمية.فحاجة الإنسان إلى التدخين ليست كحاجته إلى الأكل والمصلحة بدورها متفاوتة، فمصلحة الإنسان في الدين ليست كمصلحته في الحياة ومصلحته في الحياة ليست كمصلحته في العقل وهكذا.
 والمجتمع الإسلامي الصالح يقوم على دعائم صنفها الفقهاء في خمسة أمور لا يجب إغفال إحداها وان تم المس بها انهار هدا المجتمع .وهده الدعائم هي الدين والنفس والعقل والنسل والمال ، وهي تشكل في حد ذاتها المصالح التي قام الشارع الحكيم أصلا من اجل رعايتها وحمايتها بدليل الحديث النبوي الشريف "كل المسلم عل المسلم حرام دمه وعرضه وماله "[53].
ومن هنا كان المس بهده الأمور يعد مسا بمصالح العباد التي يرعاها الشارع ويحميها.إلا أنها مع ذلك تعد متفاوتة في الأهمية، وعليه يمكن القول أن المصالح في الإسلام على خمسة درجات متفاوتة في المرتبة، يأتي الدين في الأولى والنفس في الثانية والعقل في الثالثة والنسل في الرابعة والمال في الخامسة.والدين هو قوام المجتمع وهو نظامه لذا اوجب الله أن يكون في أولى مراتب المصالح التي يرعاها رسوله والمؤمنون ، ومن اجله اوجب الجهاد بالأنفس والأموال والأولاد لذا فان الجهاد بالأنفس ليس كالجهاد بالأولاد والجهاد بالأولاد ليس كالجهاد بالأموال .
الفقرة الخامسة
المصلحة مقصدا من مقاصد الشارع
ذهب الفقهاء إلى أن أحكام الشريعة الإسلامية معللة بمصالح العباد. وبمعنى آخر إن الله سبحانه وتعالى عندما بعث محمدا (ص) بالرسالة السمحاء إنما أراد بذلك حماية ورعاية مصالح عباده. والفقه الإسلامي باعتباره جزءا من الشريعة جاء متكون من أحكام تجد مصدرا لها الشريعة ذاتها.وان هده الأحكام جاءت بدورها معللة بمصالح العباد أي أن مقاصد الأحكام في الفقه الإسلامي هي رعاية مصالح الأفراد في المجتمع الإسلامي الصالح، بدليل قول الله تعالى "رسلا مبشرين ومنذرين ليلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل "[54]ويقول كذلك :"وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا "[55]
ومن تم فان كل مصلحة لا يراعا فيها هدا المقصد تعد مصلحة باطلة لا يقرها الإسلام ، خاصة وانه قد يجد المسلم نفسه أمام نازلة تحتم عليه الاجتهاد برأيه من اجل العمل بمصلحة لا نص فيها ولا اجتهاد أو تركها .وهنا عليه أن ينظر نظرة عامة إلى أحكام الفقه الإسلامي ويقارن بها تلك المصلحة فإذا وجد فيها تمشيا مع هدا النص عمل بها وإذا لم يجد عدل ، وهدا واجب على كل مجتهد .
الفقرة السادسة
المصلحة في الفقه الإسلامي تعتبر علة
ونتيجة للحكم الشرعي
وليست المصلحة علة في الحكم الشرعي فحسب، بل كذلك نتيجة لها فإذا كانت العلة في الحكم الشرعي هي نشوء مصلحة داخل المجتمع الإسلامي.فان الأحكام الشرعية ينتج عنها مصالح يرعاها الشارع الحكيم ويجب العمل على حمايتها ورعايتها داخل المجتمع الإسلامي الصالح، ومن جهة أخرى، فانه لما كانت هده المصالح هي كل مصلحة وضعها الشارع الحكيم.فانه وجب القول بان أساس هده المصلحة ووجودها هو الحكم الشرعي، بمعنى أن الحكم الشرعي هو المنشأ لهده المصالح[56].وكل مصلحة لا يوجد حكم شرعي يخصها بالحماية والرعاية تعد مصلحة معدومة لا وجود لها ،إذ لكي تصبح معالمها معلومة ويستطيع الكل التعرف عليها حتى لا تفوت ولا تهدر وجب أن تفرد لها أحكام شرعية يعلم بها الجميع ويؤكد ذلك قول الله تعالى :"وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا "[57]وقوله عز من قائل : "كتب على نفسه الرحمة " [58]وهدا القول ينصرف كذلك إلى المكلف غير العالم بوجود حكم شرعي يرعى مصلحة معينة أو يحميها .فإذا حدث المس هدا الشخص بمصلحة معتبرة وثبت انه كان على غير علم بإقرار الشارع لها فانه لا يعد مسؤولا عن ذلك وإنما وجب أن يتوفر على شرط عدم العلم بالحكم الشرعي ، كما لوكان أسيرا في دار الكفر لان الافتراض هو العلم به .
 وعليه فان كل حكم شرعي صدر من الشارع الحكيم إلا ويعتبر منشأ لمصلحة يتعين على المكلف اعتبارها.وكل مخالفة له تعتبر إهدارا لمصلحة أنشاها الشارع الحكيم.
المبحث الثاني
شروط المصلحة في الفقه الإسلامي
المصالح التي يرعاه الشارع الحكيم مقسمة إلى مصالح دينية ومصالح دنيوية .والمصالح الدينية جاءت بها نصوص ، أما المصالح الدنيوية فمنها ما ثبت بنص ومنها ما دون ذلك .وعليه فان البحث في شروط المصلحة يجب أن ينص على فئة المصالح التي لم يرد فيها نص ولا إجماع ولم تثبت بقياس لان التي ثبتت بالنص سواء كان قرءانا أو سنة أو ثبت بالإجماع أو بالقياس لاحاجة للبحث عن شروطها لان الله هو الشارع الذي شرعه [59]أما التي لمتدخل في نص ولا في إجماع ولا في قياس فإنها عرضة للأهواء والتحكم ومن تم ألزم الفقهاء توافرها على شروط لتعتبر من قبيل المصالح المعتبرة شرعا وعليه تكون هده الشروط كالتالي :
       I.            أن لاتخالف نص شرعي .
    II.            أن لاتخالف الإجماع .
 III.            أن لاتخالف القياس .
 IV.            أن تكون معقولة المعنى .
وينبغي التذكير في هدا الباب إلى أن هده الشروط، هي الشروط العامة للمصلحة على اعتبار أن للمصلحة شروط خاصة[60].
                           
الشرط الأول
أن لاتخالف النص
يقصد بهدا الشرط أن تسير قواعد الفقه الإسلامي في نسق منظم بحيث لاتخالف القاعدة الدنيا القاعدة العليا، و النص هو مجموع ما انزله الله تعالى على عبده محمد (ص) من آيات قرآنية كريمة تبين للمسلم ما له وما عليه بدليل قوله تعالى "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط "[61]. وما الهم به (ص) من سنن شريفة يجب على المؤمن احترامها والعمل بها بدليل قوله عز وجل:"أطيعوا الله وأطيعوا الرسول "[62]وقوله (ص) عندما سئل عن الإيمان فقال: " هو أن تومن بالله وملائكته ورسله وكتبه واليوم الأخر " [63]وعليه وجب على المجتهد في تأسيسه للحكم لشرعي أن يراعي هده النصوص التي ثبتت بالقران والسنة ،وان لايعتبر مصلحة ما فيه مساسا أو مخالفة لهذه النصوص عملا بكتاب الله وسنة رسوله ، واجتنابا للشهوات والأهواء التي قد يثيرها الشيطان في نفسه ، وكل مصلحة لا تراعي هدا الشرط تعتبر مصلحة مرفوضة في الفقه الإسلامي لان القران والسنة أم المصادر وأعلاها مرتبة وأما الإجماع والقياس وغيرهما فمصادر تابعة لها .ومن تم وجب أن تكون المصلحة المستجدة في المجتمع الإسلامي تابعة للقران والسنة سائرة في فلكهما عملا بقول رسول الله (ص) "تركت فيكم أمرين لن تظلوا ما إن تمسكتم بهما ، كتاب الله وسنة رسوله "[64]
الشرط الثاني
أن لاتخالف الإجماع
الإجماع هو ما اجمع عليه علماء عصر ما في وقت واحد ونازلة واحدة من علماء المسلمين، دون أن يخالف احدهم في أمره.وهو في المرتبة الثانية بعد النص، ومن تم وجب أن تكون المصلحة مطابقة له عملا بمبدأ تدرج الأحكام الشرعية.
إلا انه مع ذلك فقد دهب بعض العلماء وهو الطوفي [65] إلى القول بجواز مخالفة المصلحة للنص والإجماع لما فيها من صلاح للمجتمع الإسلامي ولما يعود به من خير عليه .
إلا أن الظاهر ن هدا القول ليس بالقول الجديد ، بل هو قول وجد في كتاب الله وسنة رسوله من قبل أن يوجد عند الطوفي . والدليل على ذلك أن الشريعة الإسلامية ما جاءت إلا لخير الأمة وصلاحها ومن تم أعطت للفرد حق استعمال عقله من اجل الإصابة مرتين أولهما في الدنيا والثانية في الآخرة.مثاله ما نجد عليه الحال في الوقت المعاصر في بعض الدول الإسلامية من مخالفة بعض النصوص التشريعية فمثلا حد السرقة يجعله الشارع الحكيم في القطع ونجد بعض ولاة أمر المسلمين المعاصرين يجعلونه دون ذلك وفي هدا مخالفة للنص.وفي هدا الصدد يقول صاحب الدين والعقل "ومع ذلك فباسم الإسلام أعلن انه ليس لدينا مانع من قبول حل آخر للمشكلة إذا عالج أصل المشكلة ولم يجر إلى مفاسد فان من حق أولي الأمر بسلطان الإسلام أن يتصرفوا في المباحثات حسبما تقتضيه المصلحة "[66] وهذا بالفعل ما ذهب إليه الرسول (ص) كذلك عندما حلت المجاعة بالمسلمين فأوقف العمل بحد القطع حتى تنتهي تلك الأزمة ...هذا ما فعله أيضا مع أسراه من الكفار حيث أباح لكل منهم الافتداء بتعليم صبية المسلمين .فلما رأى عليه السلام من مصلحة الأمة أن يتعلم أبناءها فضل أن يعود الكافر إلى وطنه مقابل تعلم أبناء المسلمين وان كان في تلك العودة ضررا على المجتمع الإسلامي إلا أن هده المضرة هانت أمام المنفعة منها وفي هذا مخالفة لعدة نصوص قرآنية منها قوله تعالى "فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب "[67]
الشرط الثالث
أن لاتخالف القياس
والقياس هو إلحاق فرع غير منصوص عليه بأصل نصوص عليه لتشابه في العلة، ذلك لأنه لما تبين للفقهاء أن الأحكام الشرعية لم تشرع عبثا وإنما وضعت لغاية يقصدها الشارع الحكيم، وان هده الغاية تمثلت عندهم في مصالح العباد.جعلوا من هده المصالح مناط لبناء الحكم الشرعي في القياس إلا إنهم راعوا في ذلك أن لا تكون هده المصالح من قبيل المصالح المنصرفة إلى أمر من أمور الآخرة، وإنما وجب عندهم أن تندرج في فئة المصالح المتعلقة بشؤون الدنيا.
ويجب أن تتوفر المصالح التي يريد المجتهد أن يؤسس عليها الحكم الشرعي في القياس جملة شروط ، وهده الشروط كما أسلفنا هي أن لا تكون مخالفة للقران وان لا تكون مخالفة للسنة وان لاتخالف الإجماع ويضاف إلى ذلك أن لاتخالف القياس الذي سبق على مقتضاه العمل بحكم شرعي معين .
لذا وجب أن لاتخالف حكما يقره هدا الأصل من الأصول الفقهية .وتكون المصلحة مخالفة للقياس إذا جاءت منافية لما يقره إما زيادة أو نقصانا.
ومع ذلك فانه ما قيل في الشرط الثاني من هده الشروط في جواز مخالفة المصلحة للنص والإجماع، يمكن أن يقال في هدا الشرط كذلك لان الأمور بمقاصدها ومقاصد الشريعة الإسلامية هو حماية ورعاية مصالح الأمة والعباد.ولما كانت هده المصالح تتغير وتتبدل بتغير الأزمان والأمكنة وجب أن تتغير الأحكام الشرعية تبعا لتغيرها لذا فان الفقه الإسلامي في رمته متغير بتغير الأزمنة والأمكنة في بعض جزئياته.
الشرط الرابع
أن تكون معقولة المعنى
وتكون المصلحة معقولة المعنى بتحقق شرطين :
_ أولهما : أن لاتخالف مقاصد الشارع الحكيم .
_ ثانيهما: أن يكون فيها منفعة للمسلمين والأمة الإسلامية.
فالمصلحة التي تخالف مقصد الشريعة الإسلامية تعتبر مصلحة لاغيه ومحرمة لا يقرها الشارع الحكيم ، لذا وجب فيها أن تكون من المقاصد التي قام الشارع الحكيم أصلا من اجل حمايتها ورعايتها وهده الأمور كما صنفها الفقهاء هي الدين والنفس والعقل والنسل والمال .
والمصلحة التي لا يكون فيها نفع للمسلمين تعتبر مصلحة مخالفة لقصد الشارع الحكيم ومنافية له لان الله تعالى ما شرع شيئا عبثا.إنما جاء بما جاء به من اجل أمر كان في علمه وأراد عز وجل أن يتم .
وقد يقصد بقولهم أن تكون معقولة المعنى أن لا تكون من قبيل الضروريات والحاجيات .[68]
إلا إذا كان هدا الأمر قد تم إقراره للمصالح المرسلة أما في المصالح بوجه عام فيمكن إدراجه كذلك ،لان المصلحة الواردة في النص آو الإجماع آو القياس لا يبحث في شروطها .
وبعد إتمام هده الدراسة في شروط اعتبار المصلحة يجب الانتقال إلى المبحث الأخير في هدا الفصل وهو المتعلق بدراسة أنواع المصلحة في الفقه الإسلامي.
المبحث الثاني
تصنيفات المصلحة في الفقه الإسلامي
وبعد أن ضرب الفقهاء أطنابا من البحث في علل الأحكام من اجل القياس عليها وإعمال الرأي على أسس من الأشباه والنظائر ومقاصد الأمور ، تبين لهم أن العلة التي يمكن على مقتضاها تأسيس الحكم الشرعي هي مصلحة العباد والأمة الإسلامية ، وبعد أن ثبت لهم أن هده المصلحة لايمكن الخروج بها عن أمور خمسة ، بتوافرها يتحقق النظام الإسلامي الأمثل وهي حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال ، ثبت لهم كذلك أن هده المصلحة تتفاوت في الأهمية وتتدرج في المرتبة على خمسة درجات تمثلت في كل من الدين والنفس والعقل والنسل والمال على التوالي .فذهبوا إلى تصنيف هده المصالح إلى أنواع ،كل نوع مختلف عن الأخر باختلاف زاوية النظر إليه .فصنفوها من حيث زمان تحققها إلى مصالح دنيوية والى مصالح دينية ومن حيث الحاجة إليها إلى مصالح كلية والى مصالح جزئية.ومن حيث قيمتها إلى مصالح ضرورية والى مصالح حاجية والى مصالح تحسينية ومن حيث أهميتها إلى مصالح فردية والى مصالح جماعية وعليه سوف يتم دراسة هده الجوانب من خلال أربعة مطالب كالتالي:
المطلب الأول
المصلحة في الفقه الإسلامي
من حيث زمانها
يقصد بهدا المطلب ،دراسة المصلحة في الفقه الإسلامي من حيث الزمن الذي تتطلبه لتحققها .فلا بد لكل مصلحة سواء كانت مصلحة تندرج في المصالح التي تنظم بواسطة أنظمة سماوية أو كانت تندرج في المصالح التي تنظم بواسطة أنظمة وضعية من فترة زمنية محددة حتى تعطي الغاية المرجوة منها وفي هدا الصدد يقول الله تعالى :"كلا بل تحبون العاجلة وتدرون الآخرة "[69] ومن هده الآية الكريمة يتجلى لنا القصد الذي ترمي إليه الدراسة من وراء هدا المطلب ،وفي أن المصالح الدنيوية تعتبر من قبيل المصالح العاجلة التي ذكرها الله تعالى في هده الآية .أما المصالح الدينية فهي المصالح الآجلة والتي قال عنها الله تعالى في الآية " وتدرون الآخرة ".
لذا فان المصالح من حيث زمانها في الفقه الإسلامي تقسم إلى مصالح دنيوية وهي التي يذهب الفقهاء إلى تسميتها بقسم المعاملات والى مصالح دينية وهي التي تسمى عندهم بقسم العبادات.
ويترتب عن هدا التقسيم أهمية بالغة تتجلى في عدة نواحي، منها البحث في نطاق المصالح الواجب تقديمها والمصالح الواجب تأخيرها عند تعارض المصلحتين، إذ أن المصالح الدينية تكون دائما في المرتبة الأولى قبل المصالح الدنيوية. والبحث في المصالح الواجب إعمال الرأي فيها من المصالح التي لا يجب فيها ذلك ،إذ أن المصالح الدينية تعتبر من فئة المصالح التي نظمها الشارع بنصوص ولم يترك المجال للاجتهاد فيها .بينما المصالح الدنيوية يعد القسم الغالب فيها من المصالح التي ثبتت بالاجتهاد .
المطلب الثاني
المصلحة في الفقه الإسلامي
من حيث الحاجة إليها
ولما كان للإنسان علاقة بربه وعلاقة بمن هو مثله ،فانه كان من الضروري أن يترتب عن هده العلاقة حاجات تتفاوت في قيمتها وأهميتها ،لذا لم تغفل الإرادة الإلهية هذا الجانب وجاءت بقواعد تقدر قيمتها بقدر حاجة العالم والإنسان إليها فجاءت نصوص الشريعة الإسلامية حافلة بقواعد كلية يقوم عليها مصير الكون بأجمعه [70] لأنها لاينبغي أن تترك للعقول لما فيها من خطورة لا على المجتمع فحسب وإنما على الطبيعة والكون بأجمعه .وتركت ما عداها لإرادة البشر واجتهاده وهي القواعد الجزئية[71]
لذا فان المصلحة في الفقه الإسلامي من حيث الحاجة إليها يمكن تصنيفها إلى مصالح كلية ،وعليها يقوم نظام العالم ، ومصالح جزئية ولا ينخرم بانخرامها هذا النظام .ومن خلال مقارنة بسيطة بين قواعد وأحكام الفقه الإسلامي وقواعد وأحكام القانون الوضعي ،يمكن ملاحظة أن القواعد الكلية تقوم في القانون الوضعي مقام القواعد الآمرة لما فيها من مساس بالنظام العام سواء في المجتمع الإسلامي أو في المجتمعات الأخرى .وان القواعد الجزئية في الفقه الإسلامي تقوم مقام القواعد المكملة في الأنظمة الوضعية لأنها لا تمس بالنظام العام عند مخالفتها.لهذا قال صاحب فلسفة التشريع في الإسلام [72] " ..القاعدة المقررة انه إذا تعارض أمر كلي وأمر جزئي ،فالكلي هو المقدم لان الجزئي يقتضي مصلحة جزئية والكلي يقتضي مصلحة كلية .."لذا فانه إذا تعارضت مصلحة كلية مع مصلحة جزئية وجب أن تقدم المصلحة الكلية على المصلحة الجزئية.
المطلب الثالث
المصلحة في الفقه الإسلامي
من حيث قيمتها
ولا يتم تصنيف المصلحة في الفقه الإسلامي من حيث الحاجة إليها فقط ،وإنما يجب كذلك النظر إليها من حيث قيمتها بالنسبة للإنسان على أساس أن الله ما انزل رسالة الإسلام إلا لصالح من يعتنقه عملا بقول الله تعالى : "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا "[73]
لذا رأى الفقهاء تقسيم المصلحة من حيث الضرورة إليها لما تتضمنه من قيم يكون المجتمع والفرد في حاجة إليها إلى مصالح ضرورية والى مصالح حاجية والى مصالح تحسينية [74] .
والمصالح الضرورية هي المصالح التي لابد من تحقيقها وحمايتها ورعايتها لان عليها يقوم النظام الإسلامي المتكامل وتنحصر بالأساس في الدين والنفس والعقل والنسل والمال.
أما المصالح الحاجبة فهي التي ليس من شان تحقيقها أو حمايتها أو رعايتها الحفاظ على دعائم النظام الاجتماعي الإسلامي وإنما هي ما كان من شانه التخفيف عن الناس ودفع الحرج عنهم وجلب التيسير لهم .وبمعنى آخر هي كل ما فيه رفع الضيق عن المكلف.
أما التحسينية فهي مالا يعتبر من قبيل الضرورية ولا ما يعتبر من قبيل الحاجية وإنما هي ما قام مناجل الأخذ بما يليق واجتناب ما لا يليق أو ما كان من شانه تكملة حياة الإنسان .
المطلب الرابع
المصلحة في الفقه الإسلامي
من حيث أهميتها
ويقصد بهدا القول أن الله عز و جل بما انزله من أحكام على نبيه محمد (ص) أراد أن ينظم حياة الفرد المسلم وحياة الجماعة الإسلامية في أن ولا تفضيل لأحدهما على الأخر إلا ما كان من شان تحقيقه مصلحة للأمة الإسلامية والفرد عند الله عز وجل ولا اعتبار للمصلحة التي يراد منها غير وجه الله .لذا فهو نظم مصالح الجماعة الإسلامية من اجل غاية واحدة وهي التوحيد وجعل من يدخل تحت راية (لا اله إلا الله وحده لا شريك له) مسلما آمنا ، وجعل من يقول (لا اله إلا الله محمد رسول الله ) من الذين سيدخلون الجنة . ومع ذلك لم يغفل جانب الفرد.فهو كذلك إلى جانب ما ألزم به الأفراد من وجوب الطاعة لولاة الأمر لتمكينهم من تسيير الجماعة وإدخالها تحت راية الإسلام ، اوجب على الحكام واجبات اتجاه رعياهم وخير ما يدل على ذلك الحديث النبوي الشريف المشهور بين الجمهور :"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " [75]الحديث. وقول أبو بكر رضي الله عنه عندما ولاه المسلمون خليفة عليهم : " فان أخطأت فقوموني "[76] وبدليل قول الله تعالى :" ومن لم يحكم بما انزل الله فاولائك هم الظالمون "[77]
وهدا معناه انه لاينبغي للحكام أن يحكموا وفق أهواءهم وإنما يجب أن يرجعوا في ما يتعلق بأمور الآخرة إلى كتاب الله ا والى سنة رسوله ا والى ما يقره علماء الإسلام لان الله جعل الإسلام رعاية لمصالح العباد سواء منها الجماعية آو الفردية وأسس كل ذلك على علاقته بعبده فان حسنت حسنت التوابع وان فسدت فسد كل ما بني عليها[78]  


ذ/ حسن فيلالي
 


 [1] سورة النساء الآية 59.
[2] سورة الأنبياء الآية 107.
 
 [3] مبادئ التشريع الإسلامي الطبعة الأولى السنة 1986 الدكتور خالد عبد الله عيد الصفحة23.
 [4]  المقصود من هذه الفقرة هو أن المصلحة في الفقه الإسلامي اعم من المصلحة في النظام الوضعي وان كلمة الفلسفة الواردة هنا إنما جاءت للدلالة على هذا النظام على اعتبار أنها إحدى مقومات قيامه.
 [5] حديث شريف معروف بين الجمهور وهو " قال رسول الله بماذا تقضي إذا عرض لك قضاء ؟أجاب معاد بكتاب الله.فقال رسول الله (ص)وإذا لم تجد.؟ أجاب بسنة رسوله .قال وإذا لم تجد؟ قال اجتهد رأيي ولا الو أي ولا اقصر "رواه البخاري ومسلم .
 
[6]سورة البقرة الآية 197.
 
[7]خالد عيد مرجع سابق ص 23.
 
[8]خالد عيد مرجع سابق ص23.
[9]خالد عيد مرجع سابق ص19.
 
[10]"     "     "     "    ص20.
 
[11]ضوابط المصلحة في التشريع الإسلامي ،محمد سعيد رمضان البوطي المكتبة الأندلسية ،دمشق ص 30 وما بعدها.
 
[12]شرع من قبلنا كمصدر من مصادر التشريع الإسلامي.
 
[13]حديث رواه البخاري ومسلم.
 
[14]فلسفة التشريع في الإسلام مقدمة في دراسة الشريعة الإسلامية على ضوء مذاهبها المختلفة وضوء القوانين الحديثة للمحامي صبحي محمصاني ط3س1961دار العلم للملايين بيروت ص:201-202.
 
[15]مصطفى قلوش القانون الدستوري والنظم السياسية ج1س1984-1985ص:71.
[16]ما عدا بعض القبائل المتوغلة في القارة الهندية التي لازالت تعبده.
 
[17]فيما بعد
[18]فيما بعد
[19]حديث رواه البخاري ومسلم.
 
[20]المقصود بها ظاهرة التسلح.
 
[21]الحديث ذكره خالد عيد مرجع سابق ص 95.
 
[22]جاءت هده النظريات في كل ما خلق الله، ومن أهم ما تناولت الإنسان والطبيعة فجاءت نظريات في علم النفس أصولها من القران، انظر في ذلك ص221 كتاب القران نظرة عصرية جديدة لصاحبه المؤسسة الغربية للدراسات والنشر.
 
[23]علي عبد العزيز بن علي العمريني جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية رسالة لنيل دبلوم درجة الماجستير حول الوصف المناسب والتعليل به عند الأصوليين ج 1.
 
[24]المرجع السابق للعمر يني عبد العزيز.
 
[25]ذكره في المرجع السابق علي عبد العزيز ص66.
 
[26]علي بن عبد العزيز العمريني مرجع سابق ص76.
 
[27]الشيخ احمد الخضري بك مرجع سابق، المقدمة.
 
[28]الشيخ احمد الخضري بك مرجع سابق، المقدمة .
 
[29]ذكره د.خالد عيد مرجع سابق ص23.
 
[30]ضوابط المصلحة مرجع سابق ص30.
 
[31]هذه خاصية تميز المصلحة في لنظام الوضعي لكنها من جهة الفقه الإسلامي تعد مأخذا كما يتبين ذلك من خلال تحليلها.لأنه لاحا كمية إلا لله وحده، وهذا هو وجه المقارنة وفائدتها.
 
[32]الإسلام والفلسفات المعاصرة سلسلة الثقافة الإسلامية المكتب الفني للنشر القاهرة لمحمد ص37.
 
 [33]د/عباس محمود العقاد.الإسلام دعوة عالمية ومقالات أخرى منشورات المكتبة العصرية بيروت صيدا.
 
[34] البروليتاريا.
[35]الكتلة الشرقية صاحبة النظام الجماعي الكتلة الغربية صاحبة نظام الفردي .
[36]وسيلة.
 
 
[37]كتاب أصول الشرائع لبنتام ص3-7 ذكره صاحب ضوابط المصلحة المرجع السبق ص41.
 
 
[38]ضوابط المصلحة في التشريع الإسلامي مرجع سابق ص 44 -البوطي-.
 
[39]مبادئ التشريع الإسلامي د/خالد عيد مرجع سابق ص19.
 
[40]المدخل للتشريع الإسلامي د/محمد فاروق النهاج وكالة المطبوعات .الكويت دار القلم بيروت ص 345.
 
[41]خالد عيد مرجع سابق ص67.
[42]الزواج نصف الدين والمال ذو وظيفة اجتماعية.
[43]خالد عيد مرجع سابق ص 16-19 .
[44]سورة القصص الآية 77.
[45]خالد عيد مرجع سابق ص23.
[46]سورة الأعراف الآية 56.
[47]حديث مشهور بين الجمهور .
[48] محمد بهي مرجع سابق ص 37 وانظر ص24 من هذا البحث
[49] محمد فاروق النهاج مرجع سابق ص 345.
[50]ضوابط المصلحة مرجع سابق ص 54.
[51]"" "" مرجع سابق ص 17/18.
[52] خالد عيد مرجع سابق ص 16.
[53]مشهور بين الجمهور .
[54] سورة النساء الآية 165.
[55] سورة هود الآية 7.
[56] خالد عيد مرجع سابق ص 23.
[57]سورة القصص الآية 59.
[58] سورة الأنعام الآية 12.
[59] الخصائص العامة للمصلحة من هذا البحث ص 12/19.
[60] راجع المصالح المرسلة في هذا البحث.
[61] سورة الحديد الآية 25.
[62] سورة النساء الآية 59.
[63] صحيح البخاري الجزء 1 ص 20
[64] رواه البخاري ومسلم.
[65] فلسفة التشريع في الإسلام مرجع سابق ص 215.
[66] الدين والعقل سلسلة الثقافة الإسلامية د سليمان دنيا المكتب الفني للنشر القاهرة .
[67] سورة محمد الآية 4.
[68] خالد عيد مرجع سابق ص 154.
[69] سورة القيامة الآية 19/20.
[70] الشاطبي وذكره المحامي صبحي محمصاني في مرجع فلسفة التشريع في الإسلام ص 264 ط 3 السنة 1961.
[71] صبحي محمصان مرجع سابق ص264.
[72]صبحي محمصان مرجع سابق ص 68.
[73] سورة الأعراف الآية 157.
[74] ضوابط المصلحة في التشريع الإسلامي محمد سعيد رمضان البوطي المكتبة الأندلسية دمشق ص 119.
[75] البخاري ومسلم
[76] د مصطفى قلوش نظرية الحكومة ص 132 كذلك مصطفى قلوش النظم السياسية القسم الأول الدولة والحكومة ط 3 السنة 1984/1985 ص 116 .
[77] سورة المائدة الآية 45.
[78] خالد عيد مرجع سابق ص 23.v





.
Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement